رؤى

فشل الحوار الوطني الفلسطيني ليس قدرًا!

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عمان

حسين عبد الغني

 

يجتمع اليوم الأمناء العامون للمنظمات الفلسطينية في منطقة العلمين المصرية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات تقريبا، وسط مؤشرات سلبية توحي بأنه لن يتوصل إلى نتيجة إيجابية في قضايا المصالحة الوطنية، أو إنهاء الانقسام أو مواجهة الاستيطان السرطاني الإسرائيلي، وأنه بالتالي لن يخرج عن مسار ومصير مئات الاجتماعات السابقة.. وإنما سيفضي -وحسب وكما هي العادة- إلى إحباط وخيبة أمل جديدة فيهم من قبل أبناء شعبهم الفلسطيني.

المؤشرات السلبية عن صعوبة نجاح الاجتماع بعضها يرجع لمؤشرات حديثة سبقت الاجتماع مباشرة وبعضها مزمن وهيكلي نخر في جسد الحركة الوطنية الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو قبل 3 عقود تقريبا وترتبت عليها أخطاء متكررة عند انعقاد كل التئام فلسطيني، فلا تتعلم هذه المنظمات شيئا من دروسها وتعيد ارتكابها بحذافيره..

اللافت أن هذا المقال يسبح ضد التيار ويرى أن كل هذه المؤشرات إذا تم تحليلها لا تجعل من فشل الحوار الفلسطيني في كل مرة قدرًا محتومًا لا فرار منه وأن هذا الاجتماع يستطيع إذا توفر حد معقول من الإرادة السياسية وارتفاع إلى مستوى تضحيات الفلسطينيين في جنين وغزة والقدس وغيرها.. أو إلى مستوى التحديات التي تدبر بليل الآن للقضية الفلسطينية أمريكيا وإسرائيليا.

*اشترطت حركة الجهاد لحضورها لقاء «العلمين» الإفراج عن أعضائها الذين اعتقلتهم السلطة الفلسطينية :يمثل غياب الجهاد ضربة كبيرة لفرص نجاح الاجتماع بالنظر إلى حقيقة أن الحركة أصبحت قطبا ثالثا يكاد يقترب من إلغاء معادلة ثنائية فتح/ حماس المسيطرة على المشهد الفلسطيني منذ عقدين من الزمن.

حركة الجهاد من الناحية العسكرية أصبحت بجدارة القوة الفلسطينية الثالثة بعد الحركتين الكبيرتين، أما من الناحية السياسية والجماهيرية فربما تكون الحركة الأولى حاليا عند عموم الشعب الفلسطيني فكافأها لتصدرها لعمليات المواجهة مع الاحتلال ومستوطنيه في السنوات الخمس الأخيرة.

*إخفاق اجتماع عباس/ هنية في تركيا قبل أيام في إحداث أي اختراق حول الخلافات القائمة وهو اجتماع رأى البعض أنه كان بوسعه إرسال إشارات إيجابية لاجتماع «العلمين» لكنه لم يفعل.

*وبينما كانت خيبة أمل اجتماعات فلسطينية سابقة تعود إلى تنصل الحركات الفلسطينية من تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينها بعد تحضيرات طويلة لها فإن اجتماع هذه المرة يجري في ظل لا مبالاة سياسية، إذ لم يرشح عنه أنه سبقه إعداد جاد، وليس هناك حديث لا عن ورقة حوار أو عن جدول أعمال تم إرساله للمشاركين قبل الاجتماع.

هناك مؤشرات سلبية هيكلية ومزمنة وهي:

أولا: الفالق الذي أحدثه زلزال التوقيع على اتفاقيات أوسلو في الجيولوجيا الوطنية الفلسطينية لم يضق بل على العكس يتسع كل يوم خاصة مع سحق الحكومات الإسرائيلية المتطرفة المتعاقبة لهذه الاتفاقيات بالأحذية الثقيلة لجنودها ومستوطنيها العنصريين وتحويل الاتفاقية إلى فسحة زمنية لضم أراضي الضفة الغربية المحتلة بالمستوطنات غير الشرعية وبالتالي بقتل أي فرصة لحل الدولتين، وما نتج عنه من تحول أغلبية الرأي العام الفلسطيني إلى خيار المقاومة.

ثانيا: إن فتح التي تستحوذ على السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو لا تريد التخلي عن هذه الاتفاقيات رغم فشلها التام كما لا تريد أن تتخلى عن قيادة الضفة الغربية وعلى صنع القرار السياسي الفلسطيني، وحماس من جهتها لا تريد التخلي عن استحواذها على قطاع غزة وممارستها لدور الحكومة فيها وكلتاهما تخشيان من الشعبية المتزايدة التي تكتسبها حركة الجهاد على حسابهما.

ثالثا: نتج عن الاختلاف السياسي بشأن أوسلو والمصالح الذاتية المتعارضة في الضفة وغزة لكل من فتح وحماس الكارثة الأكبر المستمرة منذ أوسلو وهي عدم وجود استراتيجية موحدة للفلسطينيين، فالسلطة معها بعض التنظيمات الصغيرة المعتمدة عليها ماليا متشبثة بخيار التسوية وحل الدولتين والتنسيق الأمني في حين ترى الجهاد وحماس «والشعبية» -القيادة العامة ومنظمات أخرى ضرورة العودة إلى ما قبل أوسلو أي العودة لخيار المقاومة. ومن خلال هذه الثغرة الاستراتيجية تتلاعب إسرائيل والغرب والأطراف الإقليمية بالفصائل الفلسطينية وتؤجج الخلافات بينها وتزيد هوة الانقسام الجغرافي بين غزة والضفة..

تشير المؤشرات الحديثة والمزمنة إلى مواقف شديدة التباعد ومصالح شديدة التناقض وتنافس على الموارد المادية المتاحة للفلسطينيين إقليميًا ودوليًا وعلى الموارد المعنوية التي تتعلق بالمكانة والأدوار.

المدهش كل هذه المؤشرات لم تردع الفصائل الفلسطينية عن المجازفة في كل مرة يجتمعون فيها بالسعي لطلب الحد الأقصى المعجز وهو الاتفاق على كل القضايا دفعة واحدة.

فحتى اجتماع اليوم بكل مؤشراته المثبطة للآمال، الخافضة لسقف التوقعات نجد ممثلي الفصائل يتحدثون عن أهداف مستحيلة للاجتماع: مثل إتمام المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام بين غزة والضفة وتوحيد السلاح الفلسطيني تحت سلطة واحدة وإعادة بناء منظمة التحرير بحيث تستوعب حماس والمنظمات ذات المرجعية الإسلامية وإجراء انتخابات عامة وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

*فالهدف المعلن لإعادة بناء المنظمة، بحيث تستوعب حماس والجهاد، غير واقعي في هذه المرحلة والجميع يعرفون أن حركة فتح ليست مستعدة لإدخال حماس والجهاد المنظمة حاليا، إذ تخشى أن يزيحوها من موقع القيادة الذي تحتله منذ خمسة عقود. وهي بالقطع ليست مستعدة لإجراء انتخابات عامة في وضع شعبي هو الأدنى في تاريخها ليس فقط لانقسامها لأجنحة متعارضة. ولكن أيضا بسبب عجزها أمام آلة الاحتلال والاستيطان.

حماس هي الأخرى لن تتخلى عن حكم غزة وهي في نظر فتح على الأقل تتسلل بصورة متزايدة إلى الضفة مستهدفة بسط نفوذها على المناطق الخاضعة نظريا بحكم أوسلو للسلطة الفلسطينية.

يكمن الحل المبدئي إذن في عدم تكرار «الرطانة» عن اتفاق مصالحة وطنية شامل مرة واحدة والانتقال إلى البحث في خطوات عملية متدرجة ومرحلية وهي تتعلق أساسا بمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهها الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

*توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار الفلسطيني فمن الحقائق الثابتة أن أوزان الحركات الفلسطينية لم تعد كما كانت وقت أوسلو، ولا وقت الانقسام بين غزة والضفة ٢٠٠٧ وأن فتح وحدها لا يمكن أن تستمر وحيدة في صنع القرار الفلسطيني. وبما أن فكرة فتح عضوية المنظمة غير مقبولة من فتح حاليا.. فإن الحل يمكن أن يكون في صيغة تحويل اجتماع الأمناء العامين لكل التنظيمات الفلسطينية بلا استثناء إلى مؤسسة قيادة سياسية تجتمع بشكل دوري ثلاث أو أربع مرات في العام وتضمن بالتالي بشكل مؤقت -قيادة سياسية للفلسطينيين. وقد ألمح وفد الجبهة الشعبية إلى تبنيه هذا الاقتراح.

وثانيا: توحيد آليات المقاومة.. إن الخطرين الرئيسيين اللذين يواجههما الشعب الفلسطيني هو استيلاء الاحتلال المتصاعد على القدس وباقي الضفة الغربية وإغراقها بمئات المستوطنات من جهة، والعدوان المستمر على الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين من جهة أخرى، ولهذا فإنه إذا كانت إسرائيل قد مزقت اتفاقيات أوسلو شر ممزق فإن الطرف الثاني لهذه الاتفاقيات أي السلطة ليس ملزما من طرف واحد بها وعليه الآن أن يتعامل على أنها مسار مغلق.

تستطيع السلطة الآن أن تتوافق مع الفصائل الأخرى على أن المسار المطروح هو التركيز على إنقاذ الشعب الفلسطيني من خطر فقدان أرضه وفقدان حياته. وهو أمر لن يتم إلا عبر خيار المقاومة سواء العسكري بحق الرد على أي اعتداء للاحتلال ومستوطنيه أو المقاومة المدنية بأشكالها.

الاقتراح العملي هنا سبق أن ورد بالنص في بيان اجتماع مماثل في ٢٠٢٠ ولم يتم الالتزام به ألا وهو تشكيل قيادة وطنية موحدة تقود فعاليات المقاومة الشعبية الشاملة، أو بتعبير آخر لإحدى قيادات فتح وهو حسن عصفور(توافق على آليات عمل «أجنحة مسلحة» في الضفة الغربية ضمن استراتيجية مواجهة العدو ومستوطنيه).

خطوات صغيرة قد تمنع الفشل المزمن للقاءات الفلسطينية وتبني تدريجيا ثقة مفقودة بين فصائلها وقياداتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock