رؤى

مقاومة غزة تُسقط اتفاقات أبراهام

لا تستحق الورق الذي كتبت عليه..

“بعد أن تم الإشادة بتطبيع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل منذ بضعة أشهر كاتفاقيات سلام رائدة في الشرق الأوسط، تبدو هذه الاتفاقات الآن مجرد حدث عارض في التاريخ”، كما قال بورزو داراغاهي.

فبعد أشهر قليلة من إعلان مجموعة من الدول العربية تطبيع علاقاتها بإسرائيل، بدأت هذه الدول في النأي بنفسها عن تل أبيب بعد أن شاهت صورتها في جميع أنحاء العالم في أعقاب هجومها على قطاع غزة ومعاملتها للفلسطينيين.

في هذا السياق، تم تأجيل اجتماع افتراضي كان مقررا إجراؤه الإثنين بين “اتحاد الأعمال الرئيسي” في المغرب، الذي وقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل في العام الماضي، و”اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلي” لمناقشة “فرص الأعمال والاستثمارات في إسرائيل”.

وفي السياق ذاته، تم تعليق الرحلات الجوية التي تربط تل أبيب بالمدينتين الرئيسيتين في الإمارات العربية المتحدة، التي كانت بمثابة حجر الأساس في اتفاقات أبراهام التي أبرمت في العام الماضي بين إسرائيل واثنتين من الملكيات العربية الغنية بسبب مخاوف أمنية، من بين أسباب أخرى.

كما اضطلع الأمير فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، التي يُنظر إليها على أنها الثانية من بين الدول العربية التي طبًعت علاقاتها مع إسرائيل، بدور ريادي في قمة “منظمة التعاون الإسلامي” التي عقدت الأحد في إدانة “الانتهاكات الصارخة” لحقوق الفلسطينيين من قبل قوت الأمن الإسرائيلية و”الإخلاء القسري” ضد فلسطينيي القدس الشرقية.

وعلى الأرجح، سيشكل تصاعد العنف في إسرائيل وغزة والضفة الغربية حجر عثرة في مسار تحسين العلاقات مع إسرائيل، المستمر منذ سنوات من قبل الأنظمة الاستبدادية المدعومة أمريكيا. لكن الأنظمة التي تم إغراؤها بتحسين العلاقات مع إسرائيل من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وصهره جاريد كوشنر تجد نفسها الآن في موقف حرج.

“يكمن الخطر الآن في أن الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل هي من جلب هذه الفوضى، وعليها الآن أن تتعايش معها”، كما قالت تمارا كوفمان ويتس، مسؤولة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة التي تعمل الآن في معهد بروكينغز.

الأمير فيصل بن فرحان
الأمير فيصل بن فرحان

وتزداد الضغوط بشكل خاص في الدول التي تخضع فيها السلطات لشكل من أشكال المساءلة الديمقراطية. ففي السودان، التي ضغطت عليها إدارة الرئيس ترمب لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في يناير الماضي مقابل رفع العقوبات عنها، اندلعت مسيرات مؤيدة للفلسطينيين. وأصر الرئيس المؤقت عبد الفتاح البرهان، في محاولة دفاعية عن اللحاق بموكب المطبعين، على أن قرار حكومته لم يقوض القضية الفلسطينية.

ووصف برهان لقناة فرانس 24 الإخبارية، الإثنين، “ما يحدث الآن في غزة ضد المدنيين العزل” بأنه مؤسف”. وأضاف: “لكن التطبيع لا علاقة له بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم”.

ومع ذلك، فإن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين يؤجج التوترات بين الشعب السوداني، الذي يدعم القضية الفلسطينية بقوة، من جانب، والمجلس العسكري الذي يعمل كسلطة انتقالية في أعقاب نجاح الانتفاضة الشعبية في إسقاط نظام البشير في عام 2019، من جانب آخر.

“توجد فجوة كبيرة بين الحكومة الانتقالية والشارع”، كما قال أندرياس كريج، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في كينجز كوليدج.

وحتى الأنظمة العربية الراسخة التي حسنت علاقاتها بإسرائيل على مدار سنوات تستشعر الآن قدرا كبيرا من الضغوط وسط زخم صور المدنيين الفلسطينيين الذين يدفعون أرواحهم ثمنا للغارات الجوية الإسرائيلية .

وفي قطر، وهي نظام ملكي مطلق لم يسبق له توقيع أي اتفاقية سلام مع إسرائيل برغم وجود علاقات ودية واتصالات منتظمة بينهما، بما في ذلك المساعدة في دفع الأجور في غزة، يلوح الآلاف بالأعلام الفلسطينية في مسيرات احتجاجية قلما تشهدها البلاد. كما اندلعت الاحتجاجات أيضا في عمان، التي تربطها بإسرائيل بالمثل علاقات ودية وحذرة في آن.

ليس هناك ما يشير إلى أن الاعتداء الإسرائيلي على حماس في غزة، أو معاملتها مع الفلسطينيين في القدس، يثير مخاوف أمنية بالطريقة التي أجج بها الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 غضب العالم الإسلامي، وأدى إلى زعزعة استقراره. ولم تواجه أي دولة حتى الآن ضغوط جادة لخفض مستوى علاقاتها بإسرائيل بسبب الأزمة الراهنة. لكن، ثم ما يشي بأن هذه الدول تعيد التفكير بشأن التطبيع.

في هذا السياق أكد كريج أن “هناك تقليل من شأن ضغط الشارع في جميع العواصم التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل”.

كما أشار محللون إلى تحولات ملحوظة في مواقف الحكومات بشأن الصراع مع استمراره، وما أدى إليه من إحداث موجات على الفضائيات التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ما قد يشكل ضغوطا محتملة على إسرائيل لإنهاء عملياتها في غزة، برغم ما تبديه من تعنت ورفض حتى الآن.

https://www.youtube.com/watch?v=o_3QHIHoCwI

وبالإضافة إلى إلغاء، أو تأجيل المؤتمر التجارري مع إسرائيل، ألغت المغرب زيارة مخطط لها من قبل مسؤولين إسرائيليين هذا الشهر لمناقشة الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين. وبعد أن أولت وسائل الإعلام الحكومية المغربية تغطية محدودة للصراع، بدأت في منحه مزيد من الاهتمام والتركيز. وشارك السياسيون المقربون من الحزب الحاكم ذي الجذور الإسلامية في الاحتجاجات التي دعت إلى إنهاء التطبيع مع إسرائيل.

ووصف كريج إتفاقيات التطبيع بأنها “بلا أنياب”، ويمكن رفضها بسهولة إذا تبين أن تكلفتها السياسية ستكون باهظة الثمن. وأضاف: “إذا تبين أنها ستحشد الشارع، فستعلن هذه الأنظمة أن هذه الاتفاقات ليست سوى حبر على ورق”.

ربما تختلف الحسابات بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، المنوطة بصفقة التطبيع أكثر من غيرها كوسيلة لدعم علاقاتها بشخصيات أمريكية موالية لإسرائيل، وضمان حصولها على تقنيات عسكرية وأمنية متطورة. ومن ثم، فإن إيجابيات التطبيع مع إسرائيل تفوق بكثير بالنسبة إليها أي سلبيات.

ومن ثم، فإن “دولة الإمارات العربية المتحدة لن تسمح للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالوقوف في طريق مساعيها لإقامة علاقات مع إسرائيل”، كما قالت ويتس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock