رؤى

مفاوضات جدة.. ومستقبل الصراع العسكري في السودان

في الوقت الذي تُعلق فيه أطرافٌ كثيرة الآمال، على المحادثات التي تجري في مدينة جدة السعودية، بين ممثلين لطرفي الصراع العسكري في السودان، بمبادرة سعودية أمريكية؛ تؤكد المؤشرات الأولية على أن المفاوضات “لم تُحرز تقدمًا كبيرًا”، بعد يومين من مباحثات وصفتها واشنطن والرياض بـ”المحادثات الأولية”. وتهدف هذه المحادثات إلى “تحقيق وقف فعال قصير المدى لإطلاق النار، والعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووضع جدول زمني لمفاوضات موسعة للتوصل إلى وقف دائم للأعمال العسكرية”، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، الاثنين 8 مايو.

ولعل هذا ما يُثير عددًا من التساؤلات حول المدى الزمني لهذه المحادثات، والمواقف المتباينة لطرفي الصراع، والاحتمالات المتوقعة، أو التي يمكن توقعها، جراء هذه المحادثات؛ خاصة أن “وقفًا دائمًا لإطلاق النار ليس مطروحًا على الطاولة”، من حيث إن “كل جانب يعتقد أنه قادر على حسم الصراع العسكري”.

طرفي الوساطة

اللافت، أن المحادثات “الأولية” التي انطلقت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة السعودية، جاءت بضغوط أمريكية؛ بل، وبعد يومين من إصدار الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أوامر تنفيذية لمعاقبة “من يعرقلون الاستقرار في السودان”؛ وقد تشمل هذه العقوبات كيانات عسكرية ومنظمات وشركات وأفراد.

والمبادرة الحالية للتفاوض، تجري برعاية الخارجية الأمريكية والخارجية السعودية؛ والمعلوم أن الرياض لها تاريخ طويل من العلاقات التاريخية مع السودان؛ بيد أنها ظلت تحتفظ بعلاقات جيدة مع طرفي النزاع، من خلال مشاركة كل منهما في تحالف دعم الشرعية بخصوص الأزمة اليمنية. إلا أن الملاحظ، أن السعودية كانت قد قامت برعاية المفاوضات بين الفرقاء اللبنانيين، في ظروف شبيهة بظروف النزاع السوداني الحالي، وانتهت إلى توقيع اتفاقية “الطائف”، في عام 1989.

أما الخارجية الأمريكية، فقد شاركت تاريخيًا طوال المفاوضات ذات الصلة بالسودان، من مفاوضات “نيفاشا” مع الحركة الشعبية عام 2005، والتي انتهت بانفصال الجنوب عن السودان عام 2011، ثم أصبحت تُشكل حضورًا دائمًا في المشهد السوداني، بعد ثورة ديسمبر 2019، فضلًا عن كونها عضو الآلية الرباعية، التي وقفت خلف الاتفاق الإطاري بين القوى المدنية والعسكرية.

مواقف متباينة

تبدو مواقف الأطراف السودانية، سواء الجيش السوداني، أو قوات الدعم السريع، إضافة إلى القوى المدنية والحركات المسلحة السودانية الأخرى، مختلفة عن بعضها البعض، بشكل يؤكد أنها متباينة.. وذلك كما يلي:

فمن جانب، هناك رفض الجيش للمفاوضات المباشرة؛ حيث قال الجيش السوداني إنه أرسل وفدًا إلى جدة، الجمعة 5 مايو الجاري، لكنه أكد أنه لن يُجري محادثات مباشرة مع أي وفد ترسله قوات الدعم السريع، وأن وفد الجيش ذهب بهدف التفاوض على الهدنة الخاصة بالأغراض الإنسانية فقط؛ وهذا ما أعلنه المتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، السبت 6 مايو الجاري، بأن “المناقشات تدور حول الهدنة فقط، وكيف تُفعّل بطريقة صحيحة؛ لكي تخدم الجوانب الإنسانية”.

أما السفير دفع الله الحاج، مبعوث رئيس مجلس السيادة السوداني، فقد شدد في مقابلة خاصة مع قناة “العربية”، السبت، على عدم قبول أي مقترحات لبحث موضوع المصالحة مع قوات الدعم؛ مؤكدًا أن أولوية الجيش تكمن في “حسم المعركة”، ومشيرًا إلى أن وفد الجيش لن يلتقي في جدة بشكل مباشر مع وفد الدعم السريع.

والملاحظ، أن الجيش أرسل وفدًا برئاسة اللواء أبو بكر فقيري، واثنين من كبار الضباط وسفير بوزارة الخارجية؛ واللواء فقيري، هو مدير إدارة العلاقات الخارجية بوزارة الدفاع، ويحمل درجة الدكتوراة في القانون الدولي؛ أما السفير عمر محمد أحمد صديق، فقد عمل مديرًا للإدارة العامة للشئون الأوروبية والأمريكية، ومؤخرا كان المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة. هذا، بالإضافة إلى اللواء محجوب، قائد القوات البحرية السودانية.

من جانب آخر، هناك خفوت لتصريحات قوات الدعم؛ إذ أكد قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، مشاركة جماعته في المحادثات، قائلًا بأنه يأمل في أن تحقق الهدف المرجو منها، وهو “فتح ممر آمن للمدنيين”، ومُرحبًا “بجميع الجهود الإقليمية والدولية، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب السوداني”.

وقد اختار الدعم السريع العميد عمر حمدان، وهو ضابط جيش متقاعد التحق بقوات الدعم، يعاونه مستشار حميدتي فارس النور، علاوة على شقيق حميدتي الأصغر القوني حمدان الذي يتولى مسئولية مشتروات القوات.

والمعروف، أن قوات الدعم، الطرف الثاني في المفاوضات، هي فصيل عسكري ابتدأ في أول الأمر تابعًا لجهاز الأمن والمخابرات، ثم انتقل إلى تبعية القوات المسلحة؛ وبموجب إجازة قانون العام 2017، أصبح قوة تتبع القائد العام للقوات المسلحة. رغم ذلك، تدخل قوات الدعم إلى المفاوضات، بالإصرار على ما نص عليه الاتفاق الإطاري، وهو “تبعية قوات الدعم السريع إلى رئيس مجلس الوزراء”. يأتي هذا في الوقت الذي يتمسك فيه الجيش بـ”الأمر الواقع” حتى تاريخ النزاع.

من جانب أخير، هناك ترحيب القوى المدنية والحركات المسلحة؛ فرغم تباين مواقف كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلا أن القوى السياسية والحركات المسلحة، غير المنضوية في النزاع، سارعت إلى الترحيب ببدء المفاوضات بين الجيش والدعم السريع. وقال بيان أصدره المتحدث باسم العملية السياسية، خالد عمر يوسف، إنهم “يرحبون بمباحثات جدة بين القوات المسلحة والدعم السريع، ضمن المبادرة السعودية الأمريكية”.

بدورها، رحبت حركة العدل والمساواة بالمبادرة وبدء المفاوضات؛ وأكد بيان صادر عن المتحدث باسم الحركة “الدعم المطلق لكل جهد أو مبادرة جادة من أجل إيقاف  الحرب”. أيضًا، طالب تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي طرفا النزاع المسلح “الاحتكام إلى صوت العقل والحكمة، والتوافق على وقف عاجل لإطلاق النار، وإخلاء المناطق السكنية والمرافق العامة من الوجود العسكري”.

احتمالات متوقعة

في إطار طرفي الوساطة، وتباين مواقف الأطراف السودانية، يمكن توقع عدد من الاحتمالات المتوقعة، أو التي يمكن توقعها. إذ، التسلسل المعروف في الحالات المشابهة لمثل حالة النزاع المسلح في السودان، أن يبدأ التفاوض بشكل غير مباشر للأغراض الإنسانية، وهو ما يتطلب تحديد مواقع القوات المتحاربة لرسم الممرات الإنسانية. ثم، يمكن أن يتطور ذلك، إلى إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، تمهيدًا للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، كمقدمة للتفاوض السياسي.

إلا أن ما يمكن أن يُشكل خلافًا، في ظل هذا الاحتمال، هو أماكن سيطرة القوات المتحاربة؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه قوات الدعم إثبات سيطرتها على كامل ولاية الخرطوم عدا مناطق جنوب الخرطوم، ومناطق الريف الشمالي بأم درمان؛ يحاول الجيش السوداني التمسك بأن قوات الدعم تنتشر في مسافة لا تتجاوز مساحتها 10 – 15 كيلو متر، تمتد بين محليتي شرق النيل والخرطوم.

ولعل هذا الخلاف، سينسحب على موقف كل طرف من المفاوضات، وما يرجوه منها؛ وبالتالي، فمن المتوقع، أن تتمثل رؤية الجيش السوداني في انسحاب قوات الدعم خارج ولاية الخرطوم، وربما إلى معسكراتها خارج الولاية؛ في حين سوف تتمثل رؤية قوات الدعم في العودة إلى كل معسكراتها ومقارها قبل اندلاع القتال.

ومن هنا، فإن الاحتمال الأقرب أن يطرح طرفي الوساطة مقترح وقف إطلاق النار، مع إخلاء المناطق المدنية، ونشر مراقبين دوليين للإشراف على التزام الطرفين بالاتفاق.

نقطة الخلاف

في هذا السياق، يُمكن القول بأن المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في حال استمرارها، ستكون مبدئيًا غير مباشرة، وعن طريق الوسطاء، وغالبًا ما يكون هناك مجموعة من المراقبين للهدنة، دوليين وإقليميين ومحليين؛ لكن قد تكون هناك مشكلة في تحديد المسارات الإنسانية المطلوب توفيرها، فمواقع الجيش معروفة، بينما مواقع قوات الدعم غير معروف أماكن تمركزها. ومن المتوقع، ألا يكون هناك وقف لإطلاق النار بشكل دائم، بل سيكون لفترة محددة، لإتاحة الفرصة لتشغيل المستشفيات وخدمات الكهرباء والمياه بصورة طبيعية.

إلا أن “نقطة الخلاف” الرئيسة، سوف تتمثل في الشكل الذي ستبقى عليه قوات الدعم السريع؛ إذ، سوف يُصر الجيش على إدماج هذه القوات في إطار القوات المسلحة السودانية، في حين سوف تتمسك قوات الدعم بالتبعية لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة “المدنية” المنتظر تشكيلها.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock