رؤى

الاقتصاد المصري يواصل محاولات الخروج من الأزمة الخانقة

أعد التقرير: ماهر الشيال

شهد الاسبوع الماضي عددا من الإجراءات الاقتصادية التي استهدفت تخفيف وطأة الأزمة الممتدة منذ شهور، وما تزال الكثير من تلك المحاولات التي تتحرك في اتجاهها الحكومة المصرية وهيئاتها المختلفة- بعيدة عن تحقيق ذلك الهدف.. في ظل تراجع لا يتوقف لقيمة العملة المحلية التي سجلت اليوم الجمعة تراجعا جديدا وصل إلى ثلاثين جنيها وواحد وتسعين قرشا للدولار الواحد حسب البنك المركزي، مع تصاعد خطير للدولار في السوق الموازية.. تزامنا مع زيادة الطلب عليه؛ تلبيةً للاحتياجات الأساسية والتزاما بدفع فوائد وأقساط الديون مع تراجع تحويلات المصريين بالخارج خلال الربع الأول من العام بنسبة تقترب من 20.9%.

وبعد نحو شهرين من الاتفاق الذي أبرمته الحكومة مع صندوق النقد- تراجعت ثقة المستثمرين في السندات المصرية إلى نقطة البداية، وسجلت عقود مقايضة مخاطر التخلف عن السداد، التي تستخدم للتأمين ضد مخاطر عدم السداد، أكبر نسبة صعود على مستوى العالم خلال الشهر الماضي بعد الإكوادور. كما ظهرت بوادر الضيق في سوق السندات من جديد؛ فيما تُظهر المشتقات مخاطر خفض آخر لقيمة الجنيه المصري في الفترة المقبلة.. ما اعتبره بعض المحللين تراجعا جديدا بعد التخلص جزئيا من تكدس الواردات في الموانئ، وجذب تدفقات النقد الأجنبي. 

وقد ثارت شكوك حول مدى تقدم مصر في مواصلة بيع الأصول، والتزامها بسياسة سعر صرف أكثر مرونة، ما دفع فرق العلاوة على بعض السندات الحكومية الأطول أجلا إلى ما يقرب من 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية- وهو ما يعد الحد الفاصل لاعتبار الديون متعثرة.

ومن الدلالات الأخرى التي تشير إلى قلق المستثمرين، بلوغ تكلفة تأمين ديون البلاد ضد التخلف عن السداد نحو 1185 نقطة أساس، مرتفعة من 720 نقطة سجلت في يناير ومثّلت أدنى مستوى في تسعة أشهر.

وحسب بلومبرج فإن صندوق النقد الدولي يقدّر فجوة التمويل الخارجي في مصر بنحو من 17 مليار دولار خلال البرنامج المتفق عليه مع القاهرة ويمتد 46 شهرا. ويتوقع أن يسهم الاتفاق مع الصندوق في إتاحة تمويلات إضافية بنحو 14 مليار دولار للبلاد من شركاء دوليين وإقليميين.

وتشير سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم إلى هبوط أعمق في الجنيه المصري، قبيل المراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي البالغة قيمته 3 مليارات دولار والمقرر إجراؤها هذا الشهر؛ حيث تراجع العقد البالغة مدته شهرا واحدا على العملة بنحو 4% منذ نهاية فبراير ليصل إلى 32.7 للدولار، ووصل العقد البالغة مدته 12 شهرا إلى نحو 38 للدولار.

ونقلا عن موقع الشرق، أفاد جان ميشيل صليبا المحلل الاقتصادي في “بنك أوف أميركا” في تقريرٍ له إن “الوضع الراهن لمصر هش” لافتا إلى أن أي تراجع في الإصلاحات المرتبطة بخطة إنقاذ صندوق النقد الدولي من المرجح أن يزيد من مخاطر الائتمان، حتى لو لم تكن إعادة هيكلة الديون وشيكة.

بينما يرى المحلل باورز أن النقطة المحورية التالية للسندات المصرية ستتركز على مبيعات الأصول، وأن أي تأخير في هذا الملف سيعمق الأزمة ويلقي بظلال من الشك على عزم السلطات على تنفيذ الإصلاحات.

وكانت السندات المصرية هي الأكثر تضررا على مستوى العالم خلال الشهر الماضي عقب تلميحات الاحتياطي الفيدرالي مؤخرا، نحو الإسراع في تشديد السياسة النقدية، ما يعني رفع أسعار الفائدة، وهو ما يُصعّب فرص الدول المدينة الأكثر تضررا في إعادة تمويل ديونها في المستقبل.

كانت مصر  قد جمعت 1.5 مليار دولار الشهر الماضي من خلال بيع أول أداة دين إسلامي، حيث ارتفع العائد على الصكوك لأجل ثلاثة أعوام إلى 11.7%، وسعرت عند 11%، أي أعلى بنحو 400 نقطة أساس من ديون تركيا ذات الاستحقاق المماثل، الحاصلة على نفس التصنيف الائتماني!

وأفاد أحد المستثمرين  في ديون مصر في زيورخ بأنه “ربما تكون هناك مخاوف تتعلق بإعادة الهيكلة في غضون خمس إلى عشر سنوات.. ولكن ليس لأفق الاستثمار قصير أو متوسط ​​الأجل”. كما “ينبغي لمصر أن تثبت للسوق أن عملية الخصخصة ستحدث بالفعل بطريقة معبرة من الناحية الاقتصادية الكلية”.

ارتفاع معدلات التضخم خلال فبراير المنقضي على نحو غير مسبوق خلال السنوات الخمس الماضية قدّر بنحو 31.9%، أدى إلى تحويل معدل الاقتراض الرسمي في مصر إلى سالب عند تعديلها وفق تلك المعدّلات ليقترب من سالب 16%، وهو أحد أدنى المعدلات بين أكثر من 50 اقتصادا رئيسيا حسب بلومبرج.

وفي إطار محاولاتها توفير احتياجاتها من العملة الصعبة قررت الحكومة المصرية منح الجنسية المصرية لمن يشتري عقارا بما لا يقل عن 300 ألف دولار، أو يجمّد وديعة بنكية بـ500 ألف دولار لمدة 3 سنوات، دون فوائد، على أن تسترد بعد انتهاء المدة بالعملة المصرية.

وبموجب القرار الحكومي المنشور في الجريدة الرسمية الأربعاء الماضي، ستمنح مصر الجنسية أيضا لكل من شارك أو أنشأ مشروعا استثماريا بما لا يقل عن 350 ألف دولار. وكذلك لكل من أودع مبلغ 250 ألف دولار كإيراد مباشر بالعملة الأجنبية يؤول إلى الخزانة العامة للدولة ولا يُسترد.

وعلى سبيل التيسير.. أتاح القرار الجديد تقسيط كافة المبالغ الواردة أعلاه خلال مدة لا تتجاوز العام الواحد، على أن لا تُمنح الجنسية إلاّ بعد سداد الأقساط المقررة كاملة. مع التشديد على أن كافة الخيارات المتاحة تشترط توفير الأموال بالعملة الصعبة بموجب تحويل بنكي من الخارج.

فهل تنجح تلك المحاولات في حلحلة الأزمة المستحكمة، والمصريون على مشارف شهر رمضان المعظم الذي يشهد ارتفاعا ملحوظا في معدلات الإنفاق على الطعام، أم أن المصريين مدعوون لتحمل المزيد من الأعباء الاقتصادية، التي من شأنها توسيع مساحة الفقر ليشمل فئات كانت قبل نحو عام “مستورة”؟ مع تسارع وتيرة الأحداث، ربما تحمل لنا الأيام القليلة القادمة بعض الإجابات الشافية.  

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock