في الثالث والعشرين من يوليو 1952، تحرّك الجيش المصري، بعد حالة شديدة من الغليان، شهدها الشارع الذي دفع ثمنا باهظا لصراع سياسي مرير، مزق البلاد على مدار سنوات طويلة، تدهورت فيها أوضاع المواطن بشكل غير مسبوق.
لم يتأخر الأقباط عن إعلان تأييدهم لثورة يوليو؛ بحسب ما تؤكده دكتوره هبة شوقي في كتابها “موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر” حيث تشير إلى أن البابا يوساب الثاني بطريرك الكرازة المرقسية أرسل برقية الى اللواء محمد نجيب؛ دعما للثورة ولم يكتفِ بهذا حيث سارع بتشكيل وفد بالنيابة عنه؛ لإبلاغ القائد العام في ذلك الوقت أن المطارنة والشعب القبطي مؤيدون ومباركون للثورة، التي هدفت لتحقيق الصالح العام وليس مصالح أفراد، كما أمر البابا بإقامة الصلوات في جميع الكنائس القبطية؛ لينصر الله مصر ويعطي رجال الجيش والوزراء المقدرة على العمل لما فيه صالح البلاد”.
وتضيف “أسهم ذلك في تعميق الروابط بين الطرفين؛ حتى أن محمد نجيب قام بنفسه بعد ذلك بأيام قليلة بزيارة البطريركية، واحتشدت الجموع لتهتف للثورة التي وحّدت الهلال مع الصليب، والواضح أن محمد نجيب استشعر القلق الذي شعر به الأقباط بعد أيام من الثورة، نتيجة أن حركة الجيش لم تضم إلا نفرا قليلا منهم، فقام بهذه الزيارة من أجل بث الطمأنينة في نفوسهم، كما أصدر نجيب قرارا بإذاعة القداس الأسبوعي للأقباط من محطة الإذاعة، وأصدر قراره بتدريس الدين المسيحي لطلبة الكلية الحربية بالعباسية.
في شهر يونيو 1953، أعلنت الثورة باسم الشعب إلغاء النظام الملكي، وإعلان الجمهورية على أن يكون للشعب الكلمة الأخيرة في تحديد نوع هذه الجمهورية، واختيار شخص الرئيس. وعن تلك اللحظة تقول دكتورة هبة شوقي “الحقيقة أن هذا كان مطلبا شعبيا سواء من المسلمين أو الأقباط، وكان مكرم عبيد من أوائل من دعوا إلى الجمهورية؛ حيث رأى في الملكية أداة في يد الاستعمار، وأن الدستور في ظلها يعد منحة ملكية”.
“عبر الأقباط عن فرحتهم عقب إعلان الجمهورية، حيث أمر البابا مرقس الثاني بطريرك الأقباط جميع الكنائس برفع الأعلام وإقامة الزينات وقرع الأجراس؛ احتفالا بإعلان الجمهورية كما أمر أن تقام الصلوات والابتهالات من أجل مصر؛ كما أرسلت العديد من الاتحادات والجمعيات القبطية عددا كبير من البرقيات التي تظهر فرحتهم بإعلان الجمهورية”.
وتفسر المؤلفة ذلك قائلة “رضا الأقباط بالوضع الجديد؛ يرجع سببه إلى أن النظام الجمهوري كان في نظرهم أقرب الأنظمة للحكم الصالح، الذي تمنوه حيث أن الحاكم الصالح لا يتأتى إلا إذا كان لصالح الشعب، وتأييد الأقباط للجمهورية يعبر عن دعمهم لحكم الشعب لصالح الشعب وليس من أجل فئة قليلة تستأثر بالسلطة والثروة وتحرم منها الاخرين”.
في عام 1954، وقت اتفاقية الجلاء، وحققت ثورة يوليو حلم المصريين بالتخلص من الاستعمار البريطاني بشكل كامل، وابتهج الشعب مسلميه وأقباطه بالخطوة وتوجه الآباء المطارنة أعضاء المجمع المقدس إلى رئاسة الجمهورية لتهنئة جمال عبد الناصر باسم الكنيسة القبطية، واستكمالا لهذه الفرحة الكبيرة أقام الأزهر الشريف حفلا قوميا كبيرا شارك فيه رؤساء الطوائف المسيحية واليهودية.
يوم السادس والعشرين من يوليو 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، وقد حظي هذا الإعلان بتأييد غالبية المصريين مسلمين وأقباط، وعن موقف الأقباط تقول الدكتورة هبة شوقي “على الفور اجتمع المجلس الملي؛ بجلسة غير عادية.. وأصدر قرارات تنص على إعلان التأييد الكامل للموقف الخالد للرئيس عبد الناصر في إعلاء سيادة الوطن، كما دعا المجلس للتعبئة والجهاد الوطني، ولإقامة صلاة عامة بالكنائس القبطية لمعاهدة الله على افتداء الوطن بالأرواح، ورفع الدعاء اليه بأن ينصر قضية مصر، ويكلل جهادها بالسداد والتوفيق، وكان من المواقف التي تدل على وحدة الشعب المصري؛ أن ما يقرب من عشرة آلاف من المسلمين والأقباط قرروا رفض مشوع دالاس، واستنكار كل محاولة استعمارية لتدويل قناة السويس، والمساس بالسيادة المصرية كما أعلنوا تعبئة المسلمين والأقباط في موكب الزحف المقدس للدفاع عن وحدة البلاد، وأكدوا أنهم يقفون صفا واحدا خلف الرئيس جمال عبد الناصر”.
وتضيف المؤلفة “اتضح تأييد المجتمع القبطي للخطوات التي اتخذتها الثورة، ولم يقف الأمر عند حد إقامة الصلوات وإرسال البرقيات؛ بل تعدى ذلك إلى إقامة المؤتمرات التي هدفت إلى تعبئة الرأي العام القبطي، وخاصة بعد رفض بريطانيا وأمريكا تمويل السد العالي، وهو ما أدى إلى إعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس”.