تثير الجوائز الأدبية جدلا واسعا، يتجدد عقب إعلان نتائجها بين الحين والأخر، وفي حين يرى البعض أنها تساهم في خلق حالة من الاحتفاء بالأعمال الإبداعية المختلفة، وتصنع مناخا من المنافسة بين الأدباء والكتاب.. في المقابل يشكك آخرون في المعايير التي يتم على أساسها منح هذه الجوائز التي تتحكم فيها “الشللية” والمصالح في أحيانٍ كثيرة؛ مدللين على ذلك بحرمان عدد من كبار المبدعين منها.
في الوقت نفسه يتهم البعض الجوائز الأدبية؛ بممارسة تمييز غير معلن لصالح الرجال، على حساب النساء في إشارة للرصيد المتواضع للغاية للأديبات من هذه الجوائز مقارنة بالأدباء.
الجدل المحتدم حول الجوائز الأدبية، يثير عددا كبيرا من التساؤلات التي تبحث عن إجابة فهل تذهب مثل هذه الجوائز دوما لمن يستحق؟ وهل ينتصر العمل الإبداعي الأكثر تميزا؟ وما الضوابط التي يمكن وضعها مستقبلا لجعل تلك الأمور أكثر موضوعية؟
الروائي وجدي الكومي يقول لـ”أصوات أون لاين”: أنا مؤمن دائما أن قوة العمل الأدبي ستنتصر دائما على أي شيء، على “شللية” أو على فساد لجنة تحكيم، أو على فساد ذائقة، ومن ثم لا يمكن أن أقول إن الجوائز باطلة للأبد، والحديث عن “تربيطات” الجوائز حديث قديم، وأعتقد إن هذا الموضوع يثار أكثر مما يثار الكلام عن الأعمال الأدبية الجديدة.
ويضيف: أتمنى أن تتوقف الصفحات الثقافية وأقسام الثقافة بمختلف المواقع الإليكترونية عن سؤال الأدباء بشأن مسألة، هل الجوائز الثقافية فاسدة أم لا؟ لأننا نتحدث عن مسألة تجري هنا في الأرض وليست في السماء، وكل ما يجري في الأرض؛ قد يخالطه بعض الفساد، وما لا يُدرك كله، لا يترك كله، لهذا أنا دائما أقول لزملائي الكُتاب في ورش الكتابة: لا تملوا ولا تيأسوا من التقدم للجوائز الأدبية، لأن كل كاتب محتاج لجائزة، وكل كتاب بحاجة لجائزة، وإذا لم يصب كتاب ما جائزة، سيصيب كاتبه جائزة ما أخرى عن كتاب آخر.
الكاتب والروائي محمود عبده تحدث بدوره لـ”أصوات أون لاين” قائلا: الجوائز الأدبية تخضع لأكثر من عامل، في مقدمتها أجندة الجهة المانحة للجائزة ورؤيتها، وهذا العامل هو عامل استبعاد مبدئي لعديد من الأعمال المتميزة؛ كونها تخالف رؤية الجهة المانحة الأدبية أو السياسية وهناك جوائز عربية إقليمية تضع العامل الجغرافي في اعتبارها، فتخصص نصيبا من الجوائز لبلاد معينة، وهو ما يمثل عاملا سلبيا أيضا في اختيار الأعمال المتميزة.
ويضيف: هناك عامل أخر مؤثر هو رؤية أعضاء لجان التحكيم وتوجهاتهم، فهم بشر يختلفون في توجهاتهم النفسية والأدبية، والأهم أن معايير اختيار أعضاء تلك اللجان، غالبا ما تخضع لعوامل “الشللية” والولاءات.. وأعرف نقادا محترفين يتم اختيارهم في لجان تحكيم الجوائز؛ ليس لمهارتهم النقدية بل لمهارتهم في صنع علاقات قوية مع القائمين على الجوائز، عبر المجاملات الشخصية التي تتنوع صورها، وأمثال هؤلاء النقاد المتواضعين محترفي المجاملات، يختارون الأعمال في إطار مستواهم المهني المتواضع، وفي اطار مصالحهم الشخصية ورؤاهم.
ويرى عبده أن “الشللية” صارت سمة عامة في الوسط الثقافي المصري، فهي أيضا تلعب دورها في اختيار الفائزين، في عدد من الجوائز العربية والمصرية، خاصة الجوائز الأشهر أو الأعلى من حيث القيمة المالية، وتتجلى “الشللية” تجليا واضحا في واحدة من الجوائز المصرية التي أثار مانحها الجدل مؤخرا بتصريحاته، فحين يتأمل المرء تلك الجائزة يلاحظ أن بعض الفائزين بها في بعض الدورات يتحولون لأعضاء في لجان تحكيمها في دورات تالية، كما يتحول بعض أعضاء لجان تحكيمها لفائزين بها في دورات تالية، وهو ما يعكس تداولا للجائزة بين شلة معينة تهيمن على الجائزة وتسيطر عليها.
وحول إمكانية وضع معايير جديدة لحسم هذا الجدل يقول: الأمر مرتبط أكثر بتغيير الثقافة العامة في الوسط الثقافي، فالضوابط يمكن التحايل عليها دوما، والأهم ان تختفي ثقافة “الشللية” والارتزاق والمجاملات من الوسط، وهذا أمر صعب عمليا، لأن تلك الثقافة تسود المجتمع ككل، ولأنها تسببت في تسرب كثير من النماذج السيئة للوسط الثقافي حتى كادت تهيمن عليه وتمثل أغلبيته.. نحتاج حلا شاملا يُغلّب ثقافة الإنصاف والمهنية والموضوعية في المجتمع الثقافي.
الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف يرى أن المسابقات الأدبية أصبحت مثيرة للغط شديد، حول اللجان والاختيارات، والأموال الضخمة، والمجاملات الواضحة، ولذلك تحولت بعض الجوائز من مساحة للتشجيع، إلى أسباب للإحباط لكثير من الكتّاب والمبدعين وذلك بحسب مقال نشره مؤخرا بمجلة عالم الكتاب تحت عنوان “الجوائز بين القيمة والتسليع”.
ويضيف الجوائز والمسابقات الأدبية، حالتان ليستا متجانستين، بل إنهما حالتان أو ظاهرتان مختلفتان، فالغرض عادة الذى تقوم من أجله المسابقات، وتتشكل اللجان، ويتم رصد الأموال، ذلك من أجل تشجيع المواهب، وإحداث حركة من التنافس بين الأدباء والكتّاب والمبدعين عموما لتعود على تنشيط الحركة الأدبية بالرقى والتطور، وبالطبع مكافأة كتّاب ومبدعين وأدباء قاموا بجهود مرموقة في تلك المجالات، وهكذا تندرج سلسلة أغراض نبيلة ووجيهة وعملية ومعلنة لرصد الفوائد الجمّة التي تقوم عليها فكرة وأهداف المسابقات العديدة.
ويقول: ما يحدث بعد ذلك من إعداد مجلس أمناء، وتشكيل لجان التحكيم المتنوعة، وفحص وقراءات وتقارير واجتماعات حتى يتم الإعلان عن الجوائز، من الممكن ألا ينطوي كل ذلك على تلك الأغراض النبيلة والنزيهة والمعلنة، والتي أقيمت من أجلها المسابقات، وبالطبع يكون كل ما سبق ذكره سريّا ومحاطا بالغموض وطقوس التعتيم والتمويه والتستر، وبالتالي تكون هناك انحرافات شخصية أو جماعية لا يمكن تجاوزها، وهناك قصص كثيرة تروى عن كواليس تلك المسابقات، قصص لا يصلح أن تكتب، وممنوع أن تعلن على الملأ، ولا يتضمنها مقال مثل هذا، لماذا؟ لأنها دون أدلة مكتوبة، ودون وثائق دامغة، ودون أوراق ومستندات، ولذلك تظل تلك القصص والحكايات والانحرافات حبيسة الجلسات الخاصة والممنوعة من التداول، حتى يتبرّع أحد شهود العيان، ويفضفض إثر خلاف بينه مثلا وبين أحد أبطال الكواليس، فيكتب لنا عن ما حدث أمامه، ويعلن الفضائح والانحرافات بكل أريحية، دون أن يتحدث عن دوره هو، ولماذا صمت عند حدوث الواقعة.