ثقافة

محمد النعاس الفائز بالبوكر: عملت خبازا من أجل عيون “الخال ميلاد”!

أكد الروائي الليبي محمد النعاس، الفائز بجائزة البوكر العربية، عن رواية “خبز على طاولة الخال ميلاد” أن الكاتب لابد أن يعبر عما بداخله، من خلال منتجه الإبداعي، حتى لو اختار أن يكون أبطاله ممن يعملون بمهن أخرى؛ لكن يبقى كل منهم في المحصلة جزءا من ذات المؤلف، الذي سطر هذه القطعة الأدبية التي يتصفحها القارئ في نهاية المطاف، فيجد فيها رواية بديعة أو مجموعة قصصية مشوقة.

وعن سر اختياره لشخصية “الخباز” في الرواية، قال أن السبب الرئيس في ذلك هو أن فعل الخباز يشبه إلى حد كبير الإبداع الروائي، ففي كلاهما يتم خلق منتج جديد تماما، من مزج وإضافة مجموعة من العناصر البسيطة إلى بعضها البعض، لتكون المحصلة في النهاية شيئا لم يكن له وجود من قبل.

وأضاف خلال مناقشة وتوقيع روايته “خبز على طاولة الخال ميلاد” التي نظمتها دار صفصافة مساء السبت 30 يوليو بمكتبة الكتبجية بالمعادي: ” إنني فكرت لبعض الوقت في أن يكون الخال ميلاد نجارا، ولكن سريعا ما استبعدت هذا الأمر، فالنجارة مهنة شاقة وكان من الصعب على تعلمها؛ كي أتمكن من صياغة الشخصية بدقة، كما تم في نهاية المطاف في الرواية التي بين أيديكم حيث تعلمت صناعة الخبز، كي أخرج عملا واقعيا بعيدا عن عزلة الجدران، حيث يتخيل البعض أن الكاتب جالس دوما.

 

وقال: “كنت أبدأ الكتابة فور الانتهاء مباشرة من عملية الخبز، وكم وجدت الشبه كبيرا بين المهنتين، ففي الخبز على المرء أن يعد العجينة جيدا، وأن ينتظر حتى تختمر بصورة كاملة، ثم يبدأ في تشكيلها وبعد فترة يتم وضعها في الفرن لفترة زمنية محددة، يتم خلالها متابعتها بدقة قبل أن تكون المحصلة في النهاية رغيف خبز يفتح شهيتنا كي نأكله وهو ما يشبه الإبداع الروائي”.

واستطرد قائلا: لم يكن هناك فاصل زمني طويل بين الفترة التي كنت أقوم خلالها بالعمل خبازا، وبين تلك التي أكتب فيها فصول هذه الرواية؛ لذا فإن تفاصيل شخصية ميلاد الخباز كانت تظل محفورة بداخلي بدقة، ولم تكن تغيب عني تقريبا، وهو ما يفسر سبب التجسيد الكبير للشخصية عبر صفحات الرواية، حتى أن البعض يمكن أن يحس بميلاد يتحرك بالقرب منه، وهو يقرأ من فرط الاهتمام الذي أوليته لوصف جميع تفاصيل الشخصية، في مختلف مراحلها الحياتية والسنية وعلاقته بزوجته وأمه وأبيه وأخواته البنات ورفاقه في المخبز، وخلال فترة التجنيد في الجيش الليبي في عهد القذافي.

وأكد أن شخصية الكاتب تمنحه درجة أكبر في فهم تفاصيل الشخصية،  إذا عمل بأية مهنة أخرى فهو بطبيعته أعتاد أن يرى في كل ما يجري حوله شيئا آخر بخلاف ذلك الانطباع الذي يخرج به الآخرون، من الوهلة الأولى وهذا من وجهة نظري أحد الفوارق الأساسية التي تميز المبدع عن بقية الفئات الأخرى، حيث ينظر ويحلل ويربط خيوط الشخصية؛ اعتمادا على المكنونات والمساحة غير المرئية.

وقال أنني يمكنني القول أنني في هذه الرواية مزجت صناعة الخبز التي غصت فيها بكل تفاصيلها بالكتابة، حتى أصبح كل منهما مشتبكا ومتداخلا مع الأخر.. وأذكر في هذا الصدد المشهد الذي تعلم فيه ميلاد على يد أبيه صناعة أول رغيف خبز في حياته، والذي لم يكن باستطاعتي على الإطلاق توصيفه بهذه الدقة لو لم أكن مزروعا بالكلية وسط الخبازين في أحد مخابز ليبيا لفترة ليست بقصيرة، ساعدتني كثيرا في إثراء العمل حتى خرج بالصورة التي جعلته مؤهلا للفوز بجائزة البوكر.

وأشار إلى أن هناك شواهد كثيرة كانت تشير إلى أن الأوضاع في ليبيا ستؤول إلى ما وصلت إليه، سواء في عهد القذافي أو بعد سقوطه؛ لذا لم يكن الأمر مفاجئا بالنسبة لي بخلاف الكثيرين، والرواية تكشف الكثير من التناقضات التي كانت تحكم المجتمع قبل أن تتطور الأمور، بعد هذا كمحصلة طبيعة فالمقدمات كما عرفنا دوما تقودنا حتما إلى النتائج.

وأكد أنه اكتشف أن مهنة الخبز يمكن أن تساعد الإنسان على التخلص من البعض المشكلات النفسية التي يعاني منها، وهو الانطباع الذي يخرج به المرء من معايشة شخصية الخال ميلاد عبر صفحات الرواية، وأضاف أنني قبل هذه التجربة لم أكن صبورا، وهو ما أثر على إنتاجي الأدبي، ولكن تعلمت من الخبز أن أكون صبورا، فالعجين يستغرق وقتا طويلا حتى يصل إلى حالة التخمر، ربما يستغرق الأمر عدة ساعات، وفي بعض الأحيان قد يتطلب يوما كاملا والصبر الذي تعلمته من الخبز لولاه لما خرجت هذه الرواية بتلك الصورة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock