من الواضح أن ثمة “مؤثرات سلبية” تحد من إمكانية إيغاد في التعامل مع الأزمة السودانية، بشكل يُساهم في حلحلة هذه الأزمة؛ في مقدمتها: يأتي الاختلاف القائم بين قائدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بما يُعطل من دعوة إيغاد إلى لقاء مباشر بينهما. ففي وقت تتصاعد فيه المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، دعت الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، في شرق أفريقيا، قائدي الجيش والدعم السريع إلى لقاء مباشر، خلال أسبوعين، لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد، منذ ما يزيد عن تسعة أشهر.
جاء ذلك في بيان صادر عن قمة إيغاد، التي انعقدت في مدينة عنتيبي الأوغندية، الخميس 18 يناير الجاري، لبحث الوضع في السودان، وكذلك الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، في أعقاب توقيع الأخيرة اتفاقًا مع إقليم “أرض الصومال” يوفر لها منفذًا بحريًا، على سواحل البحر الأحمر.
رغم ذلك، يبدو عدد من العوامل الدافعة إلى فشل إيغاد في محاولة حلحلة الأزمة السودانية، عبر كل من البرهان وحميدتي.
عوامل مؤثرة
فمن جانب، يبدو فشل إيغاد في إجراء لقاء بين الطرفين؛ إذ بينما كان مُقررًا عقد لقاء بين قائدي طرفي النزاع في السودان، قائد الجيش وقائد الدعم السريع، في جيبوتي أواخر ديسمبر الماضي؛ إلا أنه تأجل لـ”أسباب فنية” ولذلك دعت “إيغاد” الطرفين إلى “اجتماع بشكل مباشر”؛ وأضافت في بيانها، في ختام أعمال قمة عنتيبي، أن الاجتماع الذي دعت إليه “سيكون خلال 14 يومًا، بهدف إنهاء الحرب الدائرة في البلاد، منذ منتصف أبريل الماضي”.
ورغم إعلان حميدتي قبوله التفاوض وإجراء مباحثات، بشأن إنهاء الأزمة؛ إلا أنه اشترط التفاوض مع البرهان “في وجود كل قادة إيغاد”، بما يعني صعوبة تحقيق هذا المطلب. وعلى الجانب الآخر، تعمدت قيادة الجيش الغياب عن القمة، لإجهاض واحدة من مبادرات حل الأزمة السودانية. وبالتالي، يمكن توقع فشل إيغاد في جمع طرفي النزاع السوداني، على طاولة واحدة؛ نتيجة الاشتراطات المقدمة من كل منهما.
من جانب آخر، قيام السودان بإعلان تجميد التعامل مع إيغاد؛ فمع تصاعد التوتر بين الحكومة السودانية، والهيئة الحكومية للتنمية، بسبب تعاطيها مع الأزمة في السودان؛ فقد أعلنت وزارة الخارجية السودانية، منذ الثلاثاء 16 يناير الجاري، أي قبل انعقاد قمة أوغندا بيومين، “تجميد التعامل” مع إيغاد، بسبب ما وصفتها “تجاوزات ارتكبتها المنظمة بإقحام الوضع السوداني ضمن جدول أعمال القمة الاستثنائية”؛ وكذلك، بسبب “دعوة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لحضور القمة”.
وقبل ذلك، أعلنت الخرطوم رفض المُشاركة في القمة؛ حيث جاء في بيان أصدره مجلس السيادة الانتقالي، الذي يترأسه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، قبل انعقاد القمة، أن حكومة السودان “لا ترى ما يستوجب عقد قمة لمناقشة أمر السودان، قبل تنفيذ مخرجات القمة السابقة”. ولعل ذلك ما دفع الكثيرين إلى اعتبار أن “البرهان تهرّب من المفاوضات، وأنه يخضع لرؤية فلول النظام السابق”.
ولم تكتف الحكومة السودانية بذلك؛ بل شجبت بواسطة وزارة الخارجية، دعوة “إيغاد” قائد الدعم السريع لحضور قمة أوغندا؛ مُشيرة إلى أنها “خطوة تُمثل انتهاكًا صارخًا للاتفاقية المؤسسة للمنظمة”.. ومن ثم، فقد غاب البرهان عن القمة، احتجاجًا على “دعوة حميدتي”.
أضف إلى ذلك، من جهة أخيرة، ضعف إيغاد في معالجة نزاعات الإقليم؛ حيث، يبدو هذا التوقع لفشل “إيغاد” في إجراء مفاوضات بين البرهان وحميدتي، منطقيًا؛ من منظور ضعف “إيغاد” في معالجة كثير من أزمات منطقة القرن الأفريقي. فالهيئة الحكومية للتنمية، تقوم على دول القرن الأفريقي، وهذه الدول تعاني من مشكلات حقيقية؛ وغالبًا ما تأتي حلول هذه المشكلات من خارجها.
وتؤكد الخبرة السابقة لـ”إيغاد” في معالجة بعض الأزمات في المنطقة، على فشل الهيئة في حلها؛ بدءًا من أزمة انفصال جنوب السودان، ثم الأزمة الداخلية في دولة جنوب السودان، بعد انفصالها عن الوطن الأم؛ بل أخفقت أيضا في وقف النزاع والحرب التي دارت بين الحكومة المركزية في إثيوبيا وإقليم تيغراي.
والأهم، أن دخول “إيغاد” على خط الأزمة السودانية، لا يُنبِئ بالنجاح في محاولتها حلحلة الأزمة؛ وذلك نتيجة لأنها تضم دولًا ذات مصالح متقاطعة، مع أطرف الصراع السوداني. هذا، بالإضافة إلى ضعف إيغاد النابع من كونها لا تمتلك أدوات ضغط، أو على الأقل ميزانية خاصة بها؛ وتعتمد على الدول في تمويل أنشطتها.
الاحتمال الأخطر
في هذا السياق، يُمكن القول بأن ثمة مؤثرات سلبية، تدفع إلى عدم نجاح الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، في الدخول على خط الأزمة في السودان، نتيجة لتقاطعات المصالح بين دولها، وطرفي الصراع في السودان.
وكما يبدو.. يُعيد الخلاف بين السودان و”إيغاد” من جديد، التوترات السابقة بين السودان والمنظمات الأفريقية، وفي مقدمتها الاتحاد الأفريقي؛ الذي دخلت الخرطوم، في سبتمبر الماضي، في أزمة دبلوماسية معه، على خلفية دعوته لتسوية الصراع السوداني، واللقاءات التي جرت من جانب مسئولين في الاتحاد، مع قيادات في الدعم السريع. وحينها أكّد قائد الجيش، أن السودان “في غِنى” عن الاتحاد الأفريقي.
بل، وما تزال عضوية السودان “مُعلقة” في الاتحاد الأفريقي، نتيجة خطوة الجيش في إزاحة الحكومة السودانية، حكومة عبد الله حمدوك، في أكتوبر 2021؛ التي اعتبرت من جانب الاتحاد الأفريقي، على أنها “انقلاب عسكري” على الحكومة المدنية؛ وذلك استنادًا إلى لوائح الاتحاد التي تنص على “رفض الانقلابات العسكرية في قارة أفريقيا”.
وهنا يبرز “الاحتمال الأخطر”؛ إذ إن تجميد جهود “إيغاد” الرامية لوقف الصراع في السودان، يمكن أن يساعد على نقل ملف الأزمة السودانية إلى مجلس الأمن والسلم الأفريقي؛ وبالتالي، التحول إلى البند السابع الذي يمكن أن تدخل بموجبه، إما قوات دولية، أو قوات شرق أفريقيا “إيساف”، التي أعلن الاتحاد الأفريقي عن نيته في نشرها في السودان، في يونيو الماضي؛ وهو ما يضع السودان في وضعية الوصاية الدولية أو الإقليمية.