رؤى

أسباب زيارة باتيلي.. إلى دول جوار الجنوب الليبي

يتصدر إجلاء المقاتلين الأجانب عن الأراضي الليبية، اهتمامات الفاعلين الأساسيين داخليًا وخارجيًا، من حيث إن هناك رهانًا أمميًا أن يتم ذلك قبل سبتمبر المُقبل؛ في ظل مساعٍ جدية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الربع الأخير من العام الجاري. في هذا الإطار، انطلق المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، منذ الخميس 30 مارس الماضي، في جولة بين دول الجوار للجنوب الليبي، شملت السودان وتشاد والنيجر، لمتابعة ملف إجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة من مختلف مناطق ليبيا، والتنسيق مع حكوماتها فيما يتصل بالتعاون الأمني وتأمين الحدود، تمهيدًا لتنظيم الاستحقاق الانتخابي.

وكما يبدو، يسعى باتيلي لتوفير دعم دول جوار ليبيا في الجنوب، لإخراج المرتزقة المنتمين إلى كل منها، من البلاد؛ خاصة أن الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي تأتي لمساعدة اللجنة العسكرية الليبية “5+5” في مهامها؛ وفي الوقت نفسه، تتزامن مع جهود أخرى لحل الأزمة السياسية التي طال أمدها في البلاد.

دوافع متعددة

تأتي زيارة باتيلي إلى دول جوار الجنوب الليبي، لتُشير إلى عدد من الدوافع.. لعل أهمها:

أولًا: التخوف من انفلات الأوضاع في الجنوب؛ إذ، لأن الجنوب الليبي له أهمية كبرى كموقع جيوسياسي، تبدو التخوفات من دخوله إلى دائرة الصراع، وانفلات الأوضاع فيه. والملاحظ، أن إشكالية سحب المرتزقة الأفارقة من منطقة الجنوب، تكمن في جانبين: الأول، أن الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلين، تبدو غير مستعدة لاستقبالهم، بسبب الاضطرابات الأمنية التي تعيشها، وما يمكن أن يساهم به هؤلاء المقاتلين، في حال عودتهم، من ازدياد الاضطرابات.

أما الجانب الثاني، أنهم موزعون على طرفي الصراع، مثل الجنجويد، ومرتزقة تشاد، على عكس الحال بالنسبة إلى المرتزقة السوريين، وقوات فاغنر الروسية؛ فالمرتزقة السوريون يتواجدون في الغرب الليبي، وتتواجد قوات فاغنر في الشرق، أما المرتزقة الأفارقة فهم موزعون على طرفي الصراع. وهنا، يبدو المتغير الذي قد يُسفر عن مخاطر؛ إذ، في حال اُجريت الانتخابات، وأسفرت النتائج عن فوز أحد الأطراف من غير المقبولين من الطرف الآخر، يمكن أن يشتعل الوضع، ويدخل الجنوب إلى دائرة الصراع.

ثانيًا: تحريك قضية إخراج المرتزقة قبل الانتخابات؛ حيث تُعدُّ قضية المرتزقة والقوات الأجنبية في ليبيا، من الشواغل الرئيسة للبعثة الأممية، كما لغالبية الأطراف الدولية المُطلعة على ملف الأزمة بالبلاد، فضلًا عن المُنخرطة فيها. ويُشار هنا إلى أن باتيلي استبق زيارته لدول جوار الجنوب الليبي بالاجتماع في تونس، منتصف مارس الماضي، مع لجان التواصل من ليبيا والسودان وتشاد والنيجر، بشأن إطلاق آلية تبادل البيانات والمعلومات لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب؛ وذلك تماشيًا مع التزامهم السابق في القاهرة.

ومن ثم، تأتي جولة باتيلي إلى دول جوار الجنوب، سعيًا لتحريك قضية المرتزقة قبيل إجراء الاستحقاق الانتخابي المنتظر؛ خاصة أن سحب هؤلاء يُمثل ضرورة لإزالة واحدة من أهم العقبات التي تُعرقل المسار السياسي في ليبيا، ما أدى إلى تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كانت مُقررة قبل أكثر من عام.

ثالثًا: مُراقبة دول الجوار لحدودها مع جنوب ليبيا؛ فمحاولة التوافق مع هذه الدول حول مراقبة حدودها مع ليبيا، تأتي ضمن أهم الأسباب التي دفعت المبعوث الأممي، للقيام بزيارتها؛ حيث دعا باتيلي، من خلال حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، الخميس 30 مارس، الدول المجاورة لليبيا، لبذل جهود جماعية لمراقبة حدودها وتأمينها، حتى لا تكون ملاذًا للمجموعات الخارجة عن القانون، والجماعات الإرهابية، والهجرة غير الشرعية.

وفي السودان، أول بلد يزوره في جولته، أكد المبعوث الأممي، خلال لقائه رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، أن أمن واستقرار ليبيا هو امتداد لأمن واستقرار دول الجوار؛ مُبينًا أن إجلاء الحركات المسلحة الأجنبية والمقاتلين الأجانب من ليبيا، يحتاج إلى تضافر جهود دول الجوار، لتكثيف مراقبة حدودها خشية أن تتحول ملاذًا للجماعات الإرهابية؛ ومؤكدًا، في الوقت نفسه “نحن بحاجة إلى العمل مع شركائنا لمواجهة هذا التحدي”. 

رابعًا: دعم دول الجوار للبعثة الأممية في ليبيا؛ إذ، بهدف المساهمة في دعم بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، واللجنة العسكرية المشتركة، لأجل تنفيذ خطة العمل المتعلقة بانسحاب المرتزقة الأجانب، عقد المبعوث الأممي، خلال جولته في دول جوار الجنوب الليبي، سلسلة من الاجتماعات مع كبار المسئولين. ففي السودان، وإضافة إلى لقائه بالبرهان، التقى باتيلي بوزير الدفاع السوداني، اللواء ياسين إبراهيم، الذي أكد على “التزام وزارته بمواصلة التعاون المشترك، ودعم الانسحاب المنسق لجميع العناصر من المقاتلين، وإعادة إدماجهم في القوات النظامية”.

وفي تشاد، وعبر حسابه على تويتر، قال باتيلي “حظيت في أنجامينا باستقبال الرئيس الانتقالي لدولة تشاد، الجنرال محمد إدريس ديبي، الذي أعرب عن دعم بلاده الكامل لعملية السلام، التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا”. أما في النيجر، فقد عقد المبعوث الأممي لقاءات مع رئيس الجمهورية، محمد بازوم، ووزيرا الدفاع والداخلية؛ ولفت باتيلي، عبر تغريدات له على موقع تويتر، إلى أنه ناقش مع وزير الدفاع الوطني، القاسوم إنداتو، أهمية تعزيز أمن الحدود بين ليبيا والنيجر، لمنع الاتجار غير الشرعي العابر للحدود، والأنشطة الإجرامية التي تؤثر سلبًا على الأمن القومي لكلا البلدين.

خامسًا: تهيئة ظروف مناسبة لإجراء الانتخابات؛ فقد كانت زيارة باتيلي إلى دول الجوار للجنوب الليبي، هي محاولة لتهيئة ظروف مناسبة لإجراء الانتخابات، من حيث إن اتفاق إخراج المرتزقة، سواء العناصر الأفريقية المسلحة، أو العناصر المحسوبة على أحد طرفي الصراع، يُعد أحد أركان العملية السياسية؛ لأن هؤلاء، إضافة إلى الميليشيات المسلحة، يمثلون أحد عوامل عدم الاستقرار، خاصة أن لهم تأثيرًا كبيرًا على القرار السياسي في ليبيا.

خطوة تمهيدية

في هذا السياق، يمكن القول بأن خطوة باتيلي الجديدة، في ملف محاولة إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والتوافق مع دول جوار الجنوب الليبي، على استقبالهم ودمجهم في القوات النظامية لهذه الدول، في الوقت الذي تُمثل فيه خطوة صحيحة، لم يفعلها من سبقوه من مبعوثين أمميين؛ فهي -في الوقت نفسه- تُعبر عن “خطوة تمهيدية” لابد منها، لتوفير المناخ الملائم لإجراء الانتخابات في ليبيا.

رغم ذلك، لا يمكن التعويل على خطوة باتيلي هذه بشكل كامل، في هذا الملف، كون تلك الدول لا تتحكم في المرتزقة الذين على الأراضي الليبية، بشكل فعال؛ فضلًا عن أن هؤلاء يمثلون مجموعات مارقة وخارجة عن شرعية حكومات تلك الدول. وبالتالي، فإن حل هذه المعضلة يحتاج إلى عقد اتفاق دولي بين المرتزقة وبين حكومات الدول التي ينتمي إليها أولئك، بوساطة أممية، وعبر مستويات سياسية وأمنية أعلى من مسؤولي تلك الدول.  

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock