ثقافة

“آجنيش سيلاجي”.. الكاتبة والمؤرخة الشهيرة.. أيقونة التأريخ ورئيس أكبر قسم للتاريخ بالمجر

حوار: د. عبدالله عبدالعاطي النجار

“آجنيش سيلاجي” أستاذة بجامعة “إتفوش لوراند” المرموقة، أكبر جامعات المجر، والحائز خمسة من خريجيها على جائزة نوبل، وواحدة من أفضل جامعات العالم. إنَّها مؤرخة ثقافية ونسائية بارزة، ولعلها الأكثر تميزا من بين بنات جيلها، والسبب في ذلك يُعزى لأنشطتها المتنوعة وإثرائها للحياة الثقافية والعلمية ليس في المجر فحسب؛ ولكن في بلدان أوروبية عربية ولاتينية عديدة. تعدت كتاباتها المنشورة ككتب وأبحاث المائة وخمسين مطبوعا، ولازالت تعمل بجد دول كلل أو ملل. تخصصها الأساسي في التاريخ الحديث والمعاصر. زارت مصر وقرأت عنها كثيرا، وتُكِنَّ لها تقديرا واحتراما كبيرا، وتعرف أنَّها قاطرة العالم العربي التي لو عطبت، عطب عالمنا العربي بأكمله. تأمل أن يستمر الاستقرار القائم في مصر حاليا وأن تنهض نهوضا كاملا، وتستعيد بشكل كامل مكانتها الريادية الطبيعية؛ ليس في الشرق الأوسط فقط؛ وإنَّما على المستوى العالمي. تعمل حاليا على إصدار كتاب باللغة الإنجليزية، يتناول العلاقات بين الدول العربية وأوروبا. وتتولى جامعتها أمر نشر الكتاب  بالاشتراك مع الأكاديمية المصرية للطباعة والترجمة والنشر، ومن المتوقع صدور الكتاب في نهاية يناير 2022، ويشارك فيه أربعة أساتذة مصريين، وأستاذ أمريكي، وثلاثة مجريين. ومن المتوقع أن ينضم الكتاب إلى سلسلة مطبوعات هذه الجامعة العريقة، وأن يساهم في تقوية العلاقات بين الجانبين.

حدثينا عن طفولتك ودراستك وبدايات حياتك العملية؟

ولدت في عام 1966، في بودابست. بدأت دراستي الجامعية عام 1984، في كلية الآداب بجامعة “إتفوش لوراند”. تخصصت في دراسة التاريخ واللغة البرتغالية. جُلَّ دراساتي تنصب على أمريكا الجنوبية، وخاصة البرازيل والأرجنتين، علاوة على البرتغال من داخل القارة العجوز. حصلت على العديد من المنح في المجر وألمانيا والبرتغال والبرازيل والأرجنتين وإنجلترا ومصر. وفي عام 1990، أصبحت مراسلة لصحيفة “دياريو دي نوتيسياس” البرتغالية اليومية ومحاضرة في قسم اللغة البرتغالية وآدابها في ذات الجامعة العريقة التي تخرجت فيها. في عام 1998، حصلت على درجة الدكتوراه في الآداب. في سبتمبر 1998، وتم تعييني كمحاضرة في قسم اللغة البرتغالية وآدابها في جامعة “إتفوش لوراند” ومنذ 2005، إلى 2008، كنتُ مُحاضِرَةً في قسم العلوم الاجتماعية، والدراسات الأوروبية في جامعة “فاسبريم” ثم عدت للتدريس في جامعتي الأم مرة أخرى في قسم التاريخ الحديث والمعاصر، إلى أن أصبحت رئيسة للقسم منذ أكثر من عامين. 

جامعة إتفوش لوراند
جامعة إتفوش لوراند

سمعنا أنَّك زرتي القاهرة لبحث التعاون العلمي بين الجانبين، فما ملابسات الزيارة وأهم نتائجها؟

نعم زرت القاهرة منذ قرابة الخمس سنوات في إطار برنامج المنح الأوروبي “أوراسموس” الشهير، ومكثنا هناك لمدة شهر، تنقلنا خلاله في ربوع القطر المصري بأكمله، مع التركيز على القاهرة وجامعتها الأقدم، حيث كان التعاون والعمل هناك. قمنا بعمل سلسلة من المحاضرات هناك وكانت بناءة للغاية. اتفقنا مع الجامعة على تعزيز أواصر الصلة بين الجانبين، وخاصَّة فيما يتعلق بتبادل الطلاب والأساتذة لزيادة الاحتكاك ونقل الخبرات التي تفيد في تقوية العلاقات العلمية والثقافية بين البلدين. ثم كانت لنا لقاءات مع باحثين مصريين، واتفقنا معهم على استكمال وعمل بعض المشاريع البحثية الدولية، منها ما تم تنفيذه بالفعل، ومنها ما هو قيد التنفيذ. القاهرة بلد الألف مئذنة.. مدينة تجد فيها كل شيء ومن كافَّة النواحي: بمعنى من أراد العلم والبحث سيجد مراده، ومن أراد اللهو والتسلية حتما سيحصل على ما يصبو إليه وهكذا.

ما هو رأيك فيما يتعلق بإقامة جامعة صينية في المجر والصخب الدائر حول هذا الموضوع؟

العلم والدراسة والبحث والتنمية أسس حياتية لا مفر منها، والصين قوة حالية وقادمة لا محالة، ولا ينكر ذلك إلا شخص لا علاقة له بالواقع. نحن أيضا نسعى لتقدم بلادنا ونموها وازدهارها سواء بالتعاون مع المؤسسات المحلية أو الجهات الدولية، ومنها تلك الموجودة في الصين. مع ذلك أفضِّل دوما قبل أن يتم إنشاء جامعات أجنبية، أن يتم تدشين حوار مجتمعي بشأن جدواها، ومدى تقبل الناس لها. المعارضون للمشروع في بلادنا يتزرعون بالقول بأنَّه إذا أرادت الصين فتح جامعة صينية بالمجر، إذن عليها أن تقوم بتمويل شامل للمشروع، وليس بلادنا هي من عليها تحمُّل هذه الأعباء المالية الضخمة. لا مشكلة من وجود الجامعات الدولية، لكن من سيقوم بتمويلها: نحن أم بلدانها الأصلية؟ هذا هو السؤال المحوري؟

آجنيش سيلاجي
آجنيش سيلاجي

هل هناك إقبال من الطلاب العرب على الدراسة بالمجر؟

بالطبع هناك إقبال كبير من الطلاب من مختلف الجنسيات العربية؛ للدراسة في بلادنا؛ حيث نقدم مستوى تعليميا راقيا معترفا به دوليا؛ علاوة على أنَّ المعيشة في المجر، ليست باهظة التكلفة مقارنة بالدول المحيطة كالنمسا وألمانيا وسلوفينيا مثلا. المجر تقدم مئات من المنح الدراسية لبلدان العالم العربي، وعلى رأسها: مصر وسوريا واليمن والأردن وفلسطين. الدراسون العرب موجودون في كافة أنحاء المجر، لكنَّ الجزء الأكبر منهم يتركز في جامعة “سجد” جنوب البلاد، وفي جامعتنا القابعة بالعاصمة. المجتمع الطلابي العربي لا يختلف كثيرا عن نظيره من الجنسيات الأخرى، حيث تجد فيه المتفوق وأصحاب المستوى المتوسط والضعيف وهكذا، ومنهم أصحاب الخلق الرفيع ومنهم أيضا ما دون ذلك.

أنت أيضا زوجة الشاعر الكبير “إشتفان فوروش” حاصد الجوائز.. وسمعنا أن ترجمة ديوانه الشعري “عيش وملح” إلى اللغة العربية صدرت منذ أسابيع في القاهرة عن الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر، ما الذي يمكن أن تخبرينا به عن هذا الكتاب؟ وفي أي ظروف كتبته؟ وماذا تنتظر من ترجمته ونشره في دولة عربية؟

كان هذا الكتاب هو أول كتاب كامل صدر لـ”إشتفان” في عام 1986، كتب بعض الأبيات القصيرة في البداية عن سيدة ونادل ينظران إلى بعضهما البعض، وفجأة وجد نفسه ينسج منها حكاية من اثنين وأربعين بيتا. وفي تلك الآونة ولدت نصوص وأشعار كانت نواة لقصائد هذا الكتاب. أرجو أن يحظى الكتاب باهتمام القُّراء العرب، وأن تكون له أصداء جيدة، بالطبع هذا يتوقف على الاتجاه العام لجمهور القُّراء العرب أيضا، فربما يكون اهتمامهم الأول منصب على روايات الأطفال أو النثر، إلا أنَّني سعيدة في كل الأحوال بأن هذا الكتاب قد ظهر بالعربية. قد يكون تأثير الكتاب الشعري بطيئا، ليس كالرواية مثلا، ولكن ربما يقرأه ناقد عربي ويكتب شيئا عنه؛ خاصَّة وأنَّ مترجم الكتاب قد ترجم الكثير من الأعمال، وهو متواجد بقوة في سوق الأدب والترجمة بين العربية والمجرية والإيطالية.

عيش وملح

عودة إلى التاريخ والكتاب والعلم؟ وأنت كتبتي العديد والعديد من الكتب والأبحاث في دول كثيرة من العالم، برأيك، هل يوجد كتاب بلا أخطاء؟

دعني أكون صريحة معك.. لا تعتمد جودة الكتاب على خلوه من الأخطاء. أعتقد أن هناك بالطبع كتب خالية من الأخطاء. من الممكن أن يخلو كتاب من الأخطاء بطريقة ما، أمَّا الكتب الخالية من الأخطاء تماما بشكل مبالغ فيه فمن الممكن أنَّها تكون مملة.

هل تقصدين أن الأخطاء تُثْري الكتاب وتجعله مثيرا وجاذبا للانتباه؟

خلو الكتاب من الأخطاء تماما يفقده روحه ويحوله إلى نص رتيب، إذا وجد المرء خطأ في كتاب فإنَّه يصححه، بشرط ألا تزيد الأخطاء عن الحد المقبول. 

ما هو شعورك في هذه الآونة في المجر، ككاتبة وأستاذة جامعية ومواطنة وكأم مجرية؟

فلنبدأ بشعوري كأم، هذا الأمر يتوقف على حال الأبناء، إذا صارت أمور الأبناء على نحو جيد؛ فإنَّني أشعر بسعادة، وإذا حدث شيء غير ذلك؛ فإنَّني بالطبع أشعر بالحزن لأجلهم. للأسف، لا أستطيع مساعدتهم في كل الأحوال. كمواطنة مجرية، هناك الكثير من الأمور التي أنظر إليها بعين النقد والاستياء، غير أنَّ مشاكل المجر لا يمكن حلها إلا في سياق ارتباطاتها بالعالم الخارجي. لست راضية عن أمور كثيرة تحدث في وطني؛ لكن أهم أمر هو هل نستطيع أن ننقذ العالم أم سنخربه ونفسده. ككاتبة، أشعر بحالة جيدة، أستطيع فعل وكتابة ما أريد، بكل حرية. في الواقع، هناك أنواع كثيرة من الصعوبات في المجر، لكنك ككاتب لا يجوز أن تمتنع عن كتابة شيء تريد أن تكتبه. هل سينشر بعدها أم لا، هذه خطوة أخرى، لكن في كل الأحوال يجب عليك كتابته. لقد كتبت الكثير من الكتابات المنطوية على نقد. كأستاذة جامعية، أسعد جدا بعملي في الجامعة. أتقابل مع طلاب منفتحين وأذكياء جدا. لا أرى أن جيل الشباب أقل ذكاء من جيلنا، بل هم موهوبون جدا ولديهم قدرات جيدة، مثل كل الأجيال. دائما هناك من المسنين من يقللون من شأن الشباب، لكنهم غير محقين في ذلك. يوجد بين الشباب –وبين المسنين أيضا– من يتمتعون بكفاءات وقدرات ومواهب عظيمة، ومهمتنا في الجامعة أن ننمي مواهبهم ونعزز قدراتهم ونطورها.   

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock