حين سئلت هند رستم عن لقب ملكة الإغراء الذي أطلقه عليها مفيد فوزي قالت بالحرف الواحد “لا احب هذا اللقب على الإطلاق .. الله يسامحه مفيد فوزي الذي أطلقه علي ” وأضافت :لقد مثلت ادوارا عظيمة مهمة كثيرة غير أدوار الإغراء ..قد نندهش من هذه الإجابة ..ولكنها كانت اجابة صادقة تماما من فنانة اعتزلت الفن في الثامنة والأربعين من عمرها مفضلة عليه حياة زوجية مستقرة مع زوجها الدكتور محمد فياض جراح النساء والتوليد الشهير الذي سبقها الى العالم الآخر بعامين ونصف العام فقط بعد قصة حب وزواج هادئ هانئ مستقر استمر حوالي خمسين عاما .. وهي إجابة ربما يستغربها الكثيرون الذين شاهدوا هند رستم تتألق بالابتسامة الماكرة والنظرة الجذابة وحركات الجسد المعبرة وهي تؤدي أدوار الإغراء ، لكن من يعرفون هند على المستوى الإنساني لا يمكن أن يستغربوا إجابتها فهي كما قالت ابنتها الوحيدة بسنت حسن رضا : بيتوتية لا تحب الخروج من المنزل وقد تمكث في بيتها ثلاثة اشهر كاملة دون أن تخرج مرة واحدة ، وهي كانت تتعامل مع زوجها وحبيبها محمد فياض بمنطق الست أمينة ، تعد له الطعام وتهيئ له الأجواء للنوم وللراحة وتودعه حين يذهب إلى عمله وعيادته وتقف له على باب الشقة حتى يغادر.. ولم تكن هند رستم تحب المال أو تعشق الفلوس والأملاك .. ويكفي على سبيل المثال أنها رفضت أن تظهر مع صفاء أبو السعود في برنامج ساعة صفا مقابل مبلغ مادي كبير ، كما رفضت أيضا أن تظهر مع هالة سرحان التي قدمت لها شيكا على بياض في مقابل أن تحكي سيرتها الذاتية والفنية في أربع حلقات فقط ..ابنتها بسنت قالت أيضا إن هند رستم كانت محتشمة تماما في ملابسها في منزلها أو عند خروجها النادر ..إن حياتها الخاصة كانت تختلف تماما عن بعض أدوارها على الشاشة
هنومة
ربما كانت مسيرة ناريمان حسين مراد التي ولدت في حي محرم بك بالاسكندرية في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 1931 على مستوى حياتها الخاصة تقود تماما إلى تلك الشخصية التي تنزع إلى الهدوء وإلى البيتوتية وبعيدا عن الضجيج على رغم شهرتها وأدوار الإغراء التي ارتبطت بها حتى أطلق عليها أيضا لقب مارلين مونرو الشرق ، فقد عارض والدها ضابط الشرطة الذي ينتمي لأصول تركية دخولها الفن ، وقاطعها وهي في سن مبكرة جدا من حياتها، وقد كانت ناريمان أو هند ابنته من زوجته الثانية وكان لها أخوَان و أخت من أبيها أكبر منها سنا وكانوا يقفون في صف والدهم ضد رغبة أختهم الصغرى ، ووجدت هند نفسها تعيش في قطيعة مع والدها وإخوتها وهي في السادسة عشرة من عمرها
كانت بداية هند رستم متواضعة في أدوار صغيرة في أفلام مثل أزهار وأشواك والأب عام 47 وحب وجنون عام 48 ولكن المخرجين بدأوا يلتفتون إليها جيدا عندما ظهرت ككومبارس تركب الخيل خلف ليلى مراد لمدة دقيقتين فقط في فيلم غزل البنات عام 1949 الذي كان محطة مهمة ونقطة تحول في حياة هند رستم.
بعدها انطلقت هند لتواصل مشوارها وتصل الى قمة تالقها في عقدي الخمسينات والستينات لتشارك في اعمال هي من كلاسيكيات السينما المصرية مثل رد قلبي الذي قامت فيه بدور الراقصة التي تحب الضابط علي وتموت في حريق القاهرة ومثل فيلم باب الحديد الذي قامت فيه بدور الفتاة الشعبية فائقة الجمال هنومة وقدمت فيه واحدا من اهم أدوارها لدرجة أن عددا من المهتمين بصناعة السينما في أمريكا وألمانيا وفرنسا كتبوا مقالات وإشادات في دوريات سينمائية عن الفيلم وبطلته هنومة التي تبيع الكازوزة في محطة باب الحديد وفي القطارات والتي كانت ترتدي في الفيلم ملابس بسيطة ومهلهلة لكنها قدمت ذلك الإغراء المحبب بوصفها فتاة فقيرة فأدت دورها بشكل استثنائي عظيم .. وقد كان يوسف شاهين مخرج باب الحديد يثق في موهبة هند رستم ويؤكد دوما أنها نسخة أصلية من الصعب ان تتكرر ، و قد عملت هند مع شاهين في أول أفلامه “بابا أمين عام 1950، وهو فيلم من نوعية سينما الفانتازيا حيث يتخيل اب ورب اسرة أنه مات بعد شراكته في تجارة مع شريك له ماذا يحدث لاسرته بعد موته ،
وفي عام 1959 شاركت هند في بطولة فيلم صراع في النيل مع رشدي اباظة وعمر الشريف من إخراج عاطف سالم ،وقامت فيه بدور الراقصة نرجس التي تقابل محسب “عمر الشريف ” ومجاهد ” رشدي أباظة والتي تدفعها عصابة لصوص لنسج شباكها على محسب لسرقته أثناء رحلته ومجاهد لشراء صندل جديد للنقل النهري وتنجح في إغراء محسب وتتزوجه لكنها والعصابة لا يفلحون في السرقة بسبب يقظة الريس مجاهد وتموت نرجس بعد ان تلقت ضربة بالخطأ بعد ان اعترفت لمجاهد بحبها له.
https://www.youtube.com/watch?v=gkJKazx1bG4
بعيدا عن الإغراء
وقد شكلت هند رستم ثنائيا فنيا ناجحا مع فريد شوقي ومثلت معه عددا من الافلام مثل الزوج العازب والعريس الثاني وشياطين الليل ودماء على النيل وكلمة شرف وكان دورها في كلمة شرف عام 1973 واحدا من أهم أدوارها على الإطلاق، وفيه تخلت تماما عن الإغراء من خلال شخصية ناهد الزوجة المريضة الضعيفة صحيا المحبة المخلصة لزوجها سالم أبو النجا المحامي ” فريد شوقي” الذي يتورط في قضية لا علاقة له بها بسبب شقيق زوجته كامل “نور الشريف” ويحبس ثلاث سنوات فيحاول الهرب أكثر من مرة ليحكي الحقيقة لزوجته التي يعشقها ، وتزيد عقوبته بسبب تكرر محاولات هروبه ويمنحه مامور السجن أحمد مظهر 12 ساعة لزيارة زوجته و قول الحقيقة لها فيفاجأ بمعرفتها أن شقيقها هو سبب سجنه وبموت صهره كامل في حادث سيارة ويوفي سالم بكلمته ووعده ويعود للسجن ويفاجأ به المأمور موجودا في زنزانته بعد أن داهمه تفتيش مفاجئ على السجن ، وقد كان هذا الفيلم سببا في تغيير قانون السجون وذلك بالسماح للمسجون صاحب الظروف الاستثنائية بالخروج من سجنه بضوابط معينة لزيارة أهله أو حضور مناسبة معينة ثم العودة مرة أخرى
اما في فيلم شفيقة القبطية فقد ادت هند واحدا من أبدع أدوارها حيث جسدت شخصية الراقصة شفيقة القبطية أشهر راقصات مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وابدعت فيه هند في دور شفيقة التي تتبرأمنها عائلتها بسبب احترافها الرقص وينتهي بها المقام فقيرة ومريضة إلى أن تموت وحيدة معذبة.
تزوجت هند رستم المخرج حسن رضا في شبابها المبكر وأنجبت منه ابنتها الوحيدة بسنت وهي في سن العشرين وطلقت منه بعد أربع سنوات فقط من الزواج ثم تزوجت من طبيب النساء والولادة الدكتور محمد فياض في عام 1960 واستمرت علاقتهما الزوجية جميلة وهادئة ومستقرة حتى رحيله في 2009 ، وربما كانت الحياة الزوجية والأسرية الوديعة مع الدكتور فياض هي ما حلمت به هند دائما ، وهي التي تركت أسرتها وبدات معركتها مع الحياة في سن المراهقة الأولى، ولأجل الدكتور فياض وحياتها معه اعتزلت هند رستم الفن تماما في عام 1979 بعد أن شاركت في بطولة آخر أفلامها ” حياتي عذاب ” مع عادل أدهم وعمر الحريري .. وفي السادس من أغسطس عام 2011 اصيبت هند رستم بأزمة قلبية نقلت على أثرها إلى أحد المستشفيات بالمهندسين لتفارق الحياة بعدها بيومين فقط في 8 أغسطس عام 2011 … رحمها الله