تحولت مواقع التواصل الاجتماعى السبت 4 ديسمبر إلى سرداق عزاء كبير، يُعزِّى فيه المصريون من مختلف الأطياف بعضهم البعض، فى وفاة الدكتور هاني رسلان مستشار مركز الأهرام؛ متأثرا بإصابته بفيروس كورونا. المُصاب جلل والخسارة فادحة برحيل واحد من أبناء النيل المخلصين، الذين كرسوا علمهم وخبراتهم فى الدفاع عن النهر وحقوق مصر المشروعة فيه، كما قدَّم الفقيد طوال حياته الكثير لبلده، وقد استعانت به الجهات المختصة كثيرا فيما يتصل بالشأن الإفريقى الذى كان متابعا لأدق تطوراته، كما قدَّم إسهامات جليلة في ملف سد النهضة.
الدكتور “محمد نصر علَّام” وزير الري الأسبق أدلى بشهادته عن رسلان على حسابه الرسمى على فيس بوك حيث قال: “عاشرت هذا الرجل سنواتٍ طوال، فلم أعرف عنه إلا الوطنية والعطاء لمصر إلى أبعد الحدود، وكان مثالا للرجولة المتجسدة بالرغم من جسده السقيم”
وفى رثائه قالت الدكتور “أماني الطويل” مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية على حسابها على فيس بوك: “نذكر للفقيد عمله، وعظيم مجهوده لخدمة قضايا وطنه وقضايا وادى النيل؛ وخصوصا فيما يتصل بدراسات الشئون السودانية”.
“ضياء رشوان” نقيب الصحفيين عبَّر عن حجم الخسارة الفادحة برحيل رسلان، فنعى الراحل قائلا: “الصحافة المصرية فقدت عالما من أعلامها في مجال البحث والدراسات، وبالخصوص في الشئون الأفريقية، على مدار أكثر من ثلاثين عاما، قدَّم خلالهم العديد من الدراسات والبحوث والحلول للأزمات التي تواجه العلاقات المصرية الأفريقية، استعان بها متخذو القرار في أغلب القرارات التي تخص القارة السمراء”.
وللراحل أيادٍ بيضاء لا يمكن إنكارُها.. فمع تصاعد حدة أزمة سد النهضة واتساع هوة الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا؛ لعب الدكتور “هاني رسلان” دورا كبيرا فى فضح المزاعم الإثيوبية الخاصَّة بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل؛ وتصدَّى –عبر كتاباته وتحليلاته المختلفة– لمَهَمَّة تفنيد كل المزاعم الواهية التى روج لها الجانب الأثيوبي، واعتمد “رسلان” فى ذلك على المعلومات الهائلة التي يملكها، بوصفه واحدا، من أبزر الخبراء فى الشأن الإفريقى وملف المياه والعلاقات بين دول حوض النيل.
كان الدكتور “هاني رسلان” طوال الوقت هو المرجع الأساسي الذى يُهْرَعُ إليه كل الصحفيين والإعلاميين في ما يتصل بالشأن الإفريقي ومستجداته المختلفة، وكان بحكم علمه الغزير وخبراته الواسعة بالقارة السمراء؛ قادرا على أن يقدمَ إجابات وافية لكل التساؤلات خلال دقائق قليلة.
أسس الدكتور “هاني رسلان” وحدة دراسات السودان وحوض النيل، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وتولَّى رئاستها، كما رأس أيضا تحرير ملف الأهرام الاستراتيجى ومجلة ” رؤى مصرية”.
لم يتلوَّن الدكتور “هاني رسلان” ولم يداهن، وهذا ما يُفسر مظاهرة الحب الجارفة التى شهدناها فى وداعه عبر مواقع التواصل، فكل من اقتربوا من الرجل أو تعاملوا معه جمعهم الود والاحترام لشخصه؛ حتى آخر يوم في عمره.. فقد كان إنسانا بمعنى الكلمة، لايبخل بمد يد العون لمن يحتاج إليها، ولا يتأخر أبدا عن تقديم النصيحة، ولم يغلق باب مكتبه في وجه أي باحثٍ.. ورغم مرضه الذى كان يخفى حقيقته عن الكثيرين لم تكن الابتسامة تغادر وجهه.
لم يقتصر عطاؤه على تقديم كل ما فى جعبته لوطنه راضيا مرضيا؛ للدفاع عن حقه الأصيل فى مياه النيل وبناء علاقات قوية تجمع مصر بكافة الدول الأفريقية، حيث كان على الدوام فى خدمة أهل بلده فى الجنوب والذين كان يفخر بكونه واحدا منهم وهو ما يمكن للمرء أن يلمسه بوضوح فى حرصه على ارتداء الجلباب الأبيض فى حضرتهم، بينما يبدو النيل شريان الحياة وعشقه الأبدي حاضرا دائما في صوره هناك.
ظل رسلان مرتبطا بالصعيد، ولم تبعده المسافات الطويلة أبدا عنه؛ بل إنه كان يشجع الكثيرين ممن يعرف على أن يشدوا الرحال إلى الجنوب حيث كان يلعب دورا بارزا فى منتدى “دندرة” الثقافى الذى يعقد فى محافظة قنا مسقط رأسه.
كان يراهن على وعي الناس كسلاح فعال فى مواجهة التحديات، لذا يحسب له أنه لعب دورا تنويريا بارزا خلال هذا المنتدى الثقافى الأهلى الذى كان واحدا من أبرز الفاعلين فيه حيث لم يقتصر دوره على الحضور فقط، وإنما كان يتولى دعوة الصحفيين والإعلاميين والمثقفين الذين كانوا يشاركون فى هذا المنتدى السنوي، والذى لعب دورا كبيرا فى النهوض بالوعى المجتمعي في الصعيد، الذى ظل يشكو تهميشا ثقافيا لعقود ساهمت فيه النخب بعد أن قصرت دورها على العاصمة والتخوم المحيطة بها لفترات طويلة.
كان “رسلان” يعانى من الإصابة بمرض الفشل الكلوى قبل أن يصاب مؤخرا بفيروس كورونا حيث تدهورت حالته الصحية بعد نقله للمستشفى لتلقى العلاج، قبل أن يرحل عن عالمنا مُخَلِّفا حالة من الحزن الكبير والحداد الشعبى على رحيل هذا الرمز الوطنى الكبير.