على صفحتها الشخصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، كتبت المطربة السورية الشابة فايا يونان: “كِل شٍي كان له طعم مختلف في التسعينات”.
وتضيف “قد يظنُّ البعض أنه هذا كلام أجيال اعتيادي مثل ما كان أجدادنا يقولون لنا أن كل شيء كان له طعم مختلف في الأربعينات”.
لكن الأمر ليس كذلك، كما تؤكد المطربة ذات الصوت الملائكي؛ حيث أن جيل التسعينات “جيل انتقالي بشكل فائق للطبيعة؛ لأن تطور الحضارة في آخر عشرين سنة يُعادل تطور الحضارة البشرية في آخر مائتي سنة”
وتضيف مازحة “بالتالي نحن جيل كنا نشتري شرائط الكاسيت؛ لكي يستمع إلى الأغاني المسجلة عليها، أما أولاده فإنهم في أغلب الظن سينشئون في عالم “الميتا فيرس” في اشارة إلى الاسم الجديد لشركة “فيس بوك” والتكنولوجيا الذي يمثلها هذا الاسم.
في رأيي الشخصي فإن يونان لم تخالف الصواب فيما ذهبت إليه هنا، فمن وُلدوا مثل كاتب هذه السطور في ثمانينات القرن العشرين وتفتح وعيهم في تسعينات ذلك القرن يمكنهم أن يؤكدوا صحته.
تفتح وعيي على تلفاز لا يحوي سوى قناة واحدة، والآن وقد قاربت الأربعين من عمري ما علي سوى أن أدير مؤشر تلفازي؛ فتأتيني مئات القنوات المختلفة.
وأغلب الظن أن أولادي لن يفهموا معنى أن يجلس المرء مُسَمّرا أمام شاشة التلفاز، لكي يشاهد مسلسلا في تمام السابعة مساء، وإن فاتته حلقة منه فلا سبيل لمشاهدتها مجددا.
وكان شريط الفيديو هو سبيلي في طفولتي لحفظ برنامج أو مسلسل مفضل، أما الآن فأرى الأطفال يحفظون عشرات البرامج والأفلام والأغاني على الحافظة المعروفة بالـ”فلاشة” المتناهية الصغر.
ولم تكن كلمة الإنترنت تعني شيئا لجيل آبائنا؛ أما بالنسبة لمن هم في سني فقد شهدوا تطورها من خدمة عبر الهاتف المنزلي ذات صوت مزعج للغاية، إلى خدمة يمكن استخدامها في أي مكان عبر هاتفك الذكي.
ناهيك عن التطور المستمر والمتلاحق لما بات يُعرف باسم مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبح الاطلاع عليها وعلى محتواها طقسا يوميا لملايين البشر حول العالم.
وبفضل هذه المواقع لم يعد الخبر أمرا يقرأه المرء في صحف الصباح، وهو يرتشف فنجان القهوة كما كانت العادة مع جيل أجدادنا بل أصبح الخبر في متناول اليد في نفس لحظة حدوثه.
وهذا التطور الأخير ليس بالهين بالنسبة لمن تفتح إدراكه مثلي على انتفاضتين فلسطينيتين في ١٩٨٧ و٢٠٠٠، وشهد بينهما حربين في منطقة الخليج العربي؛ حملتا اسمه وغزو واحتلال قطر عربي هو العراق عام ٢٠٠٣، وتحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠، ثم الحرب عليه عام ٢٠٠٦، وخمس حروب متتالية على قطاع غزة، وانتفاضة شعبية مصرية في ٢٠١١، أطاحت بنظام جثم على صدر المحروسة ثلاثين عاما.
وحين أقارن ما شهدته في سنوات طفولتي، بما أعيشه الآن تنتابني مشاعر متناقضة ومتباينة، فمن ناحيةٍ أحمدُ الخالق تعالى على تهيئته للإنسان في هذا العصر، وفي ظرف فترةٍ وجيزة من الزمن سبل عيش أكثر راحةٍ وسرعة وقدرة على الإنجاز.
ومن ناحية أخرى ينتابني حنين جارف إلى بساطة التسعينات.. أحن إلى ملمس الخطاب الورقي الذي حل محله البريد الإلكتروني.. إلى ظاهرة تسجيل خطاب للأحباب البعيدين على شريط كاسيت؛ ذلك الاختراع البشري الذي لن تعرف الأجيال القادمة أبدا، تلك العلاقة الغريبة التي جمعته بالقلم الرصاص!
وفي حين كنت أستقي معلوماتي من قراءة مقال بقلم شخص متخصص في مجال بعينه؛ فإني أخشى على أجيال قادمة تستقي معلوماتها من “تغريدة” على موقع من مواقع التواصل.
ولعل هذا التناقض الداخلي هو النتاج الطبيعي لما يبدو لهاثا خلف التكنولوجيا التي تتطور يوما بعد يوم، وبين رغبة دفينة في حياة بسيطة أكثر آدمية وبعيدة عن التعقيد كالتي عرفتها في طفولتي.