الحضور الكبير لأفلام الأيدى الناعمة كان لافتا فى الدورة الـ 43 لمهرجان القاهرة السينمائى حيث رأينا أكثر من فيلم مميز تم إخراجه بأيدى مخرجه فى أعمال استحقت قدرا كبيرا من الإشادة و تميزت بجرأة المعالجة وقوة الفكرة والبناء الفنى المتقن فى كثير من الأحيان.
المخرجة المصرية هالة جلال قدمت تجربة متميزة عبر فيلمها التسجيلى “من القاهرة” الذى جسد المعاناة التى تعيشها المرأة فى العاصمة حيث التحرش والقسوة المفرطة والقبول بها فى حالة واحدة فقط هى أن تخضع بالكامل لكل ما يملى عليها.
ومن خلال الفيلم يعايش المشاهد القهر الذى تتعرض له الكثير من الفتيات فى المدينة المزدحمة من خلال تتبع يوميات حياة هبة وأية بطلتى العمل واللتين تعانيان فى كثير من الأحيان من البيئة التى تحوى قدرا كبيرا من التمييز ضد المرأة حيث مازالت الكثير من السلوكيات الذكورية ترى فيها كائنا من الدرجة الثانية و رغم التطور الكبير الذى يفترض أن يكون قد أعترى الكثير من الأفكار والمفاهيم فإن المخرجة تؤكد بالدليل عبر فيلمها المتميز أن الواقع يبدو شيئا مختلفا فمازالت المرأة تعانى حتى يومنا هذا داخل القاهرة فالبنات حتى اليوم غير مرحب بهن فى شوارعها وحواريها المختلفة .
تصل المخرجة إلى نتيجة هامة وهى أن الحب هو الملجأ والملاذ الوحيد فى القاهرة وهو ما يظهر ما يظهر من علاقات العلاقة القوية التى تربط هبة وأية بطلتى العمل ببنات جنسهن.
الفيلم يظهر بجلاء شديد حجم المعاناة المضاعفة التى تعيشها بطلتى العمل فبالإضافة إلى الزحام والضوضاء والعنف الذى يضيق به كل سكان العواصم والمدن الكبرى ذرعا فإن عليهما فى الوقت نفسه أن تقاسيا فى مدينة غير مرحب فيها بالنساء.
هبة الفنانة التشكيلية تحاصرها منذ البداية أمها بعبارة ” مش هتقدرى” فتتحدى كل شىء وتواجه المجتمع بمنتهى الجرأة دون أن تخشى شيئا وتقفز على كل الإحباطات بما فيها وضعها كمطلقة ، أما أية فإنها عانت من اليتم مبكرا برحيل أبيها وأمها وتحدت الجميع بما فيهم المجتمع عندما قررت أن تخلع حجابها حتى تبدو صادقة وغير متكلفة مع نفسها فى مجتمع يجيد الكثير من أبطاله تمثيل دور الفضيلة الزائفة طوال الوقت.
فيلم ” بلوغ ” السعودى الذى افتتح مسابقة آفاق السينما العربية ضمن مهرجان القاهرة السينمائى شاركت فى إخراجه 5 مخرجات سعوديات هن: هند الفهاد وجواهر العامرى ونور الأمير وفاطمة البنوى، وسارة مسفر.
ويتضمن الفيلم خمس قصص تناقش كل مخرجة فيهن واحدة من القضايا الخاصة بالمرأة فى المجتمع السعودى والتحولات المختلفة التى تعرضت لها واسم الفيلم ” بلوغ” ليس له علاقة بالنضوج الجسمانى وإنما يرمز إلى وصول المرأة إلى أهدافها فى نهاية المطاف بعد مسيرة من العمل من أجل ذلك وعبر القصص الخمس يمكن للمشاهد أن يدرك حجم المعاناة التى تشعر بها بعض من النساء ليس فى المجتمع السعودى وحده وإنما فى الكثير من المجتمعات الأخرى.
يظل المشاهد حائرا ومصدوما وهو يتابع تلك العروس التى أختفت فى الفيلم ليلة زفافها وينتظر فى قلق أن يتعرف على حقيقة الأسباب التى أفضت بها إلى هذا التصرف وفى قصة أخرى نعيش مأساة أمرأة تعانى من العقم وتبذل كل ما فى وسعها كى تتمكن من الإنجاب وفى مفارقة أخرى يعرض الفيلم للأزمة التى تعيشها أمرأة أخرى والتى دفعتها إلى التفكير فى الإجهاض فيما تجاهد مطلقة بكل طاقتها متشبثة بإرادة المقاومة كى تتمكن من استكمال مسيرة حياتها.
وفى السياق ذاته جاء الفيلم الأردنى ” بنات عبد الرحمن” وفيه يعتمد الأب المريض بشكل كامل فى حياته على أبنته الكبرى زينب ويختفى الأب فجأة فى ظروف غامضة فتطلب من شقيقاتها الثلاث أن يقمن بالتعاون معها فى رحلة البحث عنه وتحدث بعض الصدامات والمناوشات بينهن بفعل التباين الواضح فى الرؤى والأفكار ولكنهن ما يلبثن أن يتحدن فى مواجهة الخطر المشترك والبحث عن الأب الذى خرج ولم يعد.
يعرض الفيلم بجرأة شديدة للعنف والقهر الذى تتعرض له النساء فى المجتمعات العربية التى مازالت تحكمها الثقافة الذكورية التى ترى فى المرأة كائنا ضعيفا قليل الحيلة يسهل قهره ومنعه من المطالبة بأى من حقوقه عبر إشهار سلاح الاستقواء عليه.
فى السياق ذاته جاء الفيلم الأوروبى “107 أمهات” من إخراج بيتر كيركس وهو إنتاج مشترك بين أوكرانيا وسلوفاكيا والتشيك ويتعرض لقضية بالغة الأهمية عن الثمن المضاعف والفادح الذى تدفعه المرأة عندما تكون أما وسجينة فى الوقت نفسه.
يبدو القهر الذكورى واضحا خارج خارج أسوار السجن وداخلها فالسجينات اللاتى يعشن أصعب لحظات حياتهن خلف القضبان دفعن الثمن من أعمارهن حيث قادتهن جرائم قتل الأزواج بسبب الخيانة إلى السجن بينما تعانى كل منهن مرتين بسبب نفسها وبسبب روح المعاناة التى انتقلت إلى أطفالها رغما عنها حيث تدور أحداث الفيلم داخل سجن نسائى حيث تعيش السجينات مع أطفالهن الرضع تحت إشراف المديرة إرينا.
الفيلم الكورى الجنوبى “انطوائيون” يعكس نوعا جديدة من المعاناة حيث تختار بعض النسوة فى هذا البلد أن يعشن فى عزلة كاملة عن المجتمع وهو ما فعلته بطلة الفيلم التى تعمل فى شركة تأمين وتعيش بمفردها فى شقة مفضلة الابتعاد عن أبيها الذى رفض أن يمد لها يد العون فى بناء حياتها الخاصة وتصاب بصدمة عندما يموت جارها الذى كان يعيش وحيدا مثلها دون أن ينتبه لذلك أحد إلا بعد فترة ليست بالقصيرة وهو ما يدفعها إلى إعادة التفكير فى مصيرها.
أما الفيلم الرومانى ” قمر أزرق” فيروى قصة حياة الشابة إيرينا التى يتم تجريدها من إنسانيتها والتى تلوذ بالفرار للهرب من العنف الذى ذاقت الأمرين منه داخل أسرتها المفككة وتبدأ بعد ذلك مع عدد من الفتيات رحلة البحث عن ذاتها .
تبقى هذه الأفلام وغيرها تعبيرا عن الدور بالغ الأهمية الذى تلعبه السينما فى تجسيد قضايا وهموم المجتمع عبر وجبة فنية دسمة شعارها المتع والإثارة حتى أخر مشهد