رؤى

دوافع الصومال.. في إبطاء انسحاب قوات “أتميس”

وسط تحذيرات من فراغ أمني محتمل، وتنامي القلق لدى دول الجوار الجغرافي للصومال، من احتمال استيلاء “حركة الشباب” على السلطة؛ تسعى الحكومة الصومالية إلى إبطاء انسحاب قوات حفظ السلام الأفريقية، التي تُعرف اختصارا باسم “أتميس”. وبحسب وكالة رويترز، فقد طلبت الحكومة الصومالية في 20 يونيو الجاري، عبر رسالة إلى القائم بأعمال رئيس مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، تأجيل سحب نصف القوات.

وكان من المُقرر إكمال انسحاب “أتميس” بحلول نهاية ديسمبر المُقبل، في حين سحبت نصف القوات مع نهاية يونيو الجاري؛ إلا أن طلب الحكومة الصومالية يتعلق بتأجيل سحب نصف القوات، من يونيو الجاري إلى سبتمبر المُقبل.

ومع النشاط غير الطبيعي لحركة الشباب في الصومال، والذي يصل إلى كينيا؛ يثور التساؤل حول إمكانية الصومال في دحر هذه الحركة، من منظور العوامل الدافعة إلى ذلك؛ وفي الوقت نفسه، من حيث المعوقات التي تواجهه في مسعاه للتخلص منها.

في 19 مايو 2023، وفي كلمته أمام القمة العربية رقم 32، التي استضافتها مدينة جدة السعودية، أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، على أن الجيش الصومالي استطاع تحرير 80 مدينة صومالية من سيطرة الحركة الإرهابية.

واللافت.. أن شيخ محمود كان قد وضع إطارا زمنيا، في آواخر أغسطس الماضي، للقضاء على الحركة داخل الصومال، حدده بفترة خمسة أشهر؛ استنادا إلى العديد من العوامل الدافعة إلى ذلك، من أهمها: تجفيف مصادر الإرهاب وتمويله، في إطار من الدعم الدولي. لكن رغم ذلك، تظل بعض المعوقات، التي يُمكن أن تحد من المسيرة الصومالية، أو في الحد الأدنى تُعطل من تناميها من بينها: تداعيات انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس” والخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي لدى أفراد الأجهزة الأمنية الصومالية والجيش؛ هذا إضافة إلى التباين في “عقائد” الوحدات العسكرية، تبعا لمصادر التمويل الخارجي لها.

تتعدد العوامل الدافعة للصومال للمُضي قدما في الحرب على الإرهاب، وإمكانية القضاء عليه.. تلك التي تبدو أهمها في جانبين: الأول رفع حظر السلاح وتحرير عدد من المدن؛ حيث أصدر مجلس الأمن الدولي، في الثاني من أغسطس الماضي، القرار رقم 2714 بشأن رفع حظر الأسلحة المفروض على الصومال منذ عام 1992، بما مهّد للحكومة الصومالية الحصول على كافة أنواع الأسلحة دون قيود قانونية، وبما يُعزز من إمكانات الحكومة والجيش؛ لتحقيق تقدم إضافي في مجال مكافحة الإرهاب.

أيضا، تأتي الضربات المتلاحقة التي نفّذها الجيش الصومالي ضد حركة “الشباب”، بما ساهم في خسارة الحركة المئات من مقاتليها؛ وهو ما ساعد على تحرير 80 مدينة صومالية، من سيطرة الحركة الإرهابية، بحسب تصريح الرئيس الصومالي، أمام القمة العربية.

من جانب آخر، تحقيق انتصارات كبيرة في حرب الإرهاب؛ فقد شهدت المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب، التي أطلقها الرئيس الصومالي، في أغسطس 2022، تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد طرد عناصر الحركة الإرهابية من عدة مدن، في وسط وشمال البلاد، بما أدى إلى انحسار كبير في نطاق سيطرة الحركة؛ بل وفقدان الحركة لأكثر من “ثُلث” مقاتليها تبعا لبعض التقديرات.

لكن، رغم المكاسب الميدانية والانتصارات التي حققها الجيش الصومالي، والأجهزة الأمنية، على الحركة، خلال المرحلة الأولى من الحرب عليها وعلى الإرهاب الذي تُمارسه؛ فإن المرحلة الثانية قد واجهت العديد من التحديات، خاصة في ظل قصر الفترة الزمنية التي حددها شيخ محمود في خمسة أشهر فقط مضت كلها، ولم يعلن عن القضاء على الحركة.

رغم الإنجازات التي حققها، تتبدى أهم المعوقات والتحديات، التي تواجه الصومال في حربه على الإرهاب.. كما يلي:

من جهة، يبدو التباين في “عقائد” تشكيل الوحدات العسكرية؛ إذ فضلا عن تعدد جهات دفع رواتب الوحدات العسكرية والأمنية في الصومال، وما يستتبعه ذلك من تباين بين الوحدات، وتهميش بعضها لحساب وحدات أخرى؛ فإن ثمة تباين آخر بين كافة الوحدات العسكرية والأمنية، يتعلق باختلاف الجهات المسئولة عن التدريب والتأهيل، حيث تتلقى الوحدات تدريبات من جهات عدة وفي دول متعددة.

فإضافة إلى قوات “دنب” التي تدربها الولايات المتحدة وتؤهلها وتدفع رواتبها، هناك تركيا التي تفعل الأمر ذاته مع قوات “هرمعد” وقوات “غور غور”؛ فضلا عن البعثة الأوروبية التي تقدم تدريبات متخصصة لقوات الشرطة والأمن. ثم هناك أوغندا وإثيوبيا ومصر، التي تدرب كل منها ثلاثة آلاف جندي على أراضيها.

وبالتالي، يُثير تعدد الجهات والدول التي تقدم التدريب للقوات الصومالية، تساؤلات حول اختلاف الأسلوب الذي يتعامل به جنود وضباط الوحدات العسكرية والأمنية، المختلفة، في الميدان وفي المهمات العسكرية التي تتطلب تنسيقا عاليا؛ إذ تختلف العقائد العسكرية التي يتلقاها هؤلاء الجنود والضباط تبعا لاختلاف جهات التدريب والتأهيل.

من جهة أخرى، هناك الخلافات السياسية وأولوية الانتماء القبلي؛ إذ رغم النهج الإصلاحي والتصالحي للرئيس الصومالي؛ فإن البعض من سياساته لا تحظى بالقبول والإجماع الداخلي، من النخب والمكونات السياسية والعشائرية الصومالية، بما يجعل الخلافات السياسية أحد معوقات نجاح الحملة التي أطلقها شيخ محمود للحرب على الإرهاب.

كذلك يأتي التنافس بين المكونات القبلية والعشائرية في الصومال، على الأدوارالقيادية والتسليح، ومغانم الحرب، لتُمثل أبرز المعوقات في جهود الصومال للنجاح في دحر الإرهاب. ويأتي هذا التنافس، تعبيرا واضحا عما يُعاني منه الصومال، من انعكاس عامل الانتماء القبلي في الخلافات الشخصية المتعددة بين أفراد الجيش، تبعا لاختلاف القبائل، والتي سرعان ما تتحول إلى اشتباكات واقتتال بين الوحدات العسكرية.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن الاحتمالات المستقبلية في الحرب الصومالية على الإرهاب، تعتمد على مدى قدرة الحكومة الصومالية على تحقيق السيطرة الأمنية، في ظل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أتميس” من البلاد، بكافة ما يُمثله هذا الانسحاب من تداعيات وإشكالية، من المنظور الأمني؛ فضلا عن معوقات أُخرى، منها ضعف قدرات الصومال المالية، في استيراد المزيد من الأسلحة، بعد رفع الحظر الأممي عنها؛ وهي القدرات المعروف عنها أنها “شحيحة”.

ومن ثم يبدو التخوف من عدم قدرة الحكومة الصومالية، بكامل أجهزتها العسكرية والأمنية، في المحافظة على النجاحات التي  تحققت؛ خاصة أن انسحاب “أتميس” يأتي تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2710، بما يعني أنه مع نهاية ديسمبر القادم سيكون آخر جندي من “أتميس” قد غادر الصومال. هذا فضلا عن أن الإعلان عن انسحاب “أتميس”، قد تواكب معه نشاط مكثف للحركة الإرهابية، من خلال الهجوم على بعض قواعد ارتكاز بعثة الاتحاد الأفريقي.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock