مختارات

خسائر ومكاسب المقاومة من “صفقة باريس”

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن موقع عروبة 22

حسين عبد الغني

أصبحت عناصر “صفقة باريس” بين رؤساء مخابرات أمريكا ومصر وإسرائيل ووزير خارجية قطر التي بلورها اجتماعهم في يناير/كانون الثاني الماضي متاحة للجميع بتسريبات من كل هذه الأطراف وغيرها لوسائل الإعلام.

تزداد فرص توقيع هذه الصفقة – نسبيًا – رغم وجود مشكلات لم تُحل، مثل غموض مقلق في بعض البنود وضمانات فاصلة لم تُعطَ. لن نضيع وقت القارئ إذن في سرد بنودها، ولكن سنحاول التفكير معه في ميزان القوى الذي أنتجها وبالتالي في مكاسب وخسائر المقاومة والقضية الفلسطينية المتوقعة منها.

من الناحية الاستراتيجية؛ حققت “حماس” والمقاومة تغييرًا جوهريًا في ميزان القوى المحيط بالصراع العربي – الإسرائيلي لم يحدث منذ حرب ٦ أكتوبر/تشرين الأول ٧٣، وبوصف صقر من صقور مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي حققت “حماس” إنجازًا تاريخيًا ومن البديهي أن تتوقع الحصول على مكاسب سياسية لها يساوي هذا الإنجاز.. ولكن للأسف فإنّ الخذلان العربي وحتى من أطراف في السلطة الفلسطينية لن يُمكّن المقاومة ولا القضية الفلسطينية من تحقيق هذا المكسب لأنّ التغيّر في ميزان القوى لصالح العرب والفلسطينيين الذي صنعه النجاح الساحق لـ”طوفان الأقصى” والصمود الأسطوري للمقاومة جرى التفريط فيه عربيًا ولم يتم الحفاظ إلا على القدر الضئيل منه.

رغم الخسارة الاستراتيجية والعملياتية لأهداف الحرب الأطلسية التي حددتها مؤسسة الأمن القومي الأمريكي لإسرائيل، فإنّ الأمريكيين تمكنوا بالتعاون مع النظام العربي الرسمي -الخاضع بنيويًا وهيكليًا، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا لهم- من إعادة ميزان القوى إلى وضع يُمكّنهم والإسرائيليون ليس فقط من الإفلات من الهزيمة ولكن أيضًا استعادة مكاسب كانوا على وشك قطافها قبل “طوفان الأقصى” وتصوّر الجميع أنّ الطوفان الفلسطيني قد جرفها معه إلى هاوية سحيقة.

وصلت واشنطن -متأخّرة عمدًا- بسبب بسالة المقاومة ودماء وتضحيات شعبها التي فاقت كل خيال، إلى قناعة بأنّ إسرائيل لن تستطيع سحق المقاومة في وقت قريب ولن تستطيع الحصول على أسير واحد من أسرى المقاومة حيًا، كما تتضاءل فرص الوصول إلى السنوار وباقي قادتها الكبار يومًا بعد الآخر، ورغم أنّ هذه القناعة هي فعليًا خسارة كبيرة لأمريكا وإسرائيل، فإنّ واشنطن عملت على بلورة ميزان قوى محيط بالصفقة تحاول من خلاله محو هذه الخسارة أو جعلها في أضيق الحدود.

هذا الميزان يتكوّن من عناصر هي:

– لم يعجز العرب عن اتخاذ موقف داعم للمقاومة يستعمل عشرات الأسلحة المؤثرة على واشنطن ووكيلها الإسرائيلي دبلوماسيًا وسياسيًا ونفطيًا، بل عجزوا أصلًا عن اتخاذ موقف موحّد من أي نوع تجاه حرب غزّة. لا يتعلق الأمر فقط بالخضوع العربي لأمريكا منذ مباحثات كيسنجر السادات وخروج مصر من الصراع ولا بالتحوّل الذي حدث في أدوار بعض البلدان العربية وأصبحت بمقتضاه كيانات وظيفية تؤدي أدوارًا مرسومة بدقة وضعتها لكل منها على حدة الاستراتيجية الأمريكية، ولكن أيضًا للتفكير الأناني الانتهازي الذي سيطر على سلوك عدد منها والذي أراد بصراحة تحويل مأساة غزّة لتحقيق أهداف سياسية مع واشنطن يعتقد أنها إما تصب في صالح أمنه كنظام وبلد أو في صالح إعطائه دورًا إقليميًا قياديًا مستقبليًا في القضية الفلسطينية والمنطقة كان يطمح منذ زمن للحصول عليه.

– العمل أمريكيًا على إحياء تقاليد الخطة التي طبقها كيسنجر مع المصريين والسوريين بعد حرب ٧٣، وهي أولًا منع العرب من الشعور بأنهم قضوا على قوة الردع الإسرائيلية أو استطاعوا الانتصار عليها في أي حرب، وتحقيق هدف منع المقاومة من تهديد إسرائيل مجددًا عبر وسائل السياسة الماكرة، رغم أنها أخفقت في تحقيقه منذ ٢٧ أكتوبر/تشرين الأول عبر الوسائل العسكرية في حرب غزّة والتي شاركت فيها مع الجيش الاسرائيلي شراكة ميدانية تامة.

– تحويل الهزيمة في الميدان لنصر في الاستراتيجية عن طريق الربط، بين احتياجات حملة بايدن الانتخابية لتحقيق الفوز مجددًا بالبيت الأبيض نهاية هذا العام والوضع في غزّة، فبشكل غير مباشر قالها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان “لقد ربطنا بين تسوية اليوم التالي لحرب غزّة وبين التطبيع الإقليمي الشامل بين إسرائيل والسعودية ودول إسلامية وعربية أخرى”، وسربت مغزاها دوائر أمريكية إلى وسائل إعلام بشكل مباشر لا لبس فيه “هناك حاجة لإدارة بايدن، التي تقترب من انتخابات الرئاسة، لاستجلاب فوائد سياسية من حرب الإبادة الجماعية الجارية في غزّة عبر صفقة شاملة، يتوسع فيها التطبيع العربي مع إسرائيل ليشمل المملكة العربية السعودية، وتنتهي فيها المقاومة كتهديد لإسرائيل في مقابل الوعد بدويلة فلسطينية لا علاقة لها بالقرار الأممي ١٩٤ ولا بالمبادرة العربية.. دويلة منزوعة السلاح ومنزوعة السيادة على غزّة وأجزاء محدودة من الضفة الغربية بما في ذلك بقاء القدس الشرقية مع الغربية عاصمة موحّدة لإسرائيل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock