رؤى

أسباب زيارة وزير الدفاع الأمريكي.. إلى العراق

قُبيل الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق، التي حلت في 20 مارس، وفي سياق حركة دبلوماسية واسعة شهدها العراق، خلال الأسابيع الأخيرة، مع استقبال المسئولين فيه، تواليًا، وزراء خارجية السعودية وإيران وروسيا، ثم الأمين العام للأمم المتحدة؛ مرورًا باحتضان بغداد للمؤتمر 34 للاتحاد البرلماني العربي، خلال الفترة 23 – 26 فبراير الماضي.. وصل وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى العراق في زيارة مُفاجئة إلى بغداد، لم تكن مُعلنة مُسبقًا، ضمن جولته الشرق أوسطية التي بدأها من الأردن، الأحد 5 مارس.

وكما يبدو، فإن زيارة أوستن، المفاجئة، الثلاثاء 7 مارس، تدل على محاولة “التموضع الاستراتيجي” الأمريكي في العراق، بالنظر إلى إمكانية توصيفها بأنها “إثبات وجود وبقاء”، في البلد الذي تتصارع عليه قوى إقليمية ودولية.

أسباب متعددة

تأتي زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى العراق، في هذا التوقيت، لتستند إلى أسباب متعددة بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية مع العراق بوجه خاص، ومع منطقة الشرق الأوسط عموما.. لعل أهمها ما يلي: 

فهناك التأكيد على الشراكة الاستراتيجية مع العراق؛ إذ، لم يكتف أوستن بالتغريدة التي كتبها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وقال فيها “أنا هنا لأعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق”؛ ولكنه، خلال مؤتمر صحافي عُقد في بغداد، مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، تابع القول “تحدثنا اليوم عن رؤية لشراكتنا مع العراق، ونواصل دمج العراق مع شركائه في المنطقة”.

والملاحظ، أن تأكيد أوستن على “الشراكة الاستراتيجية” مع العراق، لدى وصوله إلى بغداد، وبعد اجتماعه مع السوداني، يؤشر إلى أن المباحثات قد تناولت ملفات أمنية وعسكرية، في مقدمتها التعاون الاستخباراتي، وفوضى السلاح في العراق، فضلًا عن ملف الفصائل المسلحة، التي يوالي كثير منها إيران. 

أيضًا، هناك الإعلان عن بقاء القوات الأمريكية في العراق؛ حيث جاءت زيارة أوستن إلى بغداد بمثابة رسالة بقاء للوجود الأمريكي داخل العراق، وتأكيد أن العراق يأتي ضمن أولويات الإدارة الأمريكية الحالية في المنطقة. وبهذا الخصوص أكد وزير الدفاع الأمريكي على أن “القوات الأمريكية مستعدة للبقاء في العراق، بدعوة من الحكومة العراقية”.

ورغم أن عدد القوات الأمريكية في العراق، قد انخفض حاليًا إلى 2500 جندي، بعد أن كان 160 ألف جندي، في عام 2008؛ فإن تصريحات أوستن، حول التواجد الأمريكي في العراق، تأتي في خضم التطورات السياسية التي تجتاح المنطقة، والأبعاد الاستراتيجية لدعوة الولايات المتحدة العراق لبناء علاقات متوازنة، خاصة مع “الغرب”. وفي ما يبدو، تعمل واشنطن على استقرار الأوضاع العامة في العراق، كإحدى الخطوات المهمة في الحفاظ على أسعار الطاقة في السوق العالمي؛ بل، وانسيابية عملية تصدير النفط العراقي، بما يخدم المصالح الأمريكية، ويساهم في تخفيف الأعباء عن شركاء الولايات المتحدة من الأوروبيين.

كذلك، هناك العمل على حل المشكلات بين بغداد وأربيل؛ فقد كانت زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى إقليم كردستان، بعد العاصمة بغداد، دافعًا وخطوة تشجيعية لتقريب “وجهات النظر”، بين الإقليم والحكومة الاتحادية من جهة، وبين الأحزاب الكردية نفسها من جهة أخرى. ومثلما اجتمع أوستن مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، فقد اجتمع مع رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، في محاولة لتجسير الفجوة بين بغداد وأربيل، والحد من النزاع طويل الأمد بينهما حول تحويلات الميزانية، وتقاسم عائدات النفط بين الحكومة الاتحادية وأربيل.

ثم، هناك محاولة الحد من النفوذ الإيراني في الداخل العراقي؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تنظر بقلق، ليس فقط إلى تصاعد المناورات العسكرية والتدريبات، التي يُجريها الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج العربي؛ ولكن أيضًا إلى تزايد نفوذ القوى السياسية المرتبطة بإيران، إضافة لمحاولات الميليشيات، الموالية لإيران، السيطرة على مفاصل الدولة العراقية. وبالتالي، فمن أسباب زيارة أوستن إلى العراق، يأتي دعم رئيس الوزراء العراقي في مواجهة النفوذ الإيراني في بلاده.

وتحتفظ بغداد بعلاقات قوية مع واشنطن لاسيما في المجال العسكري، رغم النفوذ الإيراني في الداخل العراقي؛ وهذا ما حاول رئيس الوزراء العراقي التأكيد عليه، عندما صرح، خلال استقبال وزير الدفاع الأمريكي، بأن “الحكومة حريصة على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوطيدها على كافة المستويات”.

إلا أن السوداني كان قد أشار إلى “دور العراق في تقريب وجهات النظر وخفض التوترات في المنطقة”؛ مُضيفًا بأن “نهج الحكومة في اتباع علاقات متوازنة مع المحيط الإقليمي والدولي، تستند إلى المصالح المشتركة واحترام السيادة”. وبهذه الإشارة الأخيرة، يبدو بوضوح ما يحاول السوداني التعبير عنه من إمكانية أن يلعب العراق “دور الوسيط” بين إيران والأطراف العربية، خاصة الخليجية، لخفض التوترات في المنطقة.

وأخيرًا، هناك مواجهة التمدد الروسي والصيني تجاه العراق؛ فقد نقل العديد من وكالات الأنباء العالمية، كما يُشير موقع “سكاي نيوز عربية”، في 7 مارس، عن جنرال مشاة البحرية الأمريكية المتقاعد فرانك ماكنزي، الذي سبق وترأس قوات بلاده في الشرق الأوسط، أن “المنطقة مهمة للولايات المتحدة بسبب دور الصين المتنامي”، معتبرًا أن جولة أوستن “مثال ممتاز لفرصة إبلاغ أصدقاء الولايات المتحدة أنهم مازالوا مهمين لنا”. ويأتي تصريح ماكنزي في إطار ما أبرمه العراق من اتفاقيات لمشاريع ثقيلة مع الصين، في مجالات النفط والإنشاءات وتحلية المياه والكهرباء. بل، ومتواكبًا مع إعلان بغداد في نهاية فبراير، بحسب ما يُشير الموقع نفسه، أن “البنك المركزي العراقي يعتزم تمويل التجارة الخارجية مع الصين، مباشرة بعملة اليوان الصيني”.

ولا تتوقف زيارة أوستن إلى العراق، عند حدود مواجهة التمدد الصيني، ولكن إضافة إلى ذلك، لمواجهة التمدد الروسي، خاصة العسكري، إلى المنطقة، حيث حذر أوستن من التعاون العسكري بين روسيا وإيران، مؤكدًا أن “هذا التعاون لا يُبشر بالخير للمنطقة”؛ وهو التصريح الذي أدلى به أوستن في العاصمة الأردنية عمان، قبيل مغادرته إلى العراق.

بوابة جيوسياسية

في هذا السياق، يمكن القول بأن زيارة وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى العراق، ضمن جولته في المنطقة، التي شملت الأردن ومصر وإسرائيل، إنما تأتي بمثابة “إثبات وجود وبقاء” في البلد الذي يُمثل “بوابة جيوسياسية” مهمة للولايات المتحدة؛ لتأكيد تواجدها في المنطقة عمومًا؛ وفي الوقت نفسه، تأتي لتبعث بعددٍ من الرسائل الأمريكية، إلى الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة أن الزيارة قام بها أهم مسئول “عسكري” أمريكي. من أهم هذه الرسائل “طمأنة” دول عديدة بالمنطقة بعدم انشغال واشنطن عن قضاياها؛ فضلًا عن تأكيد أن التواجد الأمريكي في العراق، يُمثل عنصرًا رئيسًا في مواجهة تمدد القوى الإقليمية والدولية في الداخل العراقي. 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock