إذا حاولنا أن نتأمل قصة البشرية على كوكب الأرض والتي تفيدنا فرضيات العلماء بأن عمرها ربما يكون قد تخطى الأربعة بلايين والنصف بليون عامًا ( 4.54مليار سنة)، فإنه لابد من تفحص رحلة حياة الإنسان على ذلك الكوكب الأخضر الذي يُعد الكوكب الوحيد الصالح لتلك الحياة، والتي بالقطع ليست هي الحياة الوحيدة في هذا الكون الفسيح والمليء بمخلوقات لا حصر لها.
فأية حياة مرئية أو محسوسة، وبإمكان الكائن البشري أن يدركها بنفسه أو بواسطة ما اخترعه من أجهزة يتعرف بواسطتها على ما كان يجهله في الماضي، ليست بالقطع هي كل ما يمكن إدراكه من أشكال الحياة؛ فليس بالضرورة أن يتمكن الإنسان من إدراك كل شيء في هذا العالم أو في غيره من العوالم الخفية عنه، خاصة وهو ذلك المخلوق المحدود في قدراته، وذلك الحي الطارئ على الحياة، وذلك الكائن الذي لم يكن له وجود منذ أن بدأ الوجود.
والأمر لا يتعلق فقط بالحياة بصفة عامة وبالقدرة على إدراكها ومدى القصور البشري في ذلك، ولكنه يخص تحديدًا الحياة البشرية على كرتنا الأرضية، والتي ما زالت مستمرة ولم تنتهِ بعد، ومع ذلك ما زلنا إلى الآن لا يمكننا أن نصفها بالخلود؛ بل ويزعجنا عجزنا عن تحقيق ذلك الخلود.
فالعلم يخبرنا بأن كوكبنا الأخضر من المتوقع له الفناء هو والشمس؛ إذ أن مستقبل كوكب الأرض يرتبط بمستقبل الشمس التي سيؤدي ازدياد إضاءتها على مدار مئات الملايين من السنين إلى ارتفاع نسبة الإشعاعات التي تصل إلى الأرض؛ ومن ثم ازدياد درجة حرارتها، ما سينتج عنه فقد المسطحات المائية الموجودة على كوكب الأرض.
كما أن ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض سيعمل على تسريع دورة ثاني أكسيد الكربون غير العضوية ومن ثم التقليل من مستوى تركيزها، ما سيؤدي إلى هلاك النباتات، والذي سيؤدي بدوره إلى انعدام الأكسجين في الغلاف الجوي، ثم بعد ذلك انقراض الحيوانات وبعدهم البشر.
وبغض النظر عن السبب العلمي وراء هلاك الحياة على الأرض والذي يجتهد في طرحه العلماء من خلال الأبحاث والدراسات العلمية كنوع من التنبؤ بمستقبل ذلك الكوكب المفعم بالحياة، فإنه سواء كان ذلك الهلاك بسبب ضوء الشمس المتزايد، أو بسبب تأثيرات المد والجزر على الأرض والتي ستؤدي إلى دخول الأرض إلى الغلاف الجوي للشمس عندما تصبح نجمًا أحمر عملاقًا، فمن الواضح أنه ليس هناك نظريات علمية تبشر بدوام الحياة على أرضنا هذه إلى الأبد.
بل إن الشمس حتى لو لم تمر بأية تغيرات يتوقعها العلماء واستمرت في الوجود – فإن ذلك التبريد المستمر الذي يحدث لجوف الأرض سيؤدي إلى فقدها لمعظم غلافها الجوي واختفاء المحيطات الموجودة عليها؛ ومن ثم فناء الحياة على الأرض، والتي لا يتوقع لها العلماء أن تستمر لأكثر من خمسمائة مليون سنة أخرى فقط!
أي أن عُمْر كوكب الأرض وفقًا لفرضيات العلماء لن يتجاوز الخمسة مليارات عامًا، وبغض النظر عن صغر ذلك الرقم أو كبره فالحياة على الأرض والتي كانت لها بداية حتمًا سيكون لها نهاية مُنتظرَة ومُتوقَعة. وما بين نقطتي البداية والنهاية هناك الكثير من الغموض كان سببه عدم المعاصرة والغياب عن المشاهدة والمعاينة، وربما استطاع العلم أن يكشف القليل من ذلك الغموض مُفسرًا لما حدث في الماضي ومُتنبئًا بما سيحدث في المستقبل دون أن يكون هناك جزم صارم بما كان أو بما سيكون، وهذا ما يجعل العقل البشري يقف عاجزًا أمام العالَم الغيبي؛ مهما تسلَّح بالعلم وقواعده، ومهما تحصن بنظرياته، أو اجتهد في التجربة وتفنن في الملاحظة.
ولكن العلم هو وسيلة الإنسان العاقل، كي يظل هو الكائن المنتج والمتطور بل والمخلوق القادر على بناء وصنع الحضارة على هذا الكوكب؛ فبدون الاستعانة بالعلم فلن تكون هناك أية حضارة بشرية على سطح الأرض. وبالرغم من أن العلم لم يقدم حتى الآن سوى مجرد فرضيات لتقدير عُمر الأرض اعتمادًا على دراسة أصول وسلالات الكائنات الحية أو على مقياس كثافة الطاقة الإشعاعية للعناصر الطبيعية، وبالرغم من أنه لم يتمكن بعد من تحديد رقم محدد ومتفق عليه بشأن عُمْر البشرية على الأرض؛ إلا إنه قد أفادنا بأن هلاك الأرض هو مصيرها، وبأن هلاك البشرية أمر لا مفر منه بأي حالٍ من الأحوال.
فسواء وصل عمر الإنسان الحديث على الأرض حتى الآن –وفقًا لبعض التقديرات العلمية– إلى حوالي أربعين ألف عام أو أكثر أو أقل، وحتى لو كان يُقدَّر بأكثر من خمسمائة ألف عام وفقًا لبعض الدراسات، بل إنه حتى إذا بلغ ملايين السنين وفقًا للحفريات البشرية التي عُثِر عليها، فهذا لن يغير شيئًا من حقيقة الهلاك الحتمي المُنتظَر للأرض.
وما دامت قصة البشرية بأكملها على كوكب الأرض مقدَّرًا لها الهلاك لا محالة، فلماذا إذن ينشغل البشر على المستوى الفردي بالرحلة وتفاصيلها عن الاهتمام بالهدف من وجود الإنسان في تلك الرحلة؟!
وإذا كان الإنسان العاقل قد اعترف بحتمية لحظة النهاية بعدما فُرِضَت عليه لحظة البداية؛ فهل من الأجدر به الآن أن يفكر في غايته من تلك الرحلة؟! وهل ذلك التفكير من الممكن أن يقود الإنسان إلى التعلق بحُلم الخلود الذي لم يتمكن من تحقيقه على الأرض؟!
وهذا العلم البشري الذي يظن الإنسان أنه بواسطته قد اخترق الكثير من الحواجز وتغلب على العديد من العراقيل التي تعوق تطور وجوده على هذا الكوكب، هل حقًّا بإمكان ذلك العلم أن يقدم للبشرية حياة بلا موت على كوكب الأرض أو على أي كوكب آخر؟! وأين هي تلك الحياة، ولماذا لم يصل إليها الإنسان حتى الآن؟!
لذلك فإن السؤال الأهم الآن هو كيف يمكن للإنسان الذي يعتمد فقط على العلم أن يسرع بالوصول إلى الخلود مستعينًا بما توصل إليه من علم قبل أن تنتهي النصف بليون سنة القادمة، حيث ذلك الهلاك الذي يتنبأ به العلماء لكوكب الأرض؟!
وبما أن العلم إلى الآن لم يسعف الإنسان بنيل مراده في التغلب على الموت والفناء، فهل بإمكان الدين أن يجيب على الأسئلة التي ما زال العلم عاجزًا عن الإجابة عليها خاصة فيما يتعلق بالأمور الغيبية؟! وهل إذا أجاب الدين على كل الأسئلة المتعلقة بالغيب سيؤمن كل إنسان عاقل بالدين، أم سيظل هناك من يرفض الخضوع للشرائع، ومن يأبى تأدية الفرائض، ومن يجاهر بالمعاصي والفواحش والآثام والمنكرات غير عابئ بقدرة خالقه الذي أوجده من عدم، ثم أحياه على هذا الكوكب؟!
وسواء آمن الإنسان بالغيب أم لم يؤمن به، فهل حقًّا بإمكان الإنسان المتمرد على خالقه –بعصيانه تارة و بإنكار وجوده ووحدانيته تارة أخرى– أن ينجو بنفسه من قدَر الموت المحتوم الذي لم يفلت منه أي إنسان آخر من قبل؟ وهل بإمكانه أن ينجح في تحقيق حُلمه بالخلود مستعينًا بالعلم؟ خاصة وأنه عن طريق فرضيات هذا العلم لم يتنبأ سوى بالهلاك المحتوم للأرض ومن عليها –إن عاجلًا أم آجلًا!
https://www.youtube.com/watch?v=WuQZX8GEC1c