ثقافة

فيلم “قهوة فريال”.. خذوا الحكمة من أفواه المتفائلين!

شهدت سينما الهناجر بدار الأوبرا المصرية مؤخرا عرض الفيلم الروائي القصير “قهوة فريال” وذلك ضمن عروض أفلام المهرجان القومي للسينما المصرية.

الفيلم من إنتاج معهد السينما وبطولة الفنانة هبة عبد الغني وأحمد مصطفى وكريم أبو الفتوح، وأكمل المعداوي، وديانا سعد وتأليف تامر عبد رب النبي وإخراج مهند الكاشف، وعرض الفيلم في الدورة الـ 17 لمهرجان جنيف الدولي للسينما الشرقية والتي أقيمت في يونيو الماضي والتي احتفت بفكرة المقاومة النسائية للتحديات والضغوط المجتمعية.

لم يقتصر الزخم الدولي للفيلم عند هذا الحد حيث شارك في مهرجان روتردام للفيلم العربي بجانب ثلاثة أفلام مصرية أخرى هي “واحد تاني” و”بره المنهج” و”حامل اللقب” كما حصلت الفنانة هبة عبد الغني على تنويه خاص في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير عن دورها المتميز في الفيلم.

رغم أن مدة الفيلم لاتتجاوز14دقيقة تقريبا؛ فإنه تضمن شحنة من المشاعر الإنسانية التي استطاع المخرج باقتدار أن يستدعيها عبر شخوص العمل على الشاشة، وهو ما جعل المشاهد منذ اللحظة الأولى في قلب الحدث مباشرة.

يغرد الفيلم خارج السرب بعيدا عن قصص الحب التقليدية التي تجمع البطل والبطلة في الأفلام المصرية، والتي تكلل دوما بالزواج ويبتعد أيضا عن الأحياء الراقية التي يجري فيها غالبا تصوير المشاهد؛ حيث يبدو كل شيء فخما وبراقا وبعيدا تماما عن الواقع.

ينتمي الفيلم إلى السينما الواقعية التي تشتبك مع قضايا الناس وتنبت من رحم معاناتهم حيث يشعر المشاهد أنه أمام أبطال يشبهونه؛ أتوا من حارة أو شارع في منطقة شعبية مثل تلك التي يقطنها الكثيرون في بر مصر.

“قهوة فريال” فيلم يهز المشاعر الإنسانية منذ المشهد الأول بعيدا عن الكثير من المظاهر الزائفة والصراعات المادية بين رجال الأعمال ومجتمع الكبار وخناقات الأكشن التي بالغت فيها أفلام أخرى أصبحنا نعرف نهايات أغلبها حتى قبل أن تبدأ.

أحد عناصر التميز في “قهوة فريال” هو ذلك التكثيف والتركيز الكبير في الأحداث الذي وظفه المخرج الشاب مهند الكاشف جيدا، والذي استطاع أن يستثمر 14 دقيقة في قول جملة فنية مميزة وإرسال رسالة لم تخطئ طريقها، تدعو الإنسان إلى إعادة الاعتبار إلى إنسانيته، وألا يستسلم إلى صراعات وتناقضات الحياة المادية من حوله.

بطل الفيلم شاب في الثلاثينات عاش فترة طويلة من عمره في حي الزيتون الذي ارتبط بالكثير من مراحل التحول في حياته، البطل الذي يقوم بدوره أحمد مصطفي يمثل الإنسان المتمسك بجذوره في مواجهة التغريب، من اللحظة الأولى يتجسد لنا عشقه للقاهرة القديمة بعبقها والموروث الشعبي الكامن في كل بيت من بيوتها، وكل مبنى من مبانيها التي تقاوم شراسة الزمن ومحاولات الطمس بدعاوى التطوير.

أحمد مغرم أيضا بالموسيقى، ولا يجد تناقضا في أن يعمل بفرقة تقوم بإحياء الأفراح وحفلات الزفاف في الأحياء الشعبية، أو أن يكون على رأس فريق فني من الشباب يتولى إحياء حفلات وأمسيات المراكز الثقافية.

في أكثر من مشهد من مشاهد الفيلم، نرى البطل وهو يفر من صخب المدينة إلى القاهرة القديمة حيث يجد الكثير من الأشياء على حقيقتها بعيدا عن مظاهر الزيف والخداع، وفي لحظة ما يجد البطل نفسه مضطرا لأول مرة في حياته للتوجه إلى مكان يخشى الكثيرون الاقتراب منه هو مستشفى الأمراض النفسية الذي يدخله على قدميه لزيارة “فريال” خالة صديقة.

هبة عبد الغني نجحت باقتدار شديد في أداء دور من أروع أدوارها السينمائية، وهو دور المريضة النفسية التي يلفظها المجتمع، ويخشى الجميع مجرد ذكر اسمها لأنها تنتمي إلى أولئك البشر الذين يصمهم المجتمع بأنهم فقدوا عقولهم في لحظة ما.

“فريال” تهز البطل بشدة عندما يقترب منها حيث يكتشف أنها أكثر إنسانية وحكمة من الكثير ممن يظنون أنهم بشر ويصفون أنفسهم بالعقلاء، يرى فيها شخصية مختلفة تماما عن كل من عرفهم من قبل، ويتعجب بشدة من تشبثها بالحياة؛ حتى وهى داخل مستشفى الأمراض النفسية وحتى الحلم في أن تغادر هذه الأسوار العالية التي تبقيها سجينة لم يغادرها لحظة، فبصيص النور يظل في عينيها عبر السماء التي تتطلع إليها، من خلال نافذة حجرتها البائسة بالمستشفى قبل أن تعود إلى الواقع الذي لم تنفصم عنه لحظة واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock