رؤى

هل يصبح الموت الإكلينيكي للاتفاق النووي الإيراني أكبر تهديد يواجهه بايدن؟

ترجمة: كريم سعد

تمر “خطة العمل الشاملة المشتركة” أو “الاتفاق النووي الإيراني” بورطة حقيقية، منذ أن سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة من اتفاق باراك أوباما، والذي أنهى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، مقابل فرض قيود مؤقتة على أنشطة إيران النووية، وكانت الصفقة بمثابة القط الدبلوماسي لشرودنغر* – مختومة في صندوق، لا ميتة ولا حية ولكن في حالة غير محددة.

وفي هذه الأيام، صارت الرائحة الكريهة المنبعثة من الصندوق تزداد شدة حتى بات من الصعب تجاهلها. ومع اقتراب إيران من العتبة النووية، يبدو أن الملحمة تتجه نحو نهايتها.

في ديسمبر الماضي، قال أنتوني بلينكن للصحفيين إن “ما لن نسمح به هو أن تقوم إيران في الواقع بالمماطلة في المحادثات، وفي الوقت نفسه تقدم برنامجها”. لكن إيران لم تُردع وظلت تستمر في المماطلة، وتدفع برنامجها النووي قدما منذ ذلك الحين. وفي الأسبوع الماضي قال رئيس المخابرات البريطانية للصحفيين إن إيران قررت رفض شروط أمريكا للعودة إلى الاتفاق رغم سعادتها بالسماح للمفاوضات بالاستمرار. وفي نفس الوقت، قال رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إن برنامج إيران النووي “يمضي قدما”.

أنتوني بلينكن
أنتوني بلينكن

وحتى أكثر المطلعين تفاؤلا في واشنطن يفقدون الأمل. على حد تعبير المفاوض الرئيسي روبرت مالي: “لا يمكنك إحياء جثة ميتة”.

وأحد أسباب ترك المحادثات تستمر بشكل غير حاسم لفترة طويلة؛ هو العواقب غير الشهية للاعتراف بفشلها. ومن شبه المؤكد أن الخاتمة النهائية للاتفاق الإيراني؛ ستجبر الإدارة على الاختيار بين قبول إيران المسلحة نوويا وإما بدء مواجهة من المرجح أن تتوج بحرب أمريكية أخرى في الشرق الأوسط. وينطوي مسارا العمل هذان على مخاطر وتكاليف لا يمكن التنبؤ بها ولكنها كبيرة. ومن المفهوم أن تجنب هذين الخيارين القبيحين؛ كان الهدف المركزي لإدارة بايدن في المنطقة.

ولسوء الحظ، لم يكن الوقت في صالح بايدن. فلقد تحركت المفاوضات الإيرانية نحو الفشل مع ضعف موقف أميركا الدولي، واليوم أصبح الانهيار الوشيك للاتفاق جزءا من أزمة عالمية للقوة الأميركية. ومع سقوط الصواريخ الروسية على أوكرانيا، وتهديد الصين بعواقب وخيمة إذا ذهبت نانسي بيلوسي إلى تايوان، فإن الإدارة تتصارع بالفعل مع وضع دولي أخطر بكثير من أي شيء توقعته أو استعدت له.

ومهما كانت مخاوفهما على المدى الطويل بشأن إيران نووية، يبدو أن كلا من شي جين بينغ وفلاديمير بوتين مهتمان بتشديد التزام إيران بالتحالف المناهض للولايات المتحدة؛ أكثر من اهتمامهما بتسهيل التوصل إلى اتفاق، من شأنه أن يقلل الضغط على رئيس أميركي محاصر.

جو بايدن
جو بايدن

ويحتاج الأميركيون إلى رؤية الدفعة النووية الإيرانية في سياق عالمي. حيث تأتي الأزمة مع طهران في لحظة مفيدة للغاية لروسيا والصين. ويأمل خصوم الولايات المتحدة أن تطغى الأزمات الجيوسياسية المتزامنة في أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا على أميركا المذهولة والمنهكة.

ومع انتشار العواقب الاقتصادية لهذه الأزمات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، يأمل الطرفان أن يضعف تماسك أميركا في الداخل والتحالفات في الخارج مع تنامي التهديدات. ولمنع ذلك، يحتاج فريق بايدن إلى استعادة الشعور بالردع والحذر للخصوم الذين تمتعوا بفترات نجاح طويلة.

وإذا كانت الولايات المتحدة ستطور ردا فعالا على هذا المزيج من التهديدات الاستراتيجية، فسيتعين على قادتنا السياسيين تجاوز توجيه أصابع الاتهام وإلقاء اللوم على التلاعب حول مصير خطة العمل الشاملة المشتركة. فيجب أن يتوقف الجمهوريون عن القول بأن قرار أوباما بالتوقيع على شيء مهم ومثير للجدل مثل الاتفاق النووي الإيراني دون دعم الحزبين اللازم للتصديق على معاهدة في مجلس الشيوخ كان خطأ تاريخيا. ونفس الشيء للديمقراطيين وتذكيرهم أن انسحاب ترامب الأحادي الجانب جعل كل شيء أسوأ. فمثل هذه الأمور يمكن أن تترك للمؤرخين. فلا يجب أن يكون السؤال المطروح الآن هو.. من كان على حق في عام 2015 أو عام 2018؟

وقال بايدن مرارا إن السماح لإيران ببناء أسلحة نووية ليس خيارا. وإذا فشلت إدارته في التمسك بهذا الخط، فإن العواقب على القوة الأميركية في الشرق الأوسط والعالم ستكون عميقة وربما لا رجعة فيها.

الاتفاق النووي الإيراني عام 2015
الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 في عهد أوباما

فإذا هاجمت أمريكا المنشآت النووية الإيرانية ووجدت نفسها عالقة في مستنقع آخر في الشرق الأوسط، فإن الآثار في الداخل والخارج ستكون وخيمة أيضا. وسوف تستفيد الصين وروسيا من انشغال أميركا بالشرق الأوسط لإثارة المتاعب في أماكن أخرى، وسوف يزداد استقطاب الرأي العام الأميركي.

ولم يواجه سوى عدد قليل من الرؤساء خيارات سياسية بهذه الصعوبة أو التبعية. من المفهوم إن لم يكن من الجدير بالثناء أن الإدارة أجلت يوم الحساب لفترة طويلة، ولكن مع اشتداد رائحة “القط الميت” يقترب بايدن من أكبر اختبار في حياته المهنية.

* قطة شرودنغر: هي تجربة ذهنية قدمها إرفين شرودنغر ليبين فيها المشاكل التي رآها بتفسير كوبنهاغن، وتأثير الوعي الإنساني في عملية الرصد والقياس الفيزيائي.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock