مصر مسكونة بالفرح منذ القدم، فللاحتفال بالأعياد على أرضها طقوس خاصة ربما تتغير من فترة لأخرى، ولكن الكثير منها يبقى شاهدا على الروح المصرية، التي تضفي على مثل هذه المناسبات طابعا خاصا يندر أن تجد له مثيلا إلا على هذه الأرض الطيبة.
الكثير من العادات التي توارثها المصريون -حتى الآن- في الاحتفال بعيد الأضحى؛ تعود إلى العصر الفاطمي وفي كتاب “الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية” يورد محمد عبد الله عنان الكثير من التفاصيل في هذا الصدد، حيث يشير إلى أن الخلفاء كان يحرصون على مشاركة الشعب الاحتفال بعيد الاضحى، فكان موكب الخليفة يخترق الشوارع؛ لتوزيع الهدايا على العامة، وتقديم الطعام للمحتاجين والفقراء.
ويضيف “ففي أول أيام عيد الأضحى -والذي كان يعرف بعيد النحر- كان الخليفة يتجه الي صلاة العيد، وبعد الانتهاء من الصلاة يمتطي جواده المزين، ويخرج في موكب مهيب علي الأقدام يشق القاهرة، يرافقه الوزير وأكابر الدولة ومستشاروه إلى ”دار النحر الخلافية” التي تقام في ركن خارجي من القصر، وتفرش بأغطية حمراء، يُتقي بها الدم. وقد جرت عادة الخليفة الفاطمي علي نحر 31 أضحية أول أيام العيد، ويأتي الجزارون وكل واحد بيده إناء مبسوط يتلقى به دم الضحية، ثم تقدم رءوس الأضاحي إلى الخليفة واحدة فأخرى؛ فيدنو منها وبيده حربه يمسك بها من الرأس ويمسك القاضي بأصل سنانها ويجعله في عنق الدابة فيطعنها به الخليفة، وتجر من بين يديه.. وهكذا حتي يأتي عليها جميعا، وكلما نحر الخليفة رأسا جهر المؤذنون بالتكبير ”الله اكبر”.
أما عامة الشعب؛ فكانوا يحتفلون على طريقتهم الخاصة، حيث كان أهل كل حي يتجمعون في الصباح الباكر أمام منزل الإمام الذي يصلي بهم صلاة العيد، وعندما يخرج إليهم كانوا يقيمون له زفة خاصة تشبه تلك التي أعتاد عليها الناس في الافراح، ويظلون يكبرون حتى يصلوا جميعا إلى المسجد، وبعد انتهاء الصلاة يتكرر الأمر نفسه؛ حتى يدخل إمام المسجد إلى منزله، وبعدها ينصرف الناس إلى منازلهم قبل استكمال بقية طقوس الاحتفال بالعيد.
وفي كتاب “الخطط” يصف المقريزي بعضا من مظاهر احتفال المصريين قديما بالعيد فيقول “الناس في صبيحة عيدي الفطر والأضحى، كانوا يخرجون ويطوفون شوارع القاهرة والإسكندرية بالخيال والتماثيل والسماجات” والخيال لعبة مضحكة تشبه الأراجوز أما السماجات فيقصد بها الملابس التنكرية.
وكثيرون لا يعرفون أن العيدية التي يحافظ عليها المصريون حتى الآن؛ تعود إلى عهد دولة المماليك حيث كان السلطان يوزع راتبا خاصا علي الجنود والامراء كان يعرف باسم “الجامكية”.
وبحسب دراسة للدكتور على الطايش أستاذ الآثار الإسلامية؛ فإن الناس في العصر المملوكي كانوا يحرصون على التوجه إلى المدافن في الأعياد، لتوزيع الصدقات على أرواح الموتى. أما النزهة في العيد فقد كانت تأخذ أشكالا مختلفة، فالبعض منهم كانوا يزورن أقاربهم في هذا اليوم، في حين كان آخرون يفضلون ركوب المراكب.
في العهد العثماني.. كان الاحتفال بالعيد يبدأ بعد فجر يوم العيد، بصعود كبار رجال الدولة إلى القلعة والسير في موكب أمام الباشا، من باب السرايا إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون، فيصلون صلاة العيد ويرجعون ثم يهنئون الباشا بالعيد ويتوجهون صوب منازلهم.
وفي العهد الملكي ظل المصريون يحافظون على الكثير من طقوس الاحتفال بالعيد التي ورثوها عن العهد الفاطمي، وكانت المراجيح الخشبية المنتشرة في الشوارع أحد المظاهر المميزة للاحتفال بالعيد في مصر خلال الفترة الملكية.. بينما أعتاد المواطنون التجمع أمام منازلهم، لتناول طعام الغداء بعد فراغهم من زيارة أقاربهم.
“أغنية يا ليلة العيد” التي غنتها أم كلثوم في احتفال أقيم بالنادي الأهلي عام 1944، أمام الملك فاروق؛ تعد من أشهر الأغاني الخاصة بالعيد، والتي مازال المصريون يستمعون إليها خلال هذه المناسبة حتى اليوم.
وكان الرئيس جمال عبد الناصر يحرص على صلاة العيد في مسجد الحسين، حيث اعتاد المصريون أن يستمعوا إلى خطبه وأن يقفوا في صفوف عريضة للتلويح له خلال قدومه ومغادرته للمكان.
وتبقي الفرحة في مثل هذه المناسبات جزءا من العادات التي يتوارثها المصريون جيلا وراء جيل على مر الزمان.