رؤى

دوافع جولة “حميدتي”.. في دول جوار السودان

بعد بقائه في الظل، لفترة تصل إلى حوالي تسعة أشهر، منذ ما بعد اندلاع الصراع السوداني في 15 أبريل الماضي، بأيام ثلاثة؛ تخلص محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، من الزي العسكري، في أثناء جولة خارجية، في عدد من الدول الأفريقية، مرتديًا زيًا مدنيًا كـ”رسالة” من جانبه، ضمن دلالات أخرى، إلى كل من يهمه أمر السودان، والصراع الدائر فيه، بين الدعم السريع والجيش السوداني.

واللافت، أن ظهور حميدتي لم يكن أقل مفاجأة من غيابه؛ بل يمكن الإشارة إلى ذكائه في اختيار توقيت ظهوره، من خلال جولته الأفريقية، خاصة بعد أن حققت قواته تقدمًا ميدانيًا واسعًا على حساب الجيش السوداني.

الدعم السياسي

ضمن أهم الدوافع التي تستند إليها جولة حميدتي الخارجية في الدول الأفريقية ما يلي:

من جهة، كان من أهم أهداف حميدتي في هذا الظهور العلني، هو إعلان عودته إلى المشهد السياسي في البلاد، بعد غياب دام حوالي تسعة أشهر، منذ اندلاع الصراع الدامي في السودان. هذا، فضلا عن أهمية التوقيت في هذا الظهور العلني، من حيث إنه يأتي في أعقاب تطورات ميدانية مهمة شهدها الصراع السوداني، خلال الآونة الأخيرة؛ فقد استطاعت قوات الدعم السريع تحقيق عدد من المكاسب العسكرية، وبسطت سيطرتها على ثلاث من ولايات دارفور الأربع، كما أحكمت السيطرة على ولاية الجزيرة في وسط البلاد؛ بما عدّه الكثيرن “المنعرج الخطر” في مسار الحرب مع الجيش السوداني.

من جهة أخرى، الحصول على الدعم السياسي من دول الجوار؛ وهو ما يبدو بوضوح من خلال مجموعة الدول، التي مثّلت محطات في جولة حميدتي الخارجية. فقد شملت الجولة، بالإضافة إلى إثيوبيا، دول أوغندا وجيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا، وأخيرًا رواندا.

واللافت، أن هذه الدول تُمثل أولوية بالنسبة إلى قوات الدعم السريع؛ فمن جانب هناك إثيوبيا وكينيا وهما من “حلفاء الدعم” السياسيين. كما أن هناك، من جانب آخر، جنوب أفريقيا ورواندا، اللتان لهما مصالح سياسية في بقاء الدعم السريع فاعلا في المشهد السوداني، حيث تأتي جنوب أفريقيا كداعم كبير لإثيوبيا، وبالتالي للدعم السريع؛ أما رواندا فهي إحدى دول حوض النيل التي تتخذ موقفًا قريبًا من إثيوبيا وبعيدًا عن مصر. ثم تأتي جيبوتي التي تتعلق بالوساطة السياسية في الصراع السوداني، في المقام الأول.

من جهة أخيرة، يحاول قائد الدعم السريع، تقوية موقفه السياسي، عبر محاولة استمالة عدد من قادة دول مجموعة “إيغاد” إلى جانبه، خاصة جيبوتي التي تتولى رئاسة المجموعة حاليًا؛ في ظل ما تواجهه قواته من رفض عدد كبير من الدول العربية، فضلا عن بعض القوى الدولية. ولا يتعلق الأمر، بمحاولة كسب تأييد البعض من دول إيغاد فقط؛ ولكن أيضا من خلال التأكيد على ما يقوم به الدعم السريع من استثمارات في هذه الدول، بإدارة شقيق حميدتي الأصغر، القوني دقلو، الذي ظهر معه في هذه الجولة.

أهداف داخلية

إضافة إلى الدعم السياسي، بوصفه هدفا تستند إليه جولة حميدتي الخارجية، في الدول الأفريقية.. تبدو أيضا الأهداف الخاصة بالبعد الداخلي التالية:

فمن جانب، تبدو محاولة كسب “شرعية سياسية”، تحد من الشرعية التي اكتسبها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بصفته رئيسا لمجلس السيادة السوداني، في أثناء فترة غياب حميدتي الطويلة؛ وذلك عن طريق حشد هذه الدول المؤثرة في الملف السوداني، عبر دورها في مجموعة إيغاد، من منظور أن ثلاث من الدول التي قام حميدتي بزيارتها، كينيا وإثيوبيا وأوغندا، تُعتبر من الدول ذات الثقل ضمن الدول الثمانية التي تضمها إيغاد. وبالتالي، يبدو أن حميدتي يحاول منح “وساطة إيغاد” دفعة، لتُصبح المنبر الوحيد لبحث الأزمة السودانية، بعد تعليق منبر جدة، وإخفاق مبادرة القاهرة.

من جانب آخر، إظهار الجيش بكونه رافض للمصالحة السياسية؛ إذ، إن جولة قائد الدعم السريع، خاصة في الدول أعضاء إيغاد، سوف تزيد من رفض الجيش لوساطة هذه المجموعة. صحيح أن الجيش كان يتحفظ على وساطة إيغاد، منذ أن انطلقت عبر اجتماعات الرباعية، إثيوبيا وكينيا وجيبوتي وجنوب السودان، بسبب رفضه رئاسة كينيا لها؛ إلا أن جولة حميدتي، قد زادت من هذا الرفض، رغم تحول الرئاسة الحالية إلى جيبوتي.

هذا، ما تبدى بوضوح في تصريحات قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في الذكرى 68 للاستقلال، التي حلت في 4 يناير الجاري، والتي أكد فيها على “خيار الحرب”؛ حيث أغلق البرهان، باب الصلح أو الاتفاق مع قوات “الدعم السريع”؛ بل، وقرر المُضي قُدمًا في الحرب حتى نهاية أحد الطرفين. ولم يكتف البرهان بذلك، وإنما رفض “إعلان أديس أبابا”، وقال إنه “غير مقبول ولا قيمة له”؛ مؤكدًا “سنسلح المقاومة الشعبية بأي سلاح لدينا، ولن نمنعها من جلب أي سلاح”.

من جانب أخير، تبدو محاولة حميدتي في “إحراج” الجيش السوداني؛ حيث تأتي جولة حميدتي الأفريقية، ولقائه حمدوك في أديس أبابا، لتُمثل خطوة “مُحرجة” للجيش السوداني، حيث بدا إنه الطرف الذي يرفض المصالحة السياسية ووضع حد للصراع السوداني.

إذ، بعد اجتماعات استمرت يومين، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، صدر عن كل من حميدتي ورئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، الذي يترأس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في السودان “تقدم”، بيانًا سُمي بـ”إعلان أديس أبابا”، يلتزم فيه قائد الدعم السريع بـ”وقف الأعمال العدائية بشكل فوري، وغير مشروط، عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني”.

والملاحظ، أن البيان قد تضمن “وضع حد قاطع لتعدد الجيوش في السودان، وتشكيل جيش مهني واحد، يُعبر عن الجميع، وفقًا لمعيار التعداد السكاني”؛ وهو ما يعني ليس فقط إخراج الدعم السريع من توصيف “ميليشيا” إلى كونها “أحد الجيوش المتعددة في السودان”؛ ولكن أيضًا وضع الجيش السوداني، نفسه، في ذات الوضع كـ”أحد الجيوش السودانية”.

ومن ثم، فإن حميدتي بهذا الإعلان، مع حمدوك، إنما يستهدف التأكيد على توحيد “الجيوش السودانية”، ونقل السلطة السياسية إلى جهة مدنية، كنوع من التأكيد على “مدنية” المستقبل السياسي للسودان.

كسب الدعم

في هذا السياق، يُمكن القول بأن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، قد اختار بعناية توقيت ظهوره، ليعود إلى المشهد السياسي السوداني، عبر البوابة الأفريقية؛ بل، ويحاول تعويض السند الشعبي الداخلي، بدعم سياسي إقليمي، خاصة عبر الدول التي يستثمر فيها الدعم السريع.

وبالتالي، فقد أراد حميدتي من جولته الخارجية، أن يُعوض فقدان الدعم الشعبي في الداخل السوداني، بعد التجاوزات التي ارتكبتها بعض عناصر قوات الدعم السريع؛ وفي الوقت نفسه، محاولة كسب الدعم السياسي في مواجهة الإدانات الدولية لقواته، على خلفية دخول هذه القوات إلى “ود مدني”، التي تُمثل حاضرة ولاية الجزيرة، في وسط البلاد، والتي تأوي مئات الآلاف من النازحين بسبب الحرب في الخرطوم.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock