رؤى

الانفتاح الأردني على سوريا.. الأسباب ودلالة التوقيت

لأول مرة منذ اثني عشر عامًا، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد. وتطرح زيارة الصفدي، إضافة إلى الدوافع الإنسانية، في هذا التوقيت الذي يحمل دلالات مهمة، عددًا من الأسباب الرئيسة للانفتاح الأردني على سوريا؛ منها ما يتعلق بالمسائل السياسية وإشكاليات اللاجئين السوريين في الأردن، ومنها ما يختص بالأمور الاقتصادية وأهمية الجارة الشمالية للأردن، من منظور أن الأخير هو أكثر الدول تضررًا بالأزمة في سوريا.

وقد وصل وزير الخارجية الأردني إلى دمشق، الأربعاء 15 فبراير، في أول زيارة من نوعها بين الجارتين، اللتين يدور بينهما خلاف منذ فترة طويلة حول قضايا إقليمية. وفي تصريح لقناة “المملكة” الأردنية من مطار دمشق الدولي، أكد الصفدي على أن زيارته إلى دمشق “كانت محطة لبحث العلاقات بين الأردن وسوريا، والجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي يُنهي الأزمة ويُنهي هذه الكارثة”.

أسباب متعددة

تسعى عمان جاهدة في محاولة لحلحلة الصراع، الذي اقترب من عامه الثاني عشر، وتلافي المزيد من التعقيدات التي قد تؤدي في محصلتها إلى إطالة عمر الأزمة السورية، وبالتالي تعايشًا قسريًا مع آثارها التي تُفاقم معاناة الأردن اقتصاديًا وسياسيًا، واجتماعيًا أيضًا.

واللافت، أن عددًا من الأسباب الدافعة إلى الانفتاح الأردني على سوريا، في هذا التوقيت.. لعل أهمها الملفات الأربعة التالية:

أولًا: السعي إلى حل سياسي يُنهي الأزمة السورية؛ إذ، تأتي الزيارة السياسية الأردنية –  السورية، ربما أهم من مسألة المعونات الإنسانية، أو على الأقل تسبقها في ترتيب الأولويات، من حيث كون الزيارة هي تتويج سياسي للمعونات الإنسانية؛ ومن ثم، يبدو أن الأردن يسعى إلى حل سياسي للأزمة السورية، من منظور أنه ضمن أكثر المُتضررين من الأوضاع الحالية في الجارة الشمالية له. وقد سبق لوزير الخارجية الأردني أن أعلن، في سبتمبر الماضي، أن بلاده تحشد “لدعم إقليمي ودولي لعملية سياسية يقودها العرب في سبيل إنهاء الحرب المستمرة في سوريا منذ 11 عامًا”.

والمُلاحظ، أن زيارة الصفدي إلى دمشق للمرة الأولى منذ عام 2011، تأتي بعد عقد مباحثات روسية – أردنية مستمرة، تركزت حول الأزمة السورية ومحاولة إيجاد حل سياسي شامل لها؛ فضلًا عن وجود أخطار على الحدود بين البلدين، تعدّها عمان بأنها تهدد أمن البلاد. وسبق أن وصل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في نوفمبر الماضي، وعقد مباحثات مع أيمن الصفدي، أكد خلالها الأخير أن “الوجود الروسي في جنوبي سوريا عامل استقرار في ظل الظروف الراهنة”؛ لافتًا إلى “ضرورة التنسيق بين الأردن وروسيا بشأن الوضع في الجنوب السوري”، بحسب موقع “آر تي عربي”، في 2 نوفمبر 2022.

ثانيًا: الوضع الاقتصادي وتطبيع العلاقات مع سوريا؛ فمنذ أكثر من عامين، في 2021، أكد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن الأردن هو “ثاني أكثر دولة تضررًا بعد سوريا، جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، إلى جانب أن الأردن يحتاج إلى التعامل مع الحكومة السورية، باعتبار أن الأردن يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري”. ولعل تصريحات الملك الأردني هذه، وصولًا إلى زيارة الصفدي إلى دمشق مؤخرًا، تؤشر إلى إدراك الأردن فعليًا لأهمية العلاقات مع سوريا.

إذ، تعتبر العلاقات التجارية بين دمشق وعمان، طوق نجاة للاقتصاد في كلا البلدين، حيث يواجهان تحديات إقليمية جراء ما يحدث من صراع في الداخل السوري. فالعلاقات الاقتصادية بين الجارتين لا يمكن فصلها، والأردن هو المستفيد الأكبر باعتبار أن سوريا دولة منتجة زراعيًا، وكانت تزود الأردن بالمياه، وكانت تتجه نحو الخليج عبر الأردن.

ومن ثم، يُركز الأردن على محاولة التقليل من حدة التأزم الاقتصادي الذي يُعاني منه، عبر إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق؛ خاصة أنه يُعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة، إذ أظهرت إحصاءات وزارة المالية الأردنية، التي نشرت على الموقع الإلكتروني للوزارة، في أغسطس الماضي، أن الدين العام للأردن وصل، نهاية مايو 2022، إلى 19.4 مليار دولار، وأن الدين الخارجي قارب 21.4 مليار دولار؛ بما يعني أن الدين الأردني يتجاوز 50 مليار دولار.

ثالثًا: تخفيف الضغوط الناتجة عن اللاجئين السوريين؛ كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد حذر، الأحد 11 سبتمبر الماضي، خلال استقباله المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من “التدني اللافت في الدعم الدولي للاجئين في المنطقة”؛ وكانت هذه إشارة إلى أن الأردن يستضيف نحو 650 ألف لاجئ سوري، مُسجلين لدى الأمم المتحدة، بينما تُقدر عمان عدد الذين لجأوا إلى المملكة بنحو 1.3 مليون شخص.

وبالتالي، يأتي أهمية تصريح الصفدي لقناة “المملكة” الأردنية، في ختام زيارته إلى دمشق، بأنه “بحث خلال لقائه بالرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية فيصل المقداد، الجهود المبذولة لتهيئة الظروف التي تسمح بالعودة الطوعية للاجئين، ويُخلص سوريا من الإرهاب الذي يُشكل خطرًا علينا جميعا”؛ خاصة أن هناك تقارير محلية تُحذر من أزمة كبيرة قد تواجه اللاجئين السوريين في الأردن، تجعلهم غير قادرين على تأمين الحياة الكريمة، خاصة مع تأكيد الأردن، بأن تكلفة اللاجئين على أراضيه تتجاوز 12 مليار دولار سنويا.

رابعًا: التفاعل الإيجابي مع الوقف الأمريكي لقانون قيصر؛ عندما تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بوقف “قانون قيصر”، كي تصل المعونات لسوريا بسبب الزلزال، فهذا الإجراء يفتح الباب لدول أخرى لإعادة التواصل مع سوريا، يأتي في مقدمتها الأردن الذي تفاعل إيجابيًا مع هذا الإجراء.

والحاصل، أن الأردن لم يقطع علاقاته أبدًا مع سوريا، لكن علاقاته مضطربة منذ أمد طويل مع جارته الشمالية؛ وكان الأردن يدعم، في وقت سابق، جماعات المعارضة الرئيسة التي سعت للإطاحة بالرئيس السوري، لكنه لاحقًا دعم الحملة العسكرية بقيادة روسيا التي استعادت الجنوب السوري من تلك الجماعات، بما يُمثله ذلك من أهمية أمنية بالنسبة إلى الأردن. ومن ثم، يبدو أن الأخير، وإن كان مُجبرًا على التقارب مع سوريا، فإنه قرأ جيدا دلالة وقف “قانون قيصر” الأمريكي، ودلالة التوقيت، في الانفتاح على سوريا.

وفي هذا يعتمد الأردن على أن التمسك بسياسات “كل شيء أو لا شيء”، أصبح من الماضي، وأن الخطوة الأمريكية الأخيرة، إضافة إلى الوجود الروسي وهزيمة الإرهاب، كل هذه العوامل سوف تؤسس لمشهد جديد، سيفرض نفسه كعامل مثبت لاستقرار طويل الأمد، يفرض بدوره الاعتراف بمفاعيله كأمر واقع في منطقة “الهلال الخصيب”.

خطوة انفتاح

في هذا السياق، يمكن القول بأن زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الأولى منذ اثني عشر عامًا، إلى سوريا، تقاطعت بين المسارات الإنسانية والدبلوماسية والسياسية، لتُشكل في مجملها “خطوة انفتاح” جديدة في العلاقات الأردنية السورية. بل، كما يبدو من دلالات الزيارة، وتوقيتها، فإنها تجمع بين موقف الأردن من المنظور الإنساني، تجاه سوريا وتداعيات ما تعرضت له من آثار الزلزال المُدمر لبعض محافظاتها، وبين موقف عمان السياسي بضرورة الخروج بحل سياسي للأزمة السورية؛ خاصة أن الأردن هو أكثر الدول تضررًا جراء ما يحدث في الداخل السوري وتداعياته السياسية والاقتصادية، وربما الاجتماعية، على الداخل الأردني. ومن هنا، فإن عودة “الحرارة” إلى خط عمان – دمشق، يمكن ترجمته بالواقع المستجد، ويعكس براغماتية ما بعد حلحلة الأزمة.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock