رؤى

المهدوية محركا لحركات الإحياء الإسلامي

نعني بالمهدوية هنا انتظار الجماهير مخلصا يأخذ بيدها إلى الخير بعد وصول الحال إلى وضع سيء مغلق لا انفتاح فيه ولا أمل يُرجى، هنا نجد أن المهدوية بمعني انتظار المخلص تنتشر في أدبيات الأمم كلها، ففي المسيحية مثلا كان هناك ما يعرف باسم الفكر الألفي، أي أن العالم يمر بدورة كل ألف عام نهاياتها تشير إلى وضع سيء، ومع بداية الألفية الجديدة يولد أمل بالخلاص بنزول المسيح من جديد إلى الأرض محققا انتصارا لأهل الخير قاضيا علي الأشرار.

جيهمان العتيبي والسطو على الحرم

بيد أن المهدوية ظهرت بشكل واضح وكبير لدى بعض الحركات الإحيائية في العالم الإسلامي علي وجه الخصوص، وأهم تلك الحركات حركة جيهمان العتيبي التي تحركت في الأول من المحرم عام 1400هجرية، لتسطو على المسجد الحرام بمكة المكرمة، وليقدم جهيمان صهره محمد بن عبد الله القحطاني، على أنه المهدي المنتظر العائذ بالبيت ليعلن دعوته من هناك ويبايعه الناس في الحرم بين الركن والمقام.

قصة احتلال للحرم

 

 

يتذرع المهدويون بفكرة التجديد، وأنهم يحلمون بالقضاء على الأوضاع السيئة وابتداء وضع جديد يؤسس لمسار مختلف متوافق مع الخير وإعادة العمل بأحكام الشريعة وإحياء الدين، ويعتمدون على الرؤى والمنامات والأحلام، فقد رأى جهيمان في منامه أن صهره “محمد بن عبد الله القحطاني” هو المهدي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم كعلامة على آخر الزمان، ويبدو أنه حكى تلك الرؤيا لبعض مشايعيه الذين تناقلوا الرؤيا بينهم حتي صار أغلبهم يراها في المنام، وهو ما يعني التملك النفسي للفكرة المهدوية على حيواتهم وعقولهم فصاروا يحيون بها ومن أجلها، أكدت الرؤى اليقين لدى أتباع جهيمان العتيبيأن ظهور المهدي وشيكا وأنه محمد بن عبد الله القحطاني رفيقهم.

تشير تحليلات موثوقة إلى أن حادثة جهيمان هزت بعمق أركان النظام السعودي الذي استعان بقوات خاصة فرنسية للقضاء على ما اعتبره انقلابا عليه، وذلك بعد أسبوعين من سيطرة الحركة على المسجد الحرام، وبث خطب وصوتيات من خلال مآذنه ومكبرات الصوت تنتقد النظام السعودي.

وقادت الواقعة المهدوية الخطيرة التي انتهت بمقتل المهدي محمد بن عبد الله القحطاني وإعدام جهيمان العتيبي ومن تبقي معه من أتباعه إلي مزيد من المحافظة والتشدد داخل النظام السعودي تحت تأثير الصدمة المربكة والمفزعة التي أحدثتها حادثة جهيمان.

جماعة التكفير والهجرة  

من بين الحركات التي استلهمت المهدوية، جماعة المسلمين، التي قادها شكري أحمد مصطفي في مصر وكانت تُعرف بجماعة التكفير والهجرة، فقد كتب شكري كراسة أطلق عليها اسم “التوسمات” وفيها يتوسم نهايات العالم بحرب نووية بين قطبي العالم في ذلك الوقت الاتحاد السوفيتي وأمريكا، والعودة مرة أخرى إلى القتال استنادا إلى القوة العضلية كما كان الأمر عليه في بدء بعثة النبي، وأن على جماعته لذلك أن تهاجر إلى اليمن ثم تعود فاتحة إلى مصر لتقاتل من تبقى من الكافرين. كان شكري يرى نفسه إماما للجماعة، يقوم بالأمر والنهي والحكم والقضاء والفصل في المنازعات كما كان يفعل النبي، فهو قائم مقامه ويقوم بمهامه، وهو يري نفسه مهدي الجماعة ومخلصها من كل الكافرين وأن جماعته هي الجماعة الخاتم والنهائية قبل يوم القيامة، وكان يثق في أنه لن يقتل لأنه على الحق وهو ختام العالم ونهايته هو وجماعته، لذلك قال لأتباعه لو قتلت فاعلموا أني على باطل، وظل يعتقد أنه لا يمكن إعدامه حتى تم تنفيذ حكم الإعدام فيه عام 1978 بسجن الاستئناف في مصر.

مهدوية الإخوان من البنا إلى مرسي

يرتبط بفكرة المهدوية بلاريب ظهور زعماء يعتقدون في أنفسهم صفات خارقة وأن بلاء الأمة وضعفها يمكن تجاوزه عن طريقهم، يدخل في هؤلاء بلا ريب مؤسس الإخوان المسلمين حسن البنا، فقد كان يعتقد أن خلاص الأمة ونهوضها وتحقيق الخلافة واستعادة العالم الإسلامي لمكانته مرهون بذاته وبالجماعة التي أسسهاعام 1928 والتنظيم السري الذي أنشأه في نهاية الثلاثينات، واعتبر نفسه شخصية دينية، فأطلق على نفسه المرشد، وكان يأخذ البيعات من أعضاء الجماعة بمستوياتها المختلفة باعتبارها بيعة دينية ملزمة في أعناقهم يسمعون له ويطيعون ويأتمرون.

ويبدو أن الفكرة المهدوية تجلت بقوة مع فقدان الإخوان المسلمين للحكم في مصر بعد السنة التي حكموا فيها، وحديثهم عن عودة الرئيس المعزول مرسي إلى الحكم مرة أخرى، كانت الرؤى والأحلام تطلق من منصة رابعة العدوية بعودة مرسي، بل إن هذه الفكرة لا تزال حتى الآن حاكمة لدى بعض منتسبي الإخوان، وهم ينتظرون عودة الرئيس الغائب كما ينتظر الشيعة الإثنى عشرية عودة الإمام الغائب محمد بن الحسن العسكري.

مهدوية الشيعة وبن لادن وداعش

ليس خافيا أن الفلسفة الرئيسة للشيعة الإثنى عشرية تقوم على انتظار الإمام الغائب في السرداب، وأن الولي الفقيه الذي يحكم الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو نائب عن الإمام الغائب الذي سيعود ليملأ الدنيا عدلا بعد أن ملئت ظلما وزورا وقبحا، وكانت بعض التيارات العدمية الإيرانية قبل ظهور الخوميني تفسد في العمران حتى تعجل بظهور المهدي، إلى أن منع الخوميني ذلك واعتبر أن إقامة الحق واجب عبر الولي الفقيه الجامع لشروط الإمامة حتى يظهر الإمام الغائب.

ومن المثير أن يكون “بن لادن” قد اعتبر نفسه مبشرا بظهور المهدي، وكان متأثرا بالرؤى والمنامات ويتخذها مرجعا لقراراته، وكان أتباعه يعتبرونه القحطاني الذي يظهر قبل المهدي في آخر الزمان.

ولعل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ورث من ابن لادن أحاديث الملاحم الكبرى،  واعتبر نفسه تجليا لتلك الأحاديث وأخذ العالم إلى نهايته تمهيدا لظهور المهدي وعيسى بن مريم وتخليص العالم من الشرور التي تطبق عليه، وفق أفكار التنظيم.

خاتمة

رغم أن الكاريزما يمكن أن تكون تعبيرا عن حاجة مجتمع ينتقل من طور التقاليد والعادات إلى طور أكثر تحديثا وتقدما، ومن ثم يصبح لظهور الشخص الفذ دورا في التاريخ ينتقل فيه بأمته إلى وضع أفضل، بيد أن المهدوية والشخصيات الكاريزمية التي تعلق بها الناس في عالمنا العربي والإسلامي لم تستطع إنجاز تقدم حقيقي، وإنما كانت تعبيرا عن حالة نفسية تهرب من الواقع للتعلق بحلم، بدلا من النزول ليعمل العاملون والمخلصون بعيدا عن التعلق بالأحلا

كمال حبيب

أكاديمي مصرى متخصص فى العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock