رؤى

الاحتجاجات الشعبية في أفريقيا.. دماء جديدة تتصدر المشهد!

على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية، وتراجع مستويات المعيشة لدى فئات متعددة من شعوب عدة دول أفريقية.. شهد عدد من بلدان القارة السمراء احتجاجات شعبية واسعة، من بينها كينيا وأوغندا ونيجيريا.. منذ مطلع العام الجاري، بما يُزيد من حدة الضغوط السياسية التي تُعاني منها دول القارة.

والملاحظ، أن كافة هذه الاحتجاجات والتظاهرات التي شهدتها الدول الأفريقية، تصدى لقيادتها جيل الشباب في هذه الدول، أو ما يُطلق عليه جيل ما بعد الألفية؛ بما يعنيه ذلك من دلالات كاشفة على الحيوية التي تتمتع بها المجتمعات الأفريقية، من حيث إن هذا الجيل غير مؤدلج، وأكثر انفتاحا على التغيرات العالمية.

ثمة جملة من الملامح والمؤشرات الرئيسية التي ترتبط بموجة الاحتجاجات الشعبية، التي شهدها عدد من الدول الأفريقية، خلال الآونة الأخيرة.

من جانب، كان انطلاق شرارة الاحتجاجات من كينيا؛ حيث يُشكل بدء التظاهرات الاحتجاجية في كينيا، منذ 18 يونيو الماضي، 2024، ما يُشبه عاملا مُحفزا لحدوث احتجاجات شعبية، سواء في أوغندا المجاورة، أو في نيجيريا التي تقع في غرب القارة الأفريقية. وكما يبدو، فإن تظاهرات واحتجاجات كينيا، تُعد هي الأكبر في هذا البلد منذ تولي الرئيس الحالي، ويليام روتو، منصبه بعد فوزه بانتخابات 2022.

وكانت احتجاجات كينيا قد انطلقت على خلفية مشروع قانون المالية للعام الجاري الذي كان يستهدف جمع ضرائب إضافية بقيمة 2.7 مليار دولار، لخفض عبء عجز الموازنة. ورغم أن الرئيس روتو قد استجاب نسبيا لمطالب المحتجين والمتظاهرين، بإلغاء بعض الرسوم المقترحة في مشروع القانون؛ إلا أن الاحتجاجات ظلت قائمة، وارتفع من خلالها سقف المطالب بإسقاط النظام، جراء قتل 23 متظاهرا بأعيرة نارية أثناء الاحتجاجات في ذلك الوقت.

من جانب آخر، تمدد دعاوى الاحتجاجات الشعبية؛ إذ، كان استمرار الاحتجاجات الشعبية في كينيا، له الأثر المباشر على الجوار الأوغندي؛ حيث دعت مجموعة من الشباب هناك إلى احتجاجات شعبية مماثلة، وذلك بهدف التنديد بالفساد القائم في النظام الحكومي، وعدم قدرة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، على محاكمة كبار المسئولين؛ خاصة أن نسبة من هؤلاء المسئولين، كما يرى الشباب الأوغندي، موالين سياسيا للرئيس موسيفيني، أو مرتبطين به بدرجة أو بأخرى.

ورغم أن قوات الأمن الأوغندية قد حظرت التظاهرات، وأغلقت مقر حزب “منصة الوحدة الوطنية”، أكبر حزب مُعارض في أوغندا، تحت دواعي التخفيف من حدة الاحتجاجات؛ إلا أن الاحتجاجات استمرت تحت شعار “مكافحة الفساد الحكومي”، ورفض استمرار سيطرة حزب سياسي واحد، هو حزب “حركة المقاومة الوطنية” على مقاليد الحياة السياسية.

من جانب أخير، من شرق القارة وصولا إلى نيجيريا؛ فمع بداية أغسطس الجاري، ومع انتشار الدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي بالاحتجاج على سوء الأحوال المعيشية، امتدت دعاوي الاحتجاجات الشعبية من كينيا وأوغندا في شرق القارة، حتى وصلت إلى غرب القارة في نيجيريا.

وتحت شعار “ضعوا حدًا للحكم السيِّئ في نيجيريا”، أعلنت مجموعة من الشباب النيجيري، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عن القيام باحتجاجات لمدة “عشرة” أيام في كافة أنحاء البلاد، للتعبير عن الاستياء من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وسوء الحكم واستشراء الفساد.

ويبدو التدهور في الأوضاع الاقتصادية، في أن نحو 40 % من سكان نيجيريا، البالغ نحو 223 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر؛ هذا إضافة إلى أن معدل التضخم، تبعا لبيانات البنك الدولي في بدايات العام الجاري، شهد ارتفاعا كبيرا، وصل إلى نحو 34%.

وقد أدت الاحتجاجات إلى فرض حظر التجوال في “خمس” من الولايات الشمالية، ومقتل نحو 13 شخصا على الأقل، وفقا لما أعلنته منظمة العفو الدولية.

يمكن الإشارة إلى أهم العوامل الدافعة إلى انطلاق هذه الاحتجاجات الشعبية، في عاملين:

من جهة، الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار؛ بل يمكن القول إن الأزمات المعيشية في كثير من دول القارة “مُرشحة للتفاقم”، كما يبدو، وخاصة في ظل استمرار أزمة الغذاء العالمية، وعدم وجود حلول ناجعة للحرب الروسية الأوكرانية، التي فاقمت من أعباء دول القارة.

وتتزايد هذه الأعباء جراء هشاشة البني الاقتصادية في كثير من دول القارة؛ فضلا عن التأثير المتبادل بين الأزمات الاقتصادية والسياسية، من منظور أن كل منهما يؤدي إلى الآخر. وكان تقرير “نبض أفريقيا” للبنك الدولي، قد توقّع أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، من 3.6 % إلى 3.1 %، خلال العام الحالي؛ بما يوضح كيف أن الاحتجاجات جاءت تعبيرا عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها العديد من دول القارة الأفريقية.

من جهة أخرى، فشل المواجهة الأمنية للتظاهرات؛ فعلى الرغم من وضوح مطالب المحتجين الشباب، في الدول الثلاث، كينيا وأوغندا ونيجيريا، إلا أن استجابة الأنظمة الحاكمة لهذه المطالب لم تكن عند المستوى الطبيعي والمأمول؛ حيث تغلبت الحلول الأمنية، تبعا لرؤية الأنظمة الحاكمة في هذه الدول، على حساب الحلول السياسية والاقتصادية.

في هذا السياق، يمكن القول بأن تنامي الفجوة القائمة بين النظم الحاكمة في بعض الدول الأفريقية، والقطاعات الشعبية في هذه الدول، وخاصة جيل الشباب، إنما ترتبط بوجود إشكاليات هيكلية خلال السنوات الأخيرة، تتعلق بالتردي الحاصل في الأوضاع الاقتصادية، والتراجع في مستوى المعيشة لدى عدد من شعوب القارة الأفريقية.

ومن ثم، يبدو أن الاحتجاجات الشعبية لها ما يُبررها، خاصة أن جيل الشباب الأفريقي هو من يقود هذه الاحتجاجات، الذي يتطلع إلى حياة أفضل تقترب مما يشاهده في نمط معيشة الشباب الغربي عامة، والأوروبي بوجه خاص. وكما يبدو، فإن هذا الجيل، غير المؤدلج بالأساس، سوف يساهم في مجموعة من “المؤثرات المتوقعة”، في مقدمتها يأتي انخفاض شعبية النظم الحاكمة، وتراجع الشرعية السياسية لها.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock