رؤى

الحرية قبل الطعام.. ليتنا نتعلم من كبرياء الطيور!

تعلمت اليوم درسًا بليغًا.. فأنا أحب طيور الزينة، وآنس إلى أصواتها وألوانها. وضعت أربعة من طيور الحب زاهية الألوان، في قفص بديع ظننته قصرا بالنسبة لها، رحبٌ متسعٌ مطليٌ بلونٍ براق كأنه الذهب، ووضعت القفص على عربة مزركشة لها عجلات تتيح تحريكه من مكان الى آخر بما يسمح للطيور المُؤَمّنَة داخل محبسها بتغيير المشاهد والأجواء.. وكان للقفص ثلاثة مستويات أدنى وأوسط وأعلى، على أرضيته ثبتُّ علبة الحبوب التي تهواها وبجانبها حاوية مناسبة الحجم للمياه لشربها ولهوها. ولم أغفل وضع قطعة من جير الكالسيوم الذي تستحبه، وفي المستوى الأوسط صنعت ما يشبه صالة ألعاب تتحرك عليها مستمتعة بما وفرته لها من كرات وأحبال وأغصان، وتركت المستوى الأعلى مفتوحا لها كأنه السماء.. ثم عدت نحو السابعة من صباح اليوم إلى حديقة المنزل بعد جولة رياضية مبكرة.. أصبت بفاجعة! وجدت ثلاثة من العصافير ترتجف، والرابع لم أجد منه سوى رأسه! لا بد أنه ذلك القط الماكر الذي يحوم حول بيتنا – تسلل إلى حديقة منزلنا المحصنة، لمحني فجر ذلك اليوم وأنا ابتعد عن البيت، ليس غيره من فعل ذلك.. تسلل.. هاجم.. قتل.. فصل الجسد عن الرأس.. أخرج الجسد اللين من بين أسلاك القفص. أما الرأس فعلق بين الأسلاك وسقط داخل القفص، ارتعبت الطيور الثلاثة الباقية، وارتعبت أنا بدوري من مشهد الدم وهو يقطر من رقبة ذلك العصفور المقتول، ومن جحوظ عينيه، لا شك أنها كانت لحظة بشعة مرعبة، تأففت بكل صدق من نفسي.. رحت ألومها وأؤنب بشاعتي الإنسانية، قلت لنفسي لو كان ذلك الطائر المنكوب حرا لما كان ذلك القط اللعين قد وصل اليه وبتلك السهولة، أنا من قدمته له لقمة سائغة، أنا من يسّر للقط مهمته؛ فأنا من سجن طائرا خُلق حرًا في قفص، وأنا من أوجدت لنفسي الذرائع.. بررت سجنها بحسن رعايتي لها.. بأنني أحميها وأؤمنها وأمنحها الماء والطعام.. لم أدرك أن الأقفاص لا تحمي وأن الحماية الحقة توجد خارج الأقفاص والأسوار.. حاولت بسرعة أن أكفّر عن ذنبي.. فتحت باب القفص على مصراعيه.. خرجت العصافير الثلاثة منه بسرعة خاطفة.. لم يزل ضميري يعذبني.. فلو كان ذلك العصفور طليقًا لكان قد راوغ وفر من ذلك القط الشرس؛ لكني أنا.. وباسم الحماية مَنْ سجنه؛ فجعلته نهبًا سهلًا للطامعين، ولم تكن طريقة فرار العصافير الثلاثة المتبقية أمامي إلا رسالة أخرى أكدت حماقتي، فقد طارت بعنفوان نحو الحرية.. طارت بخفة كأنها تقول لي فلتذهب أيها الأخرق أنت وقفصك المذهب الممتلئ بالخيرات الى الجحيم، أنت من أفقدتنا مواطنا من بني ريشنا. الحبس مقابل الطعام ليس خيارنا، أماننا خارج الأقفاص وليس داخلها، حمايتنا مسئوليتنا نحن وليست مسئوليتك. قلت لنفسي وأنا أواصل معاتبتها: ليتنا نتعلم من أخلاق الطيور وشمم الطيور وكبرياء الطيور.

د.إبراهيم عرفات

أستاذ العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock