رؤى

إشكاليات العمالة الأجنبية.. في منطقة الخليج العربية

إذا كان الإنسان هو محور عملية التنمية، سواء في شقها الاقتصادي أو الاجتماعي، من حيث إن السكان هم من يقومون بهذه العملية (عملية التنمية المجتمعية) وإذا كان تطوير الموارد البشرية، ورفع الكفاءات الإنسانية، تُعتبر من الأسس المهمة لاستمرار مسيرة التقدم؛ لذا تعتبر العمالة، وما تتمتع به من مهارات متعددة ومتنوعة، ضمن أهم الأسس المطلوبة لتحقيق التنمية والتقدم؛ سواء كانت هذه العمالة وطنية أو وافدة، تستقدم لتحقيق غايات تنموية محددة.

وكما يبدو، فقد اعتمدت الدول العربية الخليجية على العمالة الوافدة عمومًا، والعمالة الآسيوية بشكل خاص، في اتجاه دعم نموها الاقتصادي وتطويره. وقد شكَّلت العمالة الأجنبية الوافدة، بحسب أرقام عام (2020) حوالي (80%) من القوى العاملة في الدول الخليجية؛ وهي تُمثل أعلى نسبة على مستوى العالم.

وتختلف نسب العمالة الوافدة إلى الخليج العربي، في ما بين (76-78%) في المملكة العربية السعودية والبحرين وعمان، وما بين (85%) في الكويت، وأكثر من (90%) في قطر والإمارات العربية المتحدة. وضمن هذه العمالة، تأتي العمالة الهندية التي تُشكل أكثر من (30%) من العمال الوافدين إلى منطقة الخليج، البالغ عددهم حوالي (30) مليون شخص، بما يعني أن الجالية الهندية تُمثل أكبر جالية في دول الخليج العربية.

بحسب الإحصائيات، ورغم أن الهند تُعدُّ ثاني أكبر دولة في العالم، من حيث التعداد السكاني بعد الصين، حيث وصل عدد سكانها، بحسب أرقام عام (2020)، إلى حوالي (1.4) مليار نسمة؛ إلا أنها تأتي في المركز الأول، على مستوى العالم، في أعداد جالياتها في خارج الدولة. فقد بلغ عدد الهنود، المغتربين خارج البلاد، نحو (17.5) مليون شخص، وذلك بحسب تقرير الأمم المتحدة للمهاجرين الدوليين، الصادر في عام (2019).

وفي حال اعتمدنا أرقام هذا التقرير، نجد أن نصف هؤلاء الهنود -تقريبًا- يُقيمون في دول الخليج العربية؛ إذ تُقدر أعدادهم بحوالي (9-10) ملايين شخص، من ما يُطلق عليهم “المقيمين”، وهو ما يُمثل أكبر وأضخم تجمع للهنود خارج بلادهم حول العالم.

أما في حال الاعتماد على أرقام وزارة الخارجية الهندية، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنفرد وحدها بحوالي (3.4) ملايين هندي، من المقيمين داخلها، بحسب أرقام عام (2020)، بينما يوجد نحو (2.5) مليون هندي في المملكة العربية السعودية، ونحو (780) ألف في سلطنة عُمان، و(760) ألف في قطر، و(332) ألف في البحرين؛ في حين يوجد أكثر من مليون هندي في الكويت. بما يعني أن الجالية الهندية تُمثل حوالي “ثُلث” (1/3) العمالة الأجنبية في الدول الخليجية.

الأهم من الأرقام، سواء تلك التي جاءت في تقرير الأمم المتحدة، أو تلك التي ذكرتها وزارة الخارجية الهندية، هي دلالات هذه الأرقام، والمؤشرات التي تُقدمها؛ إذ من المُلاحظ أن إجمالي أعداد الجالية الهندية في دول الخليج العربية، يُعادل تقريبًا، نحو أعداد مواطني خمس دول خليجية مجتمعة، من السكان الأصليين، وليس المقيمين فيها؛ أي: ما يُعادل تقريبًا تعداد مواطني كل من الإمارات وقطر والبحرين والكويت وعُمان، مجتمعة؛ الذين يتجاوز مجموع سكانها تسعة ملايين نسمة بقليل.

وبشكل عام، وبينما تختلف الدول الخليجية قليلًا من حيث خليط العمالة الوافدة إليها، فقد مثَّلت الهند أكبر بلد “منشأ” للمهاجرين من العمالة إلى منطقة الخليج، يليهم الوافدون من بنغلاديش وباكستان؛ بل ويُعتبر خط المرور بين الهند وهذه المنطقة ثاني أكبر ممر ازدحامًا في العالم، بعد الممر الواصل بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية.

وبذلك، عبر هذه النسبة المرتفعة من الجالية الهندية، قياسًا إلى العمالة الأجنبية في دول الخيلج، يتمتع العمال الوافدون من الهند بموقع متميز، يُمكنهم من الحفاظ على وجودهم في هذه المنطقة من العالم؛ لا بل زيادة هذا الوجود، نتيجة مجموعة من العوامل، من أهمها مهاراتهم المتنوعة وشبكاتهم الاجتماعية القوية، فضلا عن أجورهم التنافسية، وإجادتهم للغة الإنجليزية، وغيرها من المهارات الأساسية؛ إضافة إلى قرب الهند الجغرافي من منطقة الخليج.

لا تزال منطقة الخليج تواصل دورها كـ”وجهة عالمية” رئيسة للعمال الباحثين عن أجور أعلى وحياة أفضل، وحتى مع الاختلافات في الأسعار والظروف المعيشية، لكن يُمكن للكثير من العمال الوافدين تحقيق مستوى معيشي أعلى، وادخار جزء من الدخل لإرساله إلى عائلاتهم. لكن، رغم الآثار السلبية التي تسببت بها هذه العمالة؛ فقد كانت الاستعانة بها ضرورة فرضتها “قلة” أعداد الخليجيين المؤهلين والمتدربين، بل والقادرين على العمل في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

ومع ذلك، فإن واقع منطقة الخليج العربية، يؤشر إلى أن تدفق العمالة الوافدة إلى دول المنطقة، كان، ومايزال، يجري بصورة أقرب إلى العشوائية، في ظل غياب سياسات واضحة، سواء كانت سياسات سكانية أو سياسات تتعلق بالعمالة الوافدة ذاتها. وقد أفسح هذا الأسلوب العشوائي، المجال لاختراقات كبيرة ومؤثرة في سوق العمل، بل والمجتمع بأكمله، من قبيل أعداد العمالة الأجنبية الوافدة ونوعيتها وسلوكياتها الاجتماعية والأخلاقية.

والأهم، في هذا المجال، أن العمالة الآسيوية تُعبر عما يُمكن أن نُطلق عليه “القنبلة الموقوتة” في المجتمعات الخليجية. والمثال الأكثر وضوحًا، هو العمالة الهندية، خاصة في دولة الإمارات؛ إذ، يمسك العمال الهنود في الإمارات بمفاصل خدمية واقتصادية، وحتى أمنية، بما يجعل من الوجود الهندي في الدولة “خطرًا وجوديًا” حقيقيًا، للأسف يجري التغاضي عنه.

هذه القنبلة الموقوتة، لا تُهدد الإمارات فقط، لكنها تُهدد الأمن القومي الخليجي بأكمله؛ من حيث إن خطرها يتعدى مجرد العمل إلى تهديد الدولة واقتصادها ولغتها وثقافتها في آن؛ بل وتُمثل خطرًا يُنذر بالخطر على تماسك الدولة والمجتمع من الداخل.

ولعل ذلك ما يتطلب الاهتمام بتوافر دراسات متعمقة حول العمالة الآسيوية الوافدة إلى دول الخليج، وخاصة العمالة الهندية التي تضخمت أعداد أفراد جاليتها إلى الحد الذي أصبح خطرًا، لابد من التعامل معه عبر رؤية استراتيجية، تستند إلى عوامل الانسجام المجتمعي المستقبلي، والحفاظ على هوية الأجيال القادمة من الخليجيين.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock