تدور قصة مسلسل “جزيرة غمام” للكاتب عبد الرحيم كمال ومن إخراج حسين المنياوي، حول التحولات التي تشهدها إحدى قرى البحر الأحمر، بعد أن وفد إليها الكثير من الغرباء، بما يحملونه من أفكارٍ وقيمٍ متباينة؛ أدت إلى حدوث صراعات بين الجميع بسبب الطمع، للتحول الحياة في القرية إلى فوضى تضرب كل شيء.
الأداء حاضر بقوة منذ الحلقة الأولى، حتى أن كل من يشاهد العمل؛ يدرك سريعا أن المخرج نجح في أن يوظف كل فرد من أفراد طاقم التمثيل في دوره “كما يقول الكتاب” وأن يخرج من هذه المجموعة من الممثلين؛ أفضل ما فيهم بصورة تلبّس معها كل ممثل الشخصية؛ حتى صارت جزءا منه وأصبح قطعة منها.. إنه مسلسل جزيرة غمام” الذى يغرد خارج السرب، ويقدم وجبة دسمة على مائدة دراما رمضان هذا العام.
في دور “العايقة” تجسّد مي عزالدين الشخصية، بقدر كبير من النضج الذى يفرض حضورا طاغيا للعايقة في تحريك خيوط الأحداث، عبر بنية انفعالية ونفسية نقلتنا “مي” إلى أجوائها باقتدار شديد، حيث الملامح والنظرات المعبرة التي تقول أكثر من الكلام، وحيث يتحول الضحك في بعض الأحيان إلى شىء أقرب ما يكون إلى البكاء.
“الخالة مليحة” التي فقدت نظرها، والتي تلعب دورها عايدة رياض، لاتتوقف أبدا عن البحث عن ذلك الذى قتل حفيدها، وحوّل حياتها إلى جحيم دائم، تجسد عايدة رياض مأساة امرأة لم ترَ من حولها سوى الظلام؛ ليأتي أحدهم ويضاعف من أزمتها باغتيال حلم الغد الذى كانت تعيش من أجله، حيث قام بقتل الحفيد، ورغم كل هذه الضربات القوية، لا تستسلم “الخالة مليحة” أبدا، وحتى عندما تصل إلى حقيقة القاتل تنتصر للصفح والعفو وتقبل منه الكفن، وهى تتمنى أن تكون خطوة كهذه كفيلة بإسعاد حفيدها المغدور في قبره وتبكي مليحة وتبكينا.
نحن أمام قصة يتصاعد خطها الدرامي باستمرار، وشخصيات تلتقى وتتعارك بعيدا عن المط والتطويل الذى قتل كثيرا من الأعمال الرمضانية.. في “جزيرة غمام” نلهث في كل حلقة من أجل فهم خيوط الحدث المتشابكة، فيما لا تقدم أعمال أخرى أى جديد، ولا يبدو هذا مستغربا على مؤلف بحجم عبد الرحيم كمال.
تتشابك الحقيقة مع الأسطورة حتى نتوه، ونحن نتابع حلقات هذا المسلسل الملحمي على الحدود الفاصلة بين ماهو قائم على الأرض، وما هو من نسج الخيال؛ فالصراع بين الخير والشر، ومحبى الحياة وأعدائها.. لايهدأ أبدا سواء في الحقيقة أو في قلب الأسطورة.
جزء كبير مما يحسب لهذا العمل هو المستوى المتميز للحوار، فالجمل لا تبدو عشوائية والكلمات لا توضع على ألسنة الشخصيات ملأ للفراغ، كما يحدث في بعض الأحيان؛ لذا فإن المشاهد يظل طوال الحلقة في قمة تركيزه، وكأن المسلسل له قوة تأثير مغناطيسية تجذب إليه الحواس.
فعندما يكون النص قويا، يفرض على الجميع احترامه، وهذا جزء من الحالة التي خلقها مسلسل “جزيرة غمام”. فالقصة القوية فتحت شهية الممثلين؛ ليؤدوا أدوارهم بقوة؛ في استجابة لتوجيهات المخرج الذى استطاع أن يحرز نجاحا كبيرا في توظيف كل عناصر العمل توظيفا مثاليا.
مسلسل جزيرة غمام أثبت أن الجمهور يقدر فعلا الأعمال الفنية المتميزة، وأنه لا يخطئ الطريق إلى تمييز الغث من السمين، في ظل العدد الكبير من الأعمال التي تعرض ضمن سباق الدراما الرمضانية، فالتفاعل الكبير على منصات السوشيال ميديا مع العمل يبدو لافتا، ويعطى مؤشرا واضحا على النجاح الكبير، الذى حققه المسلسل الذى يغرد خارج السرب على مدار الحلقات الماضية.
الفنان طارق رمضان.. يجسد في المسلسل واحدا من أدواره المتميزة، من خلال شخصية “خلدون” التي يقوم بتجسيدها ببراعة واقتدار شديدين، أما الفنان أحمد أمين فيعد الحصان الأسود لهذا العمل الفني المتميز، من خلال شخصية “عرفات” التي أظهرت حجم الملكات الفنية الهائلة التي يمتلكها أمين، والتي استطاع المخرج أن يفجرها على الشاشة، من خلال دور مكتوب بمهارة؛ يزخر بعشرات الحكم التي تنسال على لسان “عرفات” بعفوية شديدة طوال حلقات المسلسل والتي لقيت رواجا واسعا حتى أن البعض قاموا بحفظها وتداولها على نقاط واسع على صفحاتهم على السوشيال ميديا ومن بينها “العاشق مبتلى دا حكم ربنا في العشاق” و”العاشق حاكم عادل والعادل يا مكروه يا منفي”.