رؤى

البنك الدولي يبقى اقتصاد مصر في طليعة الدول العربية.. برغم خفض توقعات النمو

خفّض البنك الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعام الحالي والقادم بواقع 0.3% مقدّرًا أن يبلغ نمو اقتصاد مصر للسنة المالية 2022-2023، التي تنتهي في يونيو، مستوى 3.7%، وللسنة المالية المقبلة 5%.

ورغم هذا الخفض الوارد في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر اليوم الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع اجتماعات الربيع في واشنطن – يبقى اقتصاد مصر في طليعة الدول العربية من حيث النمو لهذا العام إلى جانب العراق، وبعد عُمان للعام المقبل.

كانت الحكومة المصرية قد خفّضت توقعاتها للنمو الاقتصادي في العام المالي الجاري (2022-2023) إلى 4.2 % وهو معدل أقل بكثير من توقعات سابقة.

وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في ديسمبر الماضي على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمصر، وذلك في إطار برنامج الـ46 شهرا الذي يخضع لثماني مراجعات، كان تاريخ أولها 15 مارس 2023، حسبما ورد في تقرير خبراء الصندوق الذي نُشر في ديسمبر؛ إلا أن صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، لم يتفقا بعد على موعدٍ للمراجعة الأولية.. في حين صرّح المدير الإقليمي للصندوق أن النقاش بين الجانبين مستمر، بالتزامن مع بدء الاستعدادات للمراجعة التي أرجئ موعدها دون تحديد.

ومازال مسئولو الصندوق مُصرّين على أن تعديل سعر صرف الجنيه، عامل أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر؛ بزعم أنه يتيح للبنك المركزي تطبيق السياسات النقدية المواتية للظروف المحلية، التي تشهد ارتفاعا غير مسبوق لوتيرة التضخم، ما يستلزم تطبيق مزيج من السياسات النقدية والمالية لاستعادة الاستقرار لاقتصاد البلاد.. في ظل التأثير الكبير للظروف الدولية (الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الغذاء) والمؤشرات المتراجعة لعوائد السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج.

وعلى هامش اجتماعات الربيع في واشنطن، صرّحت مدير عام الصندوق أن مصر قد تحتاج لإبطاء وتيرة مشروعاتها الاستثمارية الكبرى طويلة الأجل؛ لتجنُّب الإضرار باقتصادها.. وأضافت أن هذه المشروعات هي “بالتأكيد مشروعات جيدة ومهمة بالنسبة لمصر، غير أنها في ظل الظروف الصعبة -حاليا- قد تقوّض استقرار الاقتصاد الكلي، إذا استمر تنفيذها بالسرعة التي تم إقرارها من قبل، في ظروف مختلفة.

وعن الاستعداد لإجراء المراجعة أفادت المديرة، أن فريق الصندوق يعمل حاليا بجد، وأنها على ثقة من تحقيق نتائج جيدة.. بعد أن صار الفريق أعمق فهما لتعقيدات الاقتصاد المصري داخليا وخارجيا.

ولا يخلو الأمر من مؤشرات إيجابية لحلحلة الأزمة المتفاقمة، إذ أعلن منتصف الأسبوع الماضي، أن إيرادات قناة السويس المصرية قد قفزت إلى 35%، على أساس سنوي، في الربع الأول من 2023، لتسجل 2.3 مليار دولار، ما يُعد مؤشرا إيجابيا لإمكانية تحقيق المستهدف وهو الوصول بالإيرادات السنوية لنحو 9 مليارات دولار.

وفقاً للبيان، الصادر اليوم الثلاثاء عن رئاسة الجمهورية في مصر، فإن أعداد السفن المارة بالقناة زادت بنحو 20% في الربع الأول من هذا العام، وتستهدف مصر نمو إيرادات قناة السويس بنحو 12.5% خلال 2023، لتسجل 9 مليارات دولار، بحسب رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، مقارنة بإيرادات العام الماضي المقدرة بـ 8 مليارات دولار.. وبذلك تتجاوز إيرادات القناة توقعات صندوق النقد الدولي الذي قدّر أن إيرادات القناة لن تصل لمستوى 9 مليارات دولار إلا في عام 2027.

وفي محاولة منها لتخفيض تكلفة استيراد القمح، إذ تعد مصر أكثر دول العالم استيرادا له، بما مقداره 12 مليون طن سنويا – رفعت الحكومة المصرية سعر توريد القمح المحلي 20%، أول من أمس، إلى 1500 جنيه للأردب (150 كيلو غراماً)، ليصل بذلك إجمالي الزيادة  في سعر شرائه من المزارعين إلى 50% منذ بداية العام، بحسب بيان لمجلس الوزراء المصري.

الزيادة الجديدة التي أقرّتها الحكومة تأتي قبل ثلاثة أيام فقط من بدء موسم الحصاد في منتصف أبريل حتى منتصف يوليو، في حين يبدأ موسم زراعة القمح في منتصف شهر نوفمبر حتى نهاية شهر يناير.

هذا التوجه يعزز المحفزات التي تحاول الحكومة تقديمها للفلاحين، من أجل دفعهم لتوريد القمح إليها بدلا من القطاع الخاص، مع تيسيرات جديدة في توفير وأسعار الأسمدة الخاصة بزراعة المحصول الاستراتيجي.

ورغم العديد من الإجراءات الحكومية ما يزال التضخم يضرب بقوة؛ إذ واصل مساره الصاعد، ليصل إلى أعلى مستوى منذ خمس سنوات وسبعة أشهر، بالتزامن مع الارتفاع المتواصل لكل أسعار السلع والخدمات، مع عودة أزمة تكدس  البضائع في الموانئ من جديد بسبب نقص السيولة الدولارية.

وحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر يوم الاثنين الماضي، فإن أسعار المستهلكين في مصر قد قفزت بنسبة 32.7% خلال مارس على أساس سنوي، متوافقة بذلك مع توقعات بنوك الاستثمار، مقابل 31.9% في فبراير. أما على أساس شهري، فقد هدأت وتيرة التضخم وتراجعت إلى 2.7% من 6.5% في فبراير.

معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار السلع الأكثر تقلبا تراجع إلى 39.5% في مارس من 40.3% في فبراير، وفق بيانات البنك المركزي الصادرة الاثنين.

وقال محللون إن استمرار ارتفاع أرقام التضخم في مصر يرجع بشكل أساسي إلى استمرار الارتفاع في أسعار الطعام ونقص العملة الصعبة، وارتفاع أسعار الوقود.. مع توقع ارتفاع جديد الشهر القادم، تأثرا برفع أسعار منتجات التبغ.

ويبدو أن الاقتصاد المصري ما زال يعاني أشد المعاناة، وهو في أشد الاحتياج إلى حلول خارج “الصندوق” حتى يتعافى جزئيا، ويصبح قادرا على مواجهة التحديات المتلاحقة، على أن تكون تلك الحلول بعيدة عن تحميل الطبقات غير القادرة؛ المزيد من تبعات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يرى كثيرون أنه افتقر في كثير من خطواته إلى الواقعية، والتبصر بمآلات التحولات الجذرية في اقتصاد بحجم وظروف الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى إعادة النظر في أولويات الإصلاح في تلك المرحلة الحرجة، ليس في الجانب الاقتصادي فحسب؛ بل على كافة الأصعدة.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock