يقول الطبيب والشاعر المصري “إبراهيم ناجي” [1898-1953م] في وصف الربيع:
مرحى ومرحى يا ربيع العامِ
أشرق فدتك مشارقُ الأيامِ
بعد الشتاء وبعد طولِ عبوسه
أرِنا بشاشةَ ثغرِكَ البسَّامِ
وابعث لنا أرجَ النسيمِ معطرًا
متخطرًا كخواطر الأحلامِ
ويقول أيضًا في قصيدته “الحب والربيع”:
جدّدي الحبَّ واذكري لي الربيعا إنني عشت للجمال تبيعا
أشتهي أن يلفَّني ورق الأيــكِ وأثْوِي خلف الزهورِ صريعا
آه دُرْ بي على الرِّفاق جميعًا واجعل الشمل في الربيع جميعا
لا تقل لي اشتر المسرَّة والجاه فإنِّي حُسْنَ الربى لن أبيعا
فلغيري الدنيا وما في حماها إنني أعشقُ الجمالَ الرفيعا
أنا من أجله عصيتُ وعُذِّبْــتُ وأقسمتُ غيرَه لن أطيعا
وبطيبِ الربيع أقتاتُ زهرًا وعبيرًا ولا أُكابد جوعا
فَهْو حسبي زادًا إذا عَفَت الدُّنــيا وأقْوَتْ منازلًا وربوعا
وإذا كانت قصائد الربيع يعبر الكثير من الشعراء فيها عن جمال الطبيعة وحسن روضها وروعة أزهارها وشذا عبيرها وارتباط ذلك بمشاعر الحب والأمل والإشراق والبهجة، فإنه هناك أيضًا قصائد أخرى تصف الفراق بين الأحبة والحنين إلى اللقاء المنتظر.
و الموسيقار الكبير “رياض السنباطي” [1906-1981م]، وهو أحد أبرز الملحنين والموسيقيين العرب والمصريين، قد أنشد من ألحانه في الستينيات من القرن الماضي قصيدة بعنوان “ذات يوم يا حبيبي” أو “العصفور والزهرة” للشاعر “إبراهيم محمد نجا” [1919-1969م] ابن مدينة دمنهور، وكانت عبارة عن قصة بديعة تحكي روعة العشق ثم تصور حادثة الفراق وكيف يمكن للربيع أن يزهر من جديد إذا ما عادت الزهرة إلى العصفور.
ذات يوم يا حبيبي
كان عصفور يناجي في الهوى أجمل زهرة
وهي تصغي في حنان تنهل الأرواح عطره
قلبها قد ذاب حبًّا فأذاع الحب سره
روحها حامت على نبع الهوى أول مرة
وتمنت ليل عرس هام فيه عاشقان
فرأى العصفور أن يبني عشا في خميلة
عله يحيا مع الزهرة في الدنيا الجميلة
قصة الحب التي تحلو وإن كانت طويلة
هكذا قد صار ونور الحب يهديه سبيله
يسكب اللحن رحيقا في كؤوس من حنان
بعد أن مر زمان عاد خفاق الجناح
أين راحت زهرتي الحسناء قولي يا رياح
عابر رام صباها فجناها ثم راح
فارتمى العصفور تكوي قلبه نار الجراح
حين ضاعت منه أحلام الصبا قبل الأوان
هل تعود الزهرة الحسناء للطير الحبيب
فيغني أغنيات الحب في العش الرطيب
ويعود النور والإشراق من بعد المغيب
حين عادت بهجة اللقيا إلى القلب الغريب
وبدا الكون ربيعا ليس يطويه الزمان
ذات يوم يا حبيبي
أما كوكب الشرق السيدة “أم كلثوم” [1898-1975م] فلها مع قصائد الفصحى عن الربيع والزهور أكثر من قصيدة مغناة سنلقي عليها الضوء الآن.
البداية كانت مع قصيدة “حيوا الربيع عيد الزهور” والتي تعود لعام 1935-1936م، والتي كانت من كلمات الشاعر “أحمد رامي” [1892-1981م]، و ألحان الموسيقار المبدع “رياض السنباطي”، وبدأ بها فيلم “وداد”، وهي أغنية مبهجة عن عيد الربيع.
حيوا الربيع عيدَ الزهور عيدَ التهاني والسرور
الطير في أفنانه ترنما وأعلنا قرب الهنا
الزهر في أغصانه تبسما لما دنا يوم المنى
حيوا الربيع
هيا على ظهر الجياد تسابقوا
إلى العلا تلاحقوا
هيا إلى نيل المراد تضامنوا تساندوا وتعاونوا
حيوا الربيع
الماء يجري في الرياض كوثرا فاشربوا واطربوا
الريح تسري في الغياض عنبرا فارتعوا والعبوا
حيوا الربيع
هاتوا الكؤوس صبوا الخمور وداعبوا بنت الخدور
يا هذه ما أجملك من مد لي يدا هلك
ما أجمل العينين ما أنضر الخدين
هيأتها دواما بالورود كالخدود بالنرجس
مثل العيون النعس
هيا اطربوا هيا اشربوا هيا العبوا..
حيوا الربيع
الشمس مالت للمغيب والغروب ذهبا هام الربا
البدر يبدو عن قريب كالحبيب لاح فينا كوكبا
حيوا الربيع .. عيد الزهور حيوا “وداد” بدر البدور
https://www.youtube.com/watch?v=KQCJaRt4AtE
كما شدت “أم كلثوم” بقصيدة أخرى للشاعر “أحمد رامي” عام 1932م ولكن الربيع كان فيها شاهدًا على حيرة المحبين وشكواهم ولوعتهم ودموعهم. وهذه القصيدة هي قصيدة “يا نسيم الفجر”، وكانت من ألحانها. وهي القصيدة الوحيدة التي قامت بتلحينها بالإضافة إلى طقطوقة “على عيني الهجر ده مني” التي كانت أيضًا من كلمات الشاعر “أحمد رامي”.
يا نسيم الفجر ريان الندى
ما الذي تحمل من دار الحبيب
فرح الكون بلقياه غدا
والأسى غيمان في عين الغريب
غرد الطير وغنى كل إلف يتهنى
وأنا قلبي حن أرسل الشكوى وأنَّ
آهة تترى
مقلة حيري
تبصر الأحباب من بين الدموع رائح منهم وغاد
وترى بالظن أيام الربيع لخيالي وفؤادي
يا نسيم الفجر ناديا بالزهر
رنم الدوح ورن الجدول
وسرت فى الجو أنفاس العبير
وبدا النور فصاح البلبل
داعيا للشدو أسراب الطيور
والنجوم في الغيوم لبست منها نقاب
والشفق في الأفق لونه ورد مذاب
كل ما في الكون بشر وهنا وأنا
أنا مازلت غريبا مفردا في ديار عزني فيها الحبيب
فرح الكون بلقياه غدا والأسى غيمان في عين الغريب
وسنكمل في المقال القادم إلقاء الضوء على القصائد المغناة عن الربيع والزهور مع الفنانة القديرة “فيروز”.