إذا حاولت أن تجد له أية صورة؛ كي تتعرف على شكله، فلن تعثر سوى على العديد من الصور لأفيشات أعماله الدرامية، التي ما زالت عالقة بصفة خاصة في أذهان كل من عاصروا فترة السبعينيات والثمانينيات.
فمع بداية الألفية الجديدة وما أفرزته من أعمال تزين القبح وتتسم بالعنف وتزرع التشاؤم والعجز عن أي إصلاح، أصبح من المعتاد تقديم وجبة دسمة من الانحلال الأخلاقي المصحوب بتناول الخمور والتجارة في المخدرات وما ينتج عن ذلك من ارتكاب مختلف أنواع الجرائم الدموية التي لا تقدَّم بكثافة للمشاهدين سوى في شهر رمضان.
أما قبل ذلك الغزو فقد كانت الدراما التلفزيونية وخاصة المصرية – لا تهتم فقط بالتعبير عن أحوال المجتمع، بل كانت تساهم أيضا بشكل أساسي في تشكيل وعي وفكر الناس وإحياء القيم التي تحافظ على مواجهة أي تخبط أو انحلال؛ فكانت على نحوٍ ما تحذر من استفحال الفساد وتهتم بالدعوة إلى الفضيلة من خلال تقديم كل ما يسمو بالأخلاق ويرتقي بالذوق العام ولا يصيب الفطرة السليمة بالعطب.
فمن منا لا يتذكر المسلسل الدرامي البديع (أبنائي الأعزاء.. شكرًا) الذي عُرِض لأول مرة على شاشة التلفزيون المصري عام 1979، أو مسلسل (أخو البنات) الذي تلاه بخمسة أعوام، أو رائعة نجيب محفوظ (الباقي من الزمن ساعة)، أو مسلسل (برج الأكابر) للدكتور نبيل راغب؟
إن كل تلك الأعمال المتميزة وعشرات غيرها تحمل بصمة الكاتب والسيناريست الراحل “عصام الجمبلاطي” الذي قدَّم حوالي سبعة وأربعين عملًا دراميًّا ما بين مسلسل إذاعي ومسلسل تلفزيوني ومسرحيات وأفلام سينمائية وتلفزيونية، وسهرات درامية. وبالإضافة إلى موهبته في التأليف وفي كتابة السيناريو والحوار؛ فقد اشترك عصام الجمبلاطي بالتمثيل لمرة واحدة فقط في مسلسل أخو البنات.
ولد الكاتب والسيناريست عصام الجمبلاطي ابن الشاعر علي الجمبلاطي في 24 فبراير سنة 1941، وبالرغم من دراسته للقانون وتخرجه في كلية الحقوق وعمله موظفا في شركة لأعمال الأسمنت المسلح إلى أن وصل إلى درجة وكيل وزارة، إلَّا أن ذلك لم يكن حائلًا أمام ممارسته للكتابة والتأليف، فلم يتوقف عنهما طوال حياته بل كان حريصًا على تقديم فن هادف غير مبتذل حتى وفاته عام 1999.
ومن بين أهم الأعمال الدرامية التي كتب لها عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار في الإذاعة المصرية: المسلسل الإذاعي (عصر الحب) للروائي العالمي نجيب محفوظ، بالإضافة إلى مسلسلين من تأليف إحسان عبد القدوس هما: (أحببت فيك عذابي) وهو عن قصة من أطلق هذه الرصاصة وكان من بطولة نجلاء فتحي ومحمود مرسي، ومسلسل (وعاشت بين أصابعه) وتقاسم بطولته كل من محمود يس ومديحة كامل.
كما كتب أيضًا السيناريست عصام الجمبلاطي عدة تمثيليات إذاعية مثل: تمثيلية (خرج ولم يعد) من بطولة أمين الهنيدي ونبيلة السيد، و(الأم الثانية) بطولة جلال توفيق وناهد سمير، و(أحلام بالتقسيط المريح) بطولة عبد المنعم إبراهيم وجورج سيدهم ومنى جبر، هذا بالإضافة إلى المسلسل الإذاعي (أبو الريش في سوق العيش) بطولة أمين الهنيدي وليلى طاهر.
وللتلفزيون كتب عصام الجمبلاطي عدة تمثيليات وسهرات درامية مثل: التمثيلية الأبيض والأسود (قمر.. يا حبيبتي) بطولة أبوبكر عزت وصفاء أبو السعود، وتمثيلية (عاشق الربابة) وهي من تأليف الكاتب الكبير يوسف السباعي وبطولة إبراهيم سعفان ورجاء حسين وأسامة عباس. وعن قصة التوأم لفتحي غانم كتب عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار للتمثيلية التلفزيونية (وجهي القمر) عام 1996.
هذا بالإضافة إلى السهرة التلفزيونية (دولت فهمي التي لا يعرفها أحد) من تأليف الصحفي الكبير مصطفى أمين وبطولة سوسن بدر وممدوح عبد العليم وإخراج إنعام محمد علي. أما آخر السهرات التلفزيونية للكاتب عصام الجمبلاطي، فكانت تمثيلية من تأليفه بعنوان (إنهم يقتلون الحب) بطولة فايزة كمال وعبد العزيز مخيون.
وللسينما قدَّم عصام الجمبلاطي العديد من الأفلام سواء كانت من تأليفه أو من تأليف كبار الأدباء، وكان أولها فيلم (الخدعة الخفية) عام 1975 من بطولة عادل إمام وناهد شريف وفريد شوقي واشترك في كتابته مع مخرجه يحيى العلمي. وتلاه فيلم (أسوار المدابغ) عام 1983 وهو من تأليف إسماعيل ولي الدين وبطولة فريد شوقي ومحمود ياسين وحسين فهمي وإخراج شريف يحيى.
كما قدَّم أفلامًا من تأليفه مثل: (فقراء ولكن سعداء) عام 1986، و(مراهقون ومراهقات) عام 1991، و(السجينة 67) عام 1992. ومن الأفلام السينمائية التي كتب لها عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار: فيلم (عسل الحب المر)، و(الفريسة)، وفيلمي (عصر الحب، والتوت والنبوت) وهما من تأليف الأديب العالمي نجيب محفوظ.
أما أشهر الأفلام التلفزيونية للسيناريست عصام الجمبلاطي فهي: فيلم (أسعد الله مساءك) عن قصة لنجيب محفوظ، وفيلم (الحب أيضا يموت) من تأليف موسى صبري، وفيلم (خطة بعيدة المدي)، وفيلم (حكاية تو) عن قصة للأديب الكبير فتحي غانم، وفيلم (الشيطان يستعد للرحيل) من تأليف وجيه أبو ذكري، بالإضافة إلى فيلمي (شفاه غليظة) و(درب البهلوان) للأديب محمود تيمور. وآخر أفلامه التلفزيونية كان فيلم (خيال العاشق) عام 1997عن قصة لنجيب محفوظ وبطولة وائل نور وجيهان نصر.
وللمسرح كتب عصام الجمبلاطي في بداياته مسرحية (عبود عبده عبود) بالاشتراك مع حسين عبد النبي، ثم أعد مسرحية (مولود في الوقت الضائع) عام 1977وهي من تأليف عمر الدكروري وبطولة وإخراج عبد المنعم مدبولي، هذا بالإضافة إلى مسرحية من تأليفه بعنوان (الصول والحرامي) عام 1987.
ولقد نالت المسلسلات التلفزيونية الشهرة الأكبر من بين أعمال عصام الجمبلاطي وكان على رأسها مسلسل (أبنائي الأعزاء.. شكرًا) من إخراج محمد فاضل، والذي ظهر معه في نفس العام مسلسل (العملاق) عن قصة حياة عباس محمود العقاد ومن إخراج يحيى العلمي.
وقبل هذين العملين البارزين بحوالي عشرة أعوام قدَّم عصام الجمبلاطي مسلسل (أنجح جواز في العالم) عام 1968 من تأليف عصمت خليل وبطولة نوال أبو الفتوح وأبو بكر عزت وإخراج عبد الله الشيخ، الذي أخرج له أيضًا مسلسل (مصيدة الدكتور غراب) عام 1969، وقد اشترك في كتابته مع رفيق دربه الفنان عبد الله فرغلي، وكان من بطولة زوزو ماضي وسعيد صالح وسهير رمزي وعبد الرحمن أبو زهرة وعادل إمام .
وفي الثمانينيات كتب عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار للمسلسل التلفزيوني (عصر الحب) عن رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ وإخراج يوسف مرزوق. كما ألَّف مسلسل (بين السرايات) من إخراج إبراهيم الصحن، وفي أعقابه ظهر له مسلسل (أخو البنات) عام 1984 من تأليف إبراهيم الموجي وإخراج محمد فاضل. وفي عام 1987 كتب عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار لمسلسل (برج الأكابر) من تأليف دكتور نبيل راغب وإخراج يوسف مرزوق، وكذلك لمسلسل (الباقي من الزمن ساعة) لنجيب محفوظ وكان ذلك بالاشتراك مع مخرجه هاني لاشين.
وفي التسعينيات قدَّم عصام الجمبلاطي مسلسلي (وداعًا يا ربيع العمر) وكان من تأليفه، ومسلسل (قشتمر) للروائي نجيب محفوظ، و كلاهما كانا من إخراج علية يس. ومن تأليف الصحفي الكبير مصطفى أمين كتب عصام الجمبلاطي السيناريو والحوار لمسلسل (الآنسة كاف) من إخراج عادل صادق عام 1993. وله أيضًا مسلسلان من تأليفه هما: (المتهم بريء) عام 1997 من إخراج إبراهيم الصحن، ومسلسل (بعد الطوفان) الذي أنتج بعد وفاته.
وبعد مرور حوالي أربعة وعشرين عامًا على وفاة الكاتب والسيناريست عصام الجمبلاطي الذي وافته المنية في 10مارس سنة 1999، فإنه قد آن الأوان للاحتفاء به وبأعماله التي حظيت بشهرة أكبر من شهرته، فمع الأسف من الصعب العثور على أي حوار معه أو لقاء يُعرِّف الجمهور به وبشخصيته؛ ولكن هذا لا يعني أن ينسى أو يتجاهل بالرغم من تاريخه الفني الحافل بأعمال هادفة نالت جماهيرية كبيرة وكانت تناقش قضايا مجتمعية هامة ومازالت تحقق المتعة لمن يشاهدها بالرغم من مرور عدة عقود على إنتاجها.