دوير: الغناء المختلف هو صانع التميز في تاريخنا الفني
سيد درويش هو “سيد ” المتمردين على السائد والمستقر
” إمام عيسى وعدلي فخرى وحمام “جعلوا الأغنية وسيلة للنضال ضد الظلم والعدوان.
“أولاد الأرض” حالة فنية نضالية و”النهار” أول الفرق الموسيقية و”شنودة “وتر مغاير في موسيقانا الحديثة.
ضمن فعاليات الدورة رقم 53 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب استضافت قاعة “كاتب وكاتب” ندوة حول كتاب “أغنيات خارج السرب” للكاتب محمود دوير الصحفي والباحث في الشأن الثقافي والفني.
وناقش الكتاب الصادر عن الهيئة العامة للكتاب كل من الفنان “هاني شنودة” والسياسي “أحمد بهاء الدين شعبان” والفنان التشكيلي والروائي “حسين نوح” وأدار الندوة الكاتب الصحفي “محمد رفعت” مدير تحرير مجلة أكتوبر.
ويتناول الكتاب مسيرة الغناء المختلف أو غير التقليدي في مصر؛ منذ خالد الذكر “سيد درويش” حتى الآن، حيث يتناول تجربة موسيقى المهرجانات.
وفى البداية قال “دوير”: “أنَّ الكتاب الذى يتناول تجارب غنائية عديدة مثل “الشيخ إمام عيسى” و”محمد حمام” و”عدلي فخرى” و”أحمد منيب” كذلك يتناول تجارب الفرق الموسيقية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين، ومراحل تطورها وأبرز تجاربها مثل “أولاد الأرض” و”النهار” و”المصريين” و”الفور إم” وكذلك تجارب معاصرة.. كما تناول المؤلف بعض جوانب تجربتي على الحجار ومحمد منير.
وأشار “دوير” إلى أن الكتاب لا يغوص في التفاصيل الدقيقة لصناعة الموسيقى والغناء بقدر ما يتناول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مهدت لظهور التجربة محل الدراسة، خاصة تلك النماذج التي تحدت الواقع السياسي وشكلت نسقا فنيا وسياسيا يقترب من التحريض مثل تجربة “إمام – نجم”.
كما يلقى الكاتب الضوء على التجارب الفنية التي شكلت تمردا على السياق الفني في حينها وتحمَّلت بصبر وإرادة كل أشكال النقد والتهميش حتى حفرت لفنها مجرى في أرض الفن المصري وتحولت من الهامش إلى المتن.
وأكد المؤلف في مقدمة الكتاب “ظلت الأغنية أحد الأشكال الفنية التي تمنحنا القدرة على رصد تطور المجتمع وعلاقة أطرافه المتنوعة وذائقته وحالته الاقتصادية وأوضاعه الاجتماعية؛ ولعل الاستعانة بهذا الفن في أشكاله الرسمية أو تلك التجارب غير الرسمية والتي يطلق عليها “المستقلة أو البديلة”، والتي ولدت وتطورت خارج سياق المؤسسة الرسمية، سواء كانت تلك المؤسسة هي الدولة وأجهزتها الفنية ووسائل إعلامها ومنصاتها المتنوعة أو التي تنمو خارج الإطار العام الحاكم للمجتمع وما يصنعه من قيود ومُحددات لمحتوى الغناء وطرق التعبير عنه، وحتى مضمونه الموسيقى ومفردات كلمات تلك الأغنية.
ويضيف “ونحاول الاقتراب أكثر من تجارب غنائية نمت وصنعت وجودها “خارج السرب” هذه التسمية التي نرى أنها وصف يناسب هؤلاء الذين امتلكوا شجاعة الغناء خارج السياق العام للمؤسسة في مراحل مختلفة من تاريخنا المعاصر ونحتوا في صخور التعتيم الإعلامي والتقييد الفني لكي يقدموا أغنيه مختلفة عن السائد؛ هذا السائد الذي يمثل الخروج عليه في معظم الأحيان نوعا من المغامرة غير معلومة العواقب، ربما هذا الاختلاف في نوعية المفردات التي استخدموها والكلمات غير التقليدية وغير المتداولة في الغناء السائد في نفس المرحلة، رغم أن بعض من تلك الكلمات كانت راسخة بشكل كبير في الوجدان الشعبي المصري لكنها مُهملة وبعيدة عن الضوء فقام صناع الأغنية بتقديمها كما هي أو بمعالجة مغايرة وجديدة وتصرف في بعض منها وتناول جديد”.
ويكمل “دوير”: “…كما كان الاختلاف في موسيقاهم التي قدموها ومثلت ثورة موسيقية تصل في بعض الأحيان إلى حد التجريب خاصه حينما صنعوا ترابطا ومزجاً بين موسيقانا الشرقية والموسيقى الغربية والاستعانة بآلات حديثة لم تكن متعارف عليها في الشرق، ولم يكن التحليق خارج السرب فقط في تلك الجوانب الفنية؛ لكن المغامرة الحقيقة كانت لدى البعض في مضمون أغنياتهم وخطابهم الذي عبروا عنه بجرأة واضحة، ليتحول الفن معهم إلى صرخات احتجاج وغضب ضد أوضاع أعلنوا رفضهم لها عبر الأغنية كوسيلة تعبير شديدة التأثير وواصلوا مسيرتهم متمسكين بما يعتقدون أنه صحيح؛ ليصبح الفن هنا وسيلة نضالية وتعبيرا عن اختيار إنساني وليس فقط وسيلة ترفيه وتسلية ومتعة ودفعوا ثمناً قاسياً لتلك الصرخات وهذا التمرد بالحصار الإعلامي الذي فرض عليهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بل بلغ في بعض الأحيان حد التغييب خلف أسوار السجون وغياهب المعتقلات إلا أنهم واصلوا المسيرة ولم تتوقف آلاتهم عن العزف وحناجرهم عن الغناء وعقولهم عن التمرد”.
ظهرت نتيجة لذلك “مجموعة متوافقة في الرؤى والانحياز الفني لتقدم نوعية مختلفة من الأغنيات؛ مختلفة غالبا في كل شيء، وعن كل ما هو قائم ومطروح على الساحة الفنية، هؤلاء فقط هم من نذكرهم بينما الذين جاءوا لتكرار ما قبلهم، أو لإعادة إنتاج ذات الروح الفنية السائدة؛ فلم ولن يتذكرهم أحد بتقدير كبير، وبنفس الأدوات والمعايير التي تناولنا بها الأغنية البديلة أو المغايرة في الغناء الفردي؛ فإن نفس المعايير صالحة للتناول في حال الفرق الموسيقية؛ حيث يمكن اعتبار الغناء خارج السرب بجناحين: الأول هو التجديد والتجريب على مستوى اللحن والكلمة، والثاني هو تعاطى الأغنية وتفاعلها مع قضايا سياسية أو وطنية أو إنسانية بشكل عام وبطريقة مختلفة – وربما متناقضة – مع المتواتر والمسموح به ليصبح هنا غناء خارج القاعدة المستقرة”.
هذا وكان الكاتب والسياسي المهندس “أحمد بهاء الدين شعبان” قد أكد أن هذا الكتاب يعيد الاعتبار للفن الحقيقي والجاد مشيرا إلى أنه قد شرف بمشاركة الكاتب مناقشة كتابة السابق، والذى اعتبره أحد أهم الكتب التي صدرت في مصر في الفترة الأخيرة والذي حمل عنوان “قوة مصر الناعمة”.
وأضاف “شعبان”: “ونحن الآن أمام كتاب آخر للمؤلف في نفس الدرب والدور بإلقاء الضوء بالتحليل والدراسة على الأغنية المصرية المختلفة”. وأشار إلى أن “تجربة الشيخ “إمام” و”عدلي فخري” و”محمد حمام” وفرقة “أولاد الأرض” – هي تجارب وطنية مضيئة صنعت من الأغنية وسيلة للنضال ضد الظلم وضد العدو”.
من جانبه قال الفنان الكبير “هاني شنودة”: “الفن هو أن تقدم إبداعا مختلفا لكن وفق ضوابط”. مشيرا إلى أهمية توثيق تاريخنا الفني والموسيقى بل وكل تفاصيل حياتنا حتى لا تسقط بعض الأشياء من الذاكرة الجمعية للوطن.
ولفت شنودة إلى أنه كان ” معنيا بالتجديد والتطوير ليس على مستوى الموسيقى فقط بل أيضا على مستوى الكلمة فهي الأساس وعندما قدمت أغنية “زحمة ” للفنان “أحمد عدوية ” تعاملت الدولة معها باعتبارها أغنية سياسية وعانينا كثيرا حتى ظهرت للنور”.
وحول تجربة الفنان الراحل “محمد نوح” وفرقة النهار قال الفنان “حسين نوح”: “النهار كانت أول فرقة موسيقية مستقلة في مصر، وبعدها ظهرت كل التجارب الفنية”. مؤكدا أنَّ نوح كان يهتم بالكلمة ويبحث عنها دائما وسعى خلال تجربته إلى تقديم أغنية وطنية مغايره تمزج بين حب الحبيبة وحب الوطن.
وأضاف “نوح”: “من يعرف كيف يحب حبيبته وأمه واسرته وكل من حوله يعرف كيف يحب وطنه وتاريخه وتراثه”.
يذكر أن الكتاب يتكون من اثنى عشر قسما يتضمن كل منها سيرة أحد رواد الموسيقى المختلفة بدءا من “سيد درويش” حتى تجرية “محمد منير” كما تناول المؤلف تجارب الأغنية خلال ثورة يناير، وأفرد قسما لتناول ظاهرة موسيقى المهرجانات.
هذا وقد شهدت الندوة مداخلات ثرية من عدد كبير من المشاركين بها بينهم الشاعرة “فاطمة ناعوت” والشاعر “عبده الزراع” و”جيداء بلبع” وغيرهم من ضيوف الندوة.
وفى نهاية الندوة قال “دوير ” أن الإهداء الذى تصدر الكتاب يمكن أن يعبر جانب من رسالته وهو:” إلى كل الذين امتلكوا شجاعة التغريد خارج المستقر والمألوف وتحملوا نتيجة اختياراتهم بكل صلابة .. إلى الذين علموني أن الغناء خارج السرب حق وواجب وإلى هؤلاء القادمين بمشاعل التجديد وشارات التمرد .. أهدى هذا الكتاب ” .