رؤى

إشكاليات.. تعديل قانون الانتخابات الأردنية

بالأغلبية، وفي جلسة حضرها رئيس الوزراء بشر الخصاونة، مع أعضاء في الفريق الحكومي، ورئيس المجلس أحمد الصفدي، وافق مجلس النواب الأردني على مشروع قانون مُعدّل لقانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2024، والذي تضمن تعديل المادة 49 من قانون الانتخاب.

وقد أثار التعديل، قدرًا كبيرًا من التجاذبات السياسية، خاصة أن هذا التعديل يأتي قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات التشريعية، المُفترض أن تجري ما بين شهري يوليو ونوفمبر القادمين. وكما يبدو، فإن تلك التجاذبات هي تعبير عن عددٍ من الدلالات، وفي مقدمتها تزايد حالة الجدال السياسي جراء التعديل، وتنامي وضعية المنافسة الحزبية، استعدادًا للانتخابات القادمة.

هذا، بالإضافة إلى التداعيات الناتجة عن مثل هكذا تعديل، يتعلق بما يُسمى في الأردن بـ”نسبة الحسم”، أو “العتبة”، التي تخص نسبة الأصوات التي تحصل عليها “القائمات” الحزبية، في الدائرة الانتخابية الواحدة.

تتعدد دلالات التعديل في قانون الانتخاب الأردني، بخصوص الانتخابات البرلمانية لسنة 2024.. تلك التي يتمثل أهمها في ما يلي:

من جانب، ساهم التعديل في تزايد حالة الجدال السياسي؛ إذ رأى البعض أنه يدفع إلى التعددية السياسية والحزبية في الأردن، وهو ما عبر عنه رئيس مجلس النواب الأردني، أحمد الصفدي، أثناء جلسة المُصادقة على التعديل، في 10 فبراير الجاري، الذي أكد أن التعديل “جاء لتعزيز الحياة السياسية والإصلاح السياسي في البلاد”.

في حين اعتبر البعض الآخر، وعلى رأسهم حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة “الإخوان المسلمين”، المُنحلة بقرار قضائي في الأردن، أن التعديل له أبعاد سياسية، وأنه يستهدف الحزب للحيلولة دون نجاحه في “اكتساح” الانتخابات القادمة، بحسب تعبير رئيس كتلة الإصلاح، صالح العرموطي، خلال جلسة المُصادقة على التعديل، واصفا التعديل بأنه “تدخل مُباشر في نتيجة الانتخابات وهندسة مُسبقة لها”.

لكن، رغم ردود الأفعال هذه، فمن غير المتوقع أن يتخذ حزب جبهة العمل الإسلامي أي خطوات تصعيدية، كالذهاب إلى خيار مقاطعة الانتخابات؛ وذلك من حيث إن الحزب، والجماعة التي يُمثلها، في أمس الحاجة للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي المُقبل، حيث المُراهنة عليه في محاولة استعادة المكانة السياسية، التي تراجعت كثيرًا خلال السنوات الأخيرة، بعد القرار القضائي “غير المُفعَّل”، الذي يقضي بـ”حظر الجماعة واعتبارها مُنحلة”.

من جانب آخر، تتبدى المخاوف لدى التيار الإسلامي؛ حيث أثار التعديل على قانون الانتخابات، الذي أقرّ بالأغلبية داخل مجلس النواب، مخاوف المنتمين إلى التيار الإسلامي عمومًا، وحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن.

وقد تمحورت هذه المخاوف، حول إمكانية أن يكون التعديل مُقدمة لإقصائهم من الحياة السياسية على الساحة الأردنية.

ورغم محاولة هذا التيار إثارة الجدال السياسي، حول التعديل وأبعاده، ومحاولة إثارة أن هذا التعديل يستهدف التيار الإسلامي؛ إلا أن الواقع السياسي الفعلي، يُشير إلى أن الانتخابات البرلمانية المتوقعة في آواخر الصيف القادم، سوف تُشكل الاختبار الأهم بالنسبة إلى الجماعة وذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي.

والمُلاحظ، أن فرص الإسلاميين، في هذه الانتخابات، قد تكون ضئيلة؛ إذ يبدو أن الانتخابات هذه المرة ستُجْرَى في ظروف مختلفة، من حيث تغير موازين القوى الانتخابية والسياسية، بعد تعديل قانوني الانتخابات والأحزاب، بشكل يختلف عن الانتخابات السابقة.

من جانب أخير، يدفع التعديل إلى تنامي التنافس الحزبي حول الانتخابات؛ إذ من المتوقع أن يشهد الاستحقاق الانتخابي المُقبل، منافسة كبرى بين الأحزاب على الساحة السياسية الأردنية؛ خاصة أن التعديل الجديد، المتعلق بقانون الانتخابات والأحزاب السياسية، ساهم في إتاحة الفرصة للأحزاب للسيطرة على البرلمان القادم، بعد أن كانت “العشائر” هي من يتسيد المشهد الانتخابي طيلة السنوات الماضية.

وتتبدى ملامح هذه المنافسة، في تصاعد وتيرة التحضير الحزبي للانتخابات؛ وتحديدا بعد أن حسم رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، خلال جلسة مجلس الوزراء في 11 فبراير، الجدل المُثار حول ما برز في الأيام الماضية بشأن احتمال تأجيل الانتخابات لمدة عام، وذلك حين أكد على أن “أمامنا المحطة الأولى، المتعلقة بالاستحقاق الدستوري المتمثل في إجراء الانتخابات النيابية، ضمن المواقيت الدستورية، التي ينص عليها الدستور، وبناء على قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية الجديدين، خلال العام الحالي 2024”.

تتنوع التداعيات المحتملة، في المستقبل المنظور، بشأن تعديل قانون الانتخابات البرلمانية الأردنية، على أكثر من جانب.. وذلك كما يلي:

من جهة، تزايد الحراك الحزبي والتفاعل السياسي؛ إذ بدا واضحًا أن الأحزاب سوف تبدأ الحراك، لأجل الانتخابات مُبكرًا؛ وهو ما يُزيد من التفاعل السياسي بالشكل الذي يجعل من بوصلة المشهد العام في الأردن، تتوجه نحو الأحزاب للمشاركة في صناعة القرار، على الأقل بخصوص القرارات الحكومية، التي تمس بشكل مباشر حياة المواطن اليومية.

رغم ذلك، فما تزال بعض الأحزاب الأردنية تتردد بشأن المشاركة في الانتخابات القادمة، من حيث إن قوتها السياسية وقدرتها على حشد الأصوات، ليست بالقوة المرجوة لخوض الانتخابات، والنجاح فيها بالشكل اللائق لها؛ ويأتي في هذا الإطار الأحزاب التي تشكلت حديثًا، والتي لا تستند إلى قوة العشائر في المجتمع الأردني.

من جهة أخرى، ترسيخ التعددية السياسية والتنوع الحزبي؛ إذ، تطبيقًا للتعديل الذي جرى إقراره من مجلس النواب، يبدو أن المشهد السياسي والحزبي قد بدأ في التغير؛ وهو ما يبدو بوضوح من خلال عدد الأحزاب، الذي يصل إلى 31 حزبًا سياسيًا، بما يُشير إلى أن حالة الحراك الحزبي والتعددية السياسية، سوف تكون سمة المرحلة القادمة في الأردن.

أضف إلى ذلك، أن الاشتراك في الانتخابات القادمة، من جانب الأحزاب السياسية، وإن كان ليس إجباريًا أو شرطًا، كما بيَّن التعديل في القانون الانتخابي؛ إلا أن الأحزاب، أو بعضها، في الوقت نفسه، سوف تخسر وجودها السياسي، في حال اختارت عدم المُشاركة في الانتخابات. هذا، فضلًا عن خسارتها للتمويل المالي للأحزاب السياسية، خاصة أن نظام التمويل للأحزاب، قد وضع شروطًا محددة، وربطها بنتائج الانتخابات وعدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب في مجلس النواب.

وبالتالي، ففي الإطار التشريعي الجديد، سيكون الاستحقاق الانتخابي مختلفًا، عن مرات كثيرة سابقة؛ فالأحزاب سيكون حضورها فاعلًا في هذه الانتخابات، أو هكذا ستحاول، بما يأخذ الحياة السياسية نحو أفق أكثر رحابة، بعد أن تراجع دور العشائر لصالح الأحزاب السياسية، في التعديل الجديد.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن تغييرات جذرية وهامة سوف تشهدها الانتخابات القادمة، في الأردن، نتيجة للتعديل في قانوني الانتخابات والأحزاب السياسية، قد تأخذ الحياة السياسية الأردنية إلى حالة الإصلاح التي كان يتمناها الكثيرون.

بل، إن هذه الانتخابات ستكون بمثابة “مُفترق طريق”، من منظور أنها ستكون الأساس في فرز الأحزاب القوية من الضعيفة، أو غير القادرة على تشكيل قوائم انتخابية تستطيع الحصول على مكان في البرلمان الأردني المُقبل، الذي ستتقدم فيه الأحزاب على العشائر، قياسًا إلى الدور السياسي، والتشريعي، للبرلمان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock