رؤى

دوافع الجيش السوداني.. في رفض الوساطة الكينية

رغم تلقي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع العديد من عروض الوساطة الدولية، والمبادرات الإقليمية، لوضع حد للقتال الدائر بينهما، منذ أكثر من 100 يوم؛ إلا أن أيًا منها لم ينجح -حتى اللحظة- في التدخل لوقف النزاع.. وكانت آخر تلك المبادرات الإقليمية هي المبادرة التي تقودها كينيا لإرسال قوات حفظ السلام من شرق أفريقيا، للمساعدة في إنهاء الصراع الدائر بالسودان.

لكن مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول ركن ياسر العطا، رفض بشدة هذه المبادرة؛ وأشار في مقطع فيديو، نُشر قبل أيام، إلى أن “أيًا من هذه القوات لن يعود إلى بلده على قيد الحياة”؛ مؤكدًا أن الجيش سيعتبر “أي قوات أجنبية قوات معادية”.

وكما يبدو، فإن عددًا من الأسباب الدافعة لموقف الجيش السوداني، في الاعتراض على الوساطة الكينية بشكل خاص، وعلى إرسال قوات لحفظ السلام في السودان عمومًا.

أسباب رئيسة

لعل رفض الجيش السوداني للوساطة الكينية، ومبادرة إيغاد، التي تضم في عضويتها كينيا، ينبني على عددٍ من الأسباب.. أهمها ما يلي:

أولًا: التخوف من التأثير على سيادة السودان؛ فمن اللافت أن مواقف الحكومة الكينية منذ اندلاع الصراع في السودان، قد تضمنت قدرًا من الوصاية على هذا البلد؛ وذلك عبر ترتيبها، دونما تفويض من أي جهة إقليمية أو دولية، ودون أي مباحثات تشاورية مع السودان- لاجتماعات خاصة بالأزمة، بمشاركة شخصيات سودانية وأجنبية. وبحسب بيان لمجلس السيادة الانتقالي، الذي يقوده البرهان، القائد العام للجيش السوداني، عقب قمة إيغاد في جيبوتي، 12 يونيو الماضي، فإن الحكومة الكينية “على لسان رئيسها ووزير خارجيتها، عبرت عقب اندلاع الأزمة عن مواقف، تُمثل قدرًا من التدخل في الشأن السوداني الداخلي، بما يمكن أن يُعتبر انتقاصًا من سيادة السودان”.

كذلك، رفض الجيش السوداني نتائج ومخرجات قمة إيغاد، التي استضافتها أديس أبابا، في 10 يوليو، واقترحت فيها مبادرة تشمل “نشر قوات حفظ سلام في العاصمة السودانية الخرطوم”. ويعتمد الجيش في هذا الرفض على نظم وأعراف إيغاد وفكرة العمل الجماعي بين دولها، حيث لا يُمكنها أن تفرض أمرًا لا توافق عليه أيًا من حكومات دولها “الثمانية”، إذا كان يتصل بشأن داخلي يخصها.

ثانيًا: اتهام كينيا بالانحياز لقوات الدعم السريع؛ إذ يتهم قادة الجيش السوداني القيادة الكينية، بالافتقار إلى الحياد في التعامل مع الأزمة السودانية؛ بل إن رفض الجيش للمبادرة الكينية الخاصة بإرسال قوات حفظ سلام من شرق أفريقيا، تأتي في إطار ما يؤخذ على الرئيس الكيني، وليام روتو، من ارتباط بينه وبين قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الذي زار نيروبي، في يناير الماضي، وأعلنت كينيا وقتها دعمها للاتفاق الإطاري الذي وقع عليه بين المكونين العسكري والمدني في السودان.

وبحسب عدد من المراقبين، فإن هناك اتهامات من جانب الجيش السوداني، تخص الرئيس الكيني، الذي كان رئيسًا لجهاز الاستخبارات في بلاده، بأنه كان وسيطًا لشركة أمريكية لاستخراج الذهب، وأنه دخل الأراضي السودانية للبحث والتنقيب، في فبراير 2022، دون تصريح من الجهات الرسمية.

ولعل رفض الجيش السوداني للرئاسة الكينية، للجنة إيغاد الرباعية، كانت أحد الأسباب في  فشل قمة إيغاد، في أديس أبابا، في العاشر من يوليو المنقضي؛ حيث رفض وفد القوات المسلحة السودانية المشاركة في أعمال القمة، رغم وجوده في أديس أبابا، لتمسكه بضرورة تنحي الرئيس الكيني وليام روتو عن رئاسة اللجنة. كما ساهم اعتذار الرئيس الجيبوتي عمر جيله، ورئيس جنوب السودان عن المشاركة في القمة؛ فضلًا عن وصف الرئيس الإريتري لهذه القمة بأنها “بازار سياسي” في فشل القمة.

ثالثًا: رفض رئاسة كينيا للجنة إيغاد الرباعية؛ فمنذ الإعلان عن تشكيل لجنة رباعية برئاسة كينيا وجنوب السودان، وعضوية إثيوبيا والصومال، خلال قمة إيغاد التي استضافتها جيبوتي، الاثنين 12 يونيو الماضي.. ويرفض الجيش السوداني رئاسة كينيا للجنة الرباعية، ليس فقط لوصفه إياها بأنها “طرف غير محايد”، في الأزمة التي تعصف بالبلاد، منذ منتصف أبريل الماضي؛ ولكن أيضا لاختزال الحكومة الكينية توصيف الصراع في السودان، بأنه “صراع بين جنرالين”. وبحسب وزارة الخارجية السودانية، في بيان لها، الاثنين 19 يونيو الماضي، فإن مثل هذا التوصيف “تسمية مُخلة بين مؤسسة القوات المسلحة والقوات المتمردة عليها”.

ومن الواضح، بحسب البيان، أن الاعتراض السوداني على رئاسة كينيا للجنة إيغاد الرباعية، الخاصة بحل أزمة السودان، يعتمد على عدد من الأسباب “الإجرائية والموضوعية”، أهمها: أن رئاسة كينيا للجنة لم تُبحث خلال قمة إيغاد في جيبوتي، رغم اعتراض السودان عليها؛ هذا فضلًا عن أن القمة الطارئة للآلية، في 17 أبريل الماضي، كانت قد قررت تشكيل لجنة من الرؤساء، واختارت رئيس جنوب السودان، سيلفا كير ميارديت، وهذا القرار يظل ساريًا حتى بعد توسعة اللجنة بإضافة رئيس وزراء إثيوبيا إليها.

وأخيرًا: عدم الاستقرار الداخلي في معظم دول إيغاد؛ فالمنظمة الإقليمية التي تتوسط لحل الصراع الدائر بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، تُعاني “ست” من دولها من حالة عدم استقرار، نتيجة الصراعات الداخلية فيها؛ بما يُضعف من فرصها في الدخول على خط تسوية الأزمة السودانية، وإيجاد حل لها. هذا بالإضافة إلى افتقار مبادرة إيغاد إلى القوة السياسية اللازمة للحل؛ وهو البعد الذي يتكامل مع تقاطع مصالح الدول الإقليمية، التي تعمل لأجل إرساء سلام مؤقت يُحافظ على عدم امتداد الصراع السوداني إلى داخل حدودها.

إلا أن موقف الرفض الذي يتخذه الجيش السوداني من مبادرة إيغاد، أو من مبادرات الأطراف الإقليمية والدولية، يُضاعف من الضغوط على تشكيلاته العسكرية، في الصراع الدائر مع قوات الدعم السريع؛ من منظور أن أيًا من هذه الجهود الدبلوماسية، لم يُحقق أي درجة من درجات التقدم على طريق الحل، أو حتى مجرد اختراق لجدار الأزمة.

تكلفة عالية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن رفض الجيش السوداني لقوت حفظ السلام من شرق أفريقيا، يأتي على خلفية محاولة حسم الأمور على الأرض لصالحه؛ إضافة إلى التوتر في العلاقات بينه وبين الحكومة الكينية، حيث يتهمها الجيش بالانحياز إلى جانب قوات الدعم السريع. هذا، فضلًا عن أنه ليس بمقدور “إيغاد” إرسال قوات إلى السودان، في مهمة حفظ السلام بين القوات المتحاربة، دون موافقة الجيش السوداني، الذي أعلن أن هذه القوات ستعتبر “قوات معادية”، وأن دخولها إلى السودان يُمثل “نوعًا من الاحتلال”.

أيضا، فإن الجيش السوداني يعتمد في رفضه هذا على أنه، في ظل الأوضاع العالمية الحالية، خصوصا الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، ليس في مقدور أي جهة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، أو من مجلس الأمن والسلم الأفريقي، بإرسال مثل هذه القوات، نظرًا لـ”التكلفة العالية” الخاصة بإرسالها.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker