بقلم: جوزيف مسعد، نقلًا عن عربي 21
لا تتسامح وزيرة الخارجية النرويجية أنِكن هويتفلدت مع أي أعمال عنف ضد المدنيين الفلسطينيين، فقد غردت في الأسبوع الماضي، في خضم أحدث مجزرة إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بـ”تضامن النرويج مع الناس في جنين”، و”أدانت المستوى المرتفع للعنف وجميع الهجمات ضد المدنيين”. وفي حالة إساءة فهم الإسرائيليين للعبارة “الحيادية” -أي “جميع الهجمات”- فقد كررت هويتفلدت الصيغة الغربية الليبرالية التي تساوي الفلسطينيين المستعمَرين مع مستعمريهم الإسرائيليين من خلال إضافة التالي: “ينبغي على حلقة العنف أن تنتهي”. وقد قام مسؤول نرويجي أيضاً بجولة في مخيم جنين للاجئين برفقة عشرات الدبلوماسيين الأجانب لتفقد الأنقاض.
وبما أن إسرائيل ترفض التسامح مع أدنى انتقاد لها نتيجة عمليات القتل المستمرة للمدنيين الفلسطينيين، فقد ردت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الفور متهمة هويتفيلدت بتشجيع وتجاهل “الإرهاب”. وقد أكد المتحدث الإسرائيلي أن “مثل هذه التصريحات لا يمكن أن تساهم في تعزيز بيئة مواتية لخفض التصعيد، وبدلاً من ذلك فإنها تعزز التطرف والتحريض من الجانب الفلسطيني”، مضيفاً أن كلام هويتفيلدت يمكن أن يقوض “الحوار الهادف بين إسرائيل والنرويج”.
لقد صورت النرويج نفسها، قبل وبعد ظهورها المفاجئ كدولة رعت اتفاقية “سلام” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، على أنها فاعل خير محايد هدفه الوحيد هو المصالحة بين الأطراف المتحاربة وإنهاء الظروف القمعية التي يعيش الشعب الفلسطيني تحت نيرها. لكن هذه الصورة تتعارض مع الدور التاريخي الفعلي للنرويج المتمثل في دعمها الفاعل للاستعمار الصهيوني لفلسطين منذ عام ١٩٤٧، وتكريس الظروف الاستعمارية القمعية التي يقبع الفلسطينيون تحت ظلها منذ إقامة المستعمرة الاستيطانية اليهودية. وقد نشرت المؤرخة النرويجية، هيلدا هنريكسن فاغه، في هذا السياق، أهم الدراسات توثيقاً عن تاريخ النرويج المشين في هذا الصدد.
صورت النرويج نفسها، قبل وبعد ظهورها المفاجئ كدولة رعت اتفاقية “سلام” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993، على أنها فاعل خير محايد هدفه الوحيد هو المصالحة بين الأطراف المتحاربة وإنهاء الظروف القمعية التي يعيش الشعب الفلسطيني تحت نيرها. لكن هذه الصورة تتعارض مع الدور التاريخي الفعلي للنرويج المتمثل في دعمها الفاعل للاستعمار الصهيوني لفلسطين منذ عام ١٩٤٧، وتكريس الظروف الاستعمارية القمعية التي يقبع الفلسطينيون تحت ظلها
فلم تقم النرويج بالتصويت لصالح قرار تقسيم فلسطين في عام 1947 بين الأقلية من المستوطنين اليهود والأغلبية من الشعب الفلسطيني الأصلي فحسب، ولكنها ستصبح أيضاً واحدة من أقرب أصدقاء إسرائيل بعد عام 1948. وفي واقع الأمر، كان النرويجيون يقومون بمساعدة الاستعمار الصهيوني قبل وبعد عام 1948. فقد كان أول أمين عام للأمم المتحدة، النرويجي تريغفي لي، مؤيداً للصهيونية “بحماس” لدرجة أنه عمل كمخبر، إن لم يكن كجاسوس، للصهاينة.
وبصفته الأمين العام للأمم المتحدة، التقى لي سراً بممثلي الوكالة اليهودية يومياً تقريباً في منزله بعد شهر نيسان/ أبريل 1947، وفي وقت لاحق أيد قرار التقسيم بالكامل وكان “مدافعاً شرساً” عن ضرورة عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، كما أنه اعتبر إسرائيل “طفله الخاص”. وبخلاف الدنمارك والسويد، دعمت النرويج طلب إسرائيل للانضمام للأمم المتحدة في أيار/ مايو 1949، ومنحتها اعترافاً قانونياً، بعد أن كانت قد اعترفت بها دبلوماسياً قبل ذلك ببضعة شهور. بل إن لي ذهب أبعد من ذلك، فقد قام بنقل “معلومات مخابرات بريطانية سرية للغاية إلى الوكالة اليهودية” من خلال المسؤول النرويجي للأمم المتحدة في القدس، الذي كان قد عينه في السابق، كما نقل معلومات عسكرية ودبلوماسية سرية إلى ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، أبا إيبان.
ولم يُضعف اغتيال الإرهابيين الصهاينة مبعوثَ الأمم المتحدة إلى فلسطين، الكونت السويدي فولك برنادوت الذي كان لي قد عينه، من دعمه للاستعمار الصهيوني مثقال ذرة. فقد كان لي متحيزاً جداً لإسرائيل، لدرجة أنه قدم النصح للإسرائيليين حول كيفية التعامل مع برنادوت أثناء المفاوضات. هكذا وصف الإسرائيليون نصيحته: “نصيحة السيد لي هي أنه بعد أن كان موقفنا معتدلاً، يجب أن نبدأ بموقف أكثر عناداً فيما يتعلق بالقضية الرئيسة. وقال إذا قصّرنا في ذلك، سيعرف الكونت جيداً كيفية استغلال موقفنا”.
وكان لي قد مرر للإسرائيليين تقارير رسمية للأمم المتحدة حول مناقشات سرية بين الحكومات العربية والأمم المتحدة خلال محادثات الهدنة لعام 1949 في جزيرة رودوس، كما استخدم المعلومات السرية التي تلقاها من رودوس “للتأثير على نتيجة المفاوضات لصالح إسرائيل”. وقام لي سراً بمشاركة الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة بمعلومات سرية حول المفاوضات.
وبعد الغزو الصهيوني لفلسطين، رحب النرويجيون من مختلف الأطياف السياسية -من اليمين الديني والمحافظ إلى اليسار العمالي- بالمستعمرة اليهودية بحماس. وفي عام 1949 بدأ حزب العمل النرويجي حملة لجمع الأموال لتأسيس “كيبوتس النرويج”، المعروف أيضاً باسم “القرية النرويجية”، في إسرائيل. وقد أصبحت المستعمرة الممولة من النرويج والمبنية على أراض فلسطينية تُعرف فيما بعد باسم “موشاف يانوف”.
أما بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل خلال الحرب، فلم يحظوا بأي ذرة تعاطف من قبل النرويجيين. وقد أصر النرويجيون، الذين اتبعوا الخط الإسرائيلي، أن لا ملامة تقع على إسرائيل جرّاء تهجير الفلسطينيين، وطالبوا بضرورة دمج الأخيرين في الدول العربية.
وعلى النقيض من موقفها تجاه الفلسطينيين، وفي سياق نضال تونس من أجل التحرر والاستقلال عن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، قامت منظمات نرويجية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي بمساعدة الصهاينة في نقل اليهود التونسيين من تونس التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي إلى إسرائيل، وذلك على الرغم من أن الحركة الوطنية التونسية وخليفتها الحكومة التونسية المستقلة قد أكدتا لليهود التونسيين بأن مواطنتهم متساوية في تونس ما بعد الاستقلال، وبأنهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع التونسي.
كان الرئيس التونسي المستقبلي الحبيب بورقيبة في الواقع قد دعا منذ عام 1952، أي قبل أربع سنوات من استقلال تونس، إلى الاعتراف بإسرائيل دعماً للصهاينة. وبخلاف اليهود التونسيين الذين لم يكونوا قد طُردوا من بلادهم والذين ناشدهم الوطنيون التونسيون بالبقاء في وطنهم، قامت النرويج بالمساعدة في نقلهم إلى إسرائيل، فيما لم تقدّم النرويج أي رحلات جوية أو أموال لنقل أو رعاية اللاجئين الفلسطينيين المطرودين. لكن في سبيل الدقة، ينبغي أن نذكر بأن النرويج كانت قد أرسلت بعض الكميات من الأسماك الفائضة، والتي كان بعضها فاسدا، لإطعام بعض النازحين الفلسطينيين. وفي الواقع، بينما تم إرسال الأخشاب (التي كانت سلعة نادرة في نرويج ما بعد الحرب العالمية) إلى إسرائيل لبناء كيبوتس النرويج، رفضت النرويج السماح بتصدير مواد البناء إلى اللاجئين الفلسطينيين لبناء بيوت لهم في المخيمات.
وقد كانت النرويج نفسها، شأنها شأن بقية أوروبا والولايات المتحدة، قد أبقت على قوانين الهجرة التقييدية بعد المحرقة النازية، رافضة استقبال أعداد كبيرة من الناجين اليهود. في الواقع، كانت الشرطة النرويجية في ظل نظام “فيدكون كويزلنغ” الفاشي (الذي أصبح اسمه في اللغات الأوروبية مرادفاً للقيادات الخائنة التي تتعاون مع محتلي بلادهم) قد قامت بمساعدة قوات البوليس السري النازي “الغشتابو” في اعتقال مئات اليهود النرويجيين الذين لقوا حتفهم لاحقاً في معسكرات هتلر. ولم يكن النرويجيون العاديون، في تلك السنوات الرهيبة، حريصين على مساعدة مواطنيهم اليهود على الهروب من مطاردة الغشتابو. وشأنها شأن معظم البلدان التي أغلقت حدودها أمام اللاجئين اليهود بعد الحرب، اختارت النرويج دعم الحل الصهيوني وجعل الفلسطينيين يدفعون ثمن جرائم النرويج وباقي الأوروبيين ضد اليهود.
وفي حين أنه من عام 1942 إلى عام 1948، غادر أقل من 300 يهودي تونسي البلاد ليصبحوا مستوطنين في فلسطين، بين عامي 1948 و1957، أي قبل وبعد استقلال تونس مباشرة، هاجر 26625 يهودياً إلى إسرائيل. لكن هجرة اليهود لم تكن تلقائية، بل كانت نتيجة جهود العديد من المنظمات الصهيونية المنضوية في الاتحاد الصهيوني التونسي، بما في ذلك الوكالة اليهودية والمنظمات اليهودية الأمريكية، والمنظمات الإنسانية الأوروبية، وخاصة النرويجية، لا سيما منظمة “مساعدة أوروبا”، التي ساعدت في نقل اليهود التونسيين إلى إسرائيل عبر النرويج. وفي النرويج، تم إيواء اليهود التونسيين بعد وصولهم في معسكرات تدريب حيث دُرِّسوا عن “بلدهم” الجديد إسرائيل، وتعلموا اللغة العبرية استعداداً لنشاطهم الاستعماري القادم في فلسطين. وبحلول 1952-1953، ومن سخرية القدر، قدم يهود تونسيون في إسرائيل، التماسات إلى فرنسا لإعادتهم إلى تونس التي كانت لم تزل خاضعة للاستعمار الفرنسي، وذلك نتيجة العنصرية اليهودية الأشكنازية التي واجهوها في المستعمرة الاستيطانية اليهودية.
بالإضافة إلى ذلك أيّد النرويجيون، في تحدٍ لتدويل الأمم المتحدة لمدينة القدس، تقسيم القدس بعد الحرب، بل ذهبوا إلى أبعد من معظم الدول الغربية في حينها من خلال الاعتراف بالأمر الواقع غير القانوني الذي فرضته إسرائيل بإعلانها القدس الغربية عاصمة لها في أواخر عام 1949. وقد بدأ مندوبو النرويج لدى الأمم المتحدة في تلقي تعليمات من الإسرائيليين للضغط من أجل استهلال محادثات “سلام” مع الدول العربية على أساس المفاوضات المباشرة، وهو ما رفضته الدول العربية. لكن هذه المحاولات النرويجية/ الإسرائيلية لفرض التطبيع على العالم العربي فشلت في تلك المرة.
تضمنت القواعد الأساسية للمحادثات السرية في النرويج حظر “إثارة مظالم الماضي”. ومع مضي الوقت وتنامي المحادثات، دخل وزير خارجية النرويج آنذاك يوهان يورغن هولست على الخط ولعب دور حامل الرسائل بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين. فعلياً، كان الدور الذي لعبه هولست هو دور مستشار ومخبر للإسرائيليين أكثر من كونه وسيطاً، وهو ما يذكِرنا بدور الأمين العام للأمم المتحدة النرويجي تريغفي لي من قبله
وقد قام زعيم حزب العمال النرويجي بالدفع أكثر لتسويق إسرائيل عالمياً في عام 1956، عبر استخدامه لمنظمة الاشتراكية الدولية لتأسيس حملة دولية لدعم المستعمرة الاستيطانية اليهودية، وكان من بين شعارات الحملة المهمة شعار “دعوا إسرائيل تعيش”. كما زوّد النرويجيون إسرائيل منذ عام 1959 بأكثر من 20 طناً من الماء الثقيل لبرنامجها النووي الذي كانت إسرائيل بصدد بنائه آنذاك، والذي سينطلق من مفاعل ديمونا الإسرائيلي الذي وفّرته فرنسا لإسرائيل. وقد استمر الدعم النرويجي خلال وبعد الغزو والاحتلال الإسرائيلي لعام 1967.
لكن في أعقاب حرب عام 1967، بدأ الفلسطينيون يظهرون على الرادار السياسي النرويجي لدرجة أنه في عام 1970 أشار إليهم رئيس الوزراء النرويجي آنذاك بير بورتن بأنهم “فلسطينيون”، وليسوا مجرد “عرب” وفقاً للمعجم الإسرائيلي الكولونيالي. لكن ذلك لم يقلل من دعم النرويج لإسرائيل خلال حرب عام 1973، حيث قام النرويجيون من جديد ببعث حملة “دع إسرائيل تعيش” مرة أخرى. وعندما صوتت أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في عام 1974، انضمت النرويج إلى إسرائيل، وخمس مستعمرات استيطانية أخرى للبيض في الأمريكتين وأيسلندا، في التصويت ضد القرار.
أدت مشاركة النرويج في قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان (اليونيفيل) منذ أواخر السبعينيات إلى قيام اتصالات بين مسؤوليها ومسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، على الرغم من أن النرويج ظلت واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي رفضت الاعتراف بالمنظمة الفلسطينية. ومع ذلك، بحلول عام 1988، توسطت النرويج بين الولايات المتحدة وياسر عرفات، مما أدى إلى استسلام عرفات لإملاءات الولايات المتحدة من خلال “نبذ الإرهاب” وإلغاء ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية لتلبية الشروط الأمريكية والإسرائيلية.
وبحلول عامي 1992 و1993 تمت ترقية دور النرويج عندما رتبت لعقد اجتماعات مع مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية وأكاديميين إسرائيليين غير رسميين (وكانا تحديداً يائير هيرشفيلد، وهو مستعمر نمساوي ولد في نيوزيلندا وانتقل من فيينا إلى إسرائيل في عام 1967، ورون بونداك، وكان نجل مستعمرين دنماركيين، كان والده يعمل جاسوساً للموساد). وانضم إليهما لاحقاً الزوجان النرويجيان: الباحث والدبلوماسي المستقبلي تيري رود لارسن وزوجته مونا يول، التي ستصبح في المستقبل سفيرة النرويج في إسرائيل.
تضمنت القواعد الأساسية للمحادثات السرية في النرويج حظر “إثارة مظالم الماضي”. ومع مضي الوقت وتنامي المحادثات، دخل وزير خارجية النرويج آنذاك يوهان يورغن هولست على الخط ولعب دور حامل الرسائل بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين. فعلياً، كان الدور الذي لعبه هولست هو دور مستشار ومخبر للإسرائيليين أكثر من كونه وسيطاً، وهو ما يذكِرنا بدور الأمين العام للأمم المتحدة النرويجي تريغفي لي من قبله. وقد كان هولست يكتب إلى وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز يطلعه فيه على ما دار بينه وبين عرفات، موضحاً أنه (أي هولست) كان “ودوداً، ولكن حازماً” مع عرفات. وقدّم هولست للإسرائيليين “معلومات مهمة حول المسائل التي كان الفلسطينيون على استعداد للتنازل عنها”.
محاولات النرويج تصوير نفسها على أنها وسيط إنساني محب للسلام قد تكون مقنعة لجمهور نرويجي ساذج، ولكنها لا تقنع أحداً من أبناء الشعب الفلسطيني، باستثناء المتعاونين في السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الاحتلال، أو ينبغي أن نسميها سلطة “كويزلينغ”، والتي تمولها النرويج كي تستمر في قمع المقاومة الفلسطينية ضد الاستعمار ولحماية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي
وفي تقييمها المفصّل والشامل لدور النرويج، توضح المؤرخة النرويجية هيلدا هنريكسن فاغه أنه بخلاف جهود النرويج لإقناع الفلسطينيين بقبول مطالب إسرائيل، “ليس ثمة دليل يشير إلى المحاولات النرويجية لإقناع الإسرائيليين برؤية وجهة النظر الفلسطينية، أو تقديم النصح لمفاوضي منظمة التحرير عن المسائل التي يمكن للإسرائيليين أن يُبدوا فيها بعض “المرونة”، أو ما هي المقترحات المقابِلة التي قد تكون مثمرة”، كما فعلت النرويج مع الإسرائيليين، الذين كان هولست وزملاؤه “يقدمون لهم النصح”.
في العقود الثلاثة الماضية منذ أن رعت النرويج اتفاقية أوسلو التي تسببت وتتسبب في المزيد من الاضطهاد والمعاناة للشعب الفلسطيني، بدأت النرويج ببيع الأسلحة لإسرائيل من خلال طرق ملتوية. في غضون ذلك، بدأت كذلك في لعب دور الشرطي والرقيب على الكتب المدرسية الفلسطينية لمعارضتها للصهيونية، لكن ليس الكتب المدرسية الإسرائيلية التي تنتهج العنصرية الاستعمارية ضد الفلسطينيين. أما تحركها الأخير المتمثل في تصنيف، والتعريف عن -لكن ليس حظر- السلع الإسرائيلية المستوردة المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، بالكاد يمثل عملاً مؤيداً للفلسطينيين. وهو ما ينطبق أيضاً على تغريدة التضامن التي أصدرتها وزيرة الخارجية هويتفيلدت الأسبوع الماضي.
كانت النرويج مساهماً رئيساً ونشطاً في اضطهاد الشعب الفلسطيني منذ عام 1947، ولم تزل تتسبب له بالأذى وتحرض على استعمار بلاده. وبخلاف القواعد الأساسية التي وضعتها النرويج لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993 المتمثلة بحظر “إثارة مظالم الماضي”، ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يسهب في الحديث عن جرائم الماضي والحاضر التي اقترفتها وتقترفها النرويج ضده، والتي لا يوجد ما يشي بتراجعها عنها.
إن محاولات النرويج تصوير نفسها على أنها وسيط إنساني محب للسلام قد تكون مقنعة لجمهور نرويجي ساذج، ولكنها لا تقنع أحداً من أبناء الشعب الفلسطيني، باستثناء المتعاونين في السلطة الفلسطينية المتعاونة مع الاحتلال، أو ينبغي أن نسميها سلطة “كويزلينغ”، والتي تمولها النرويج كي تستمر في قمع المقاومة الفلسطينية ضد الاستعمار ولحماية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
فكما كان الحال مع السمك الفاسد الذي أرسلته النرويج إلى النازحين الفلسطينيين، فإن مساعيها للوساطة في “إحلال السلام” هي الأخرى فاسدة مثلها تماماً، والفلسطينيون في غِنى عنها.