رؤى

سياسة “بلينكن” في المواجهة الأمريكية غير المباشرة مع الصين.. هل ستجني ثمارها؟

أصوات:

تكشف هذه المقالة التي تنتمي للتيار اليميني للحزب الديمقراطي الذي يحكم أمريكا هذه الفترة من خلال إدارة الرئيس “بايدن” عن نقطتين بالغتي الأهمية :الأولي هي أن الامريكيين قد يستمرون في ارتكاب خطئهم التقليدي في بدء استراتيجيات خارجية معقدة، وتنطوي علي مخاطر مثل استراتيجية (المواجهة غير المباشرة  مع الصين) دون أن يستكملوها في النهاية مما يضاعف من حالة الشك في مصداقيتهم الدولية، تلك الحالة التي لم تعد مقتصرة –فيما يبدو– علي حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط ولكنها باتت تشمل –وإن بدرجات مختلفة–حلفاءها الأسيويين،  وحتي الأوربيين والأطلسيين .

الثانية: هي أن وزير الخارجية الامريكي “أنتوني بلينكن” ذا النزعة المتشددة وصاحب التوصيات السابقة بالغة الخطورة مع إدارة “أوباما” مثل قصف سوريا  –تم رفضها لحسن الحظ– ربما يلعب دورا مركزيا في صناعة السياسة الخارجية لـ”بايدن” أكثر مما كان متوقعا. فهل يفسر هذا الدور مع رئيس عجوز، ونائبة رئيس قليلة الخبرة مثل “كامالا هاريس” هذا النسق الحالي من تصعيد التوترات مع روسيا في أوكرانيا، وفي مناطق أخرى في العالم؟

———————-

ترجمة: كريم سعد

نقلا عن موقع us-china relations

———————-

*في عام 2021، تمكنت الولايات المتحدة من إعادة العلاقات المتوترة مع دول جنوب شرق آسيا، وإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الدفاعي والاستراتيجي مع القوى الحليفة في المحيطين الهندي والهادئ، كما واجهت أمريكا بشكل فعال “دبلوماسية اللقاح” الصينية في آسيا.

*لكن إدارة “بايدن” قد تنتهي بخيبة أمل مع حلفائها الإقليميين إذا فشلت في متابعة دبلوماسيتها مفرطة النشاط العام المقبل.

كان “أنتوني بلينكن” قد صرَّح ذات مرة خلال فترة عمله كنائب لمستشار الأمن القومي للرئيس “باراك أوباما” بقوله: “القوى العظمى لا تحتال”. في هذه الفترة كان نجم “بلينكن” صاعدا داخل مؤسسة الدفاع الأمريكية، وكان يعتقد أن قوة كبرى كأمريكا تعتمد على توازن صحي بين الدبلوماسية الاستباقية والاستعداد لاستخدام القوة عند الضرورة.

ومع ذلك، فقد فشل الرئيس الأمريكي السابق في الاستجابة لنصيحة “بلينكن” في اتخاذ قرار بالغ الأهمية بعدم إصدار أمر، دون موافقة الكونجرس، بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بدعوى استخدامه أسلحة كيماوية.

أنتوني بلينكن
أنتوني بلينكن

كما لم يتخذ “أوباما” أي رد حاسم بعد أن بدأت الصين في عسكرة الجزر المستصلحة عبر بحر الصين الجنوبي، بعد أن أخبر الرئيس “شي جين بينغ” الرئيس الأمريكي أن البلاد ليس لديها نية للقيام بذلك.

وبصفته مقربا للرئيس الأمريكي “جوزيف بايدن” وكبير أعضاء مجلس الوزراء، أتيحت لـ”بلينكن” أخيرًا الفرصة للإشراف المباشر على السياسة الخارجية لبلاده. فقد انخرطت الولايات المتحدة –تحت قيادته–  في لعبة “الملاكمة غير المباشرة والتي لا تتضمن تهديدات جدية بمواجهة مباشرة وخطرة بين الطرفين، وهي سياسة تظل سياسة عالية المخاطر مع الصين، وخاصة في جنوب شرق آسيا.

وبفضل دبلوماسيتها مفرطة النشاط على مدار العام الماضي، تمكنت الولايات المتحدة من إعادة العلاقات المتوترة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، وإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الدفاعي والاستراتيجي مع القوى الحليفة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومواجهة “دبلوماسية اللقاح” الصينية بشكل فعال في آسيا.

ومع ذلك، تُخاطر إدارة “بايدن” بتبديد مكاسبها المبكرة في عامها الأول؛ إذا فشلت في تنفيذ تعهدها بالمضي قدمًا في صفقة اقتصادية شاملة ووضع استراتيجية “ردع متكاملة” في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وعلى الرغم من خطاباته المطمئنة على نطاق واسع، والمدة الطويلة التي قضاها في الحكومة، فقط أثار فوز “بايدن” العام الماضي أسئلة أكثر من الإجابات حول الاتجاه الدقيق للسياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بالصين.

بايدن
بايدن

ومن ناحية أخرى، تساءل كثيرون –بما فيهم تايوان وفيتنام والهند والفلبين– عما إذا كانت الإدارة الديمقراطية ستثبت أنها أكثر تشاؤمًا تجاه الصين من الرئيس السابق “دونالد ترامب”.

فيما أعرب آخرون عن قلقهم بشأن سياسةٍ خارجيةٍ تصادميةٍ ومدفوعةٍ أيديولوجيا. بعد أن وصف “بايدن”  التنافس الاستراتيجي لبلاده مع الصين “بالتنافس الوجودي” مُعلنًا: “نحن في منافسة مع الصين للفوز بالقرن الحادي والعشرين”.

كما دعا “بايدن” إلى الترويج الاستباقي للديمقراطية، حيث قال: “الديمقراطية لا تحدث بالصدفة. لذا علينا الدفاع عنها والقتال من أجلها وتقويتها وتجديدها”. من هنا جاءت استضافة الولايات المتحدة للقمة الأولى للديمقراطية، والتي استبعدت شركاء استراتيجيين رئيسيين مثل: سنغافورة وفيتنام والإمارات العربية المتحدة.

وتحت إشراف “بلينكن” كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة مزيجًا من الدبلوماسية مفرطة النشاط والمواقف المتشددة. فأثناء ترشيحه لمنصب وزير الخارجية الأمريكية.. أوضح “بلينكن” تفضيله لمزيج محسوب من الارتباط (مع الحلفاء) والردع (ضد المنافسين).. بينما أكد على حكمة التعددية، ودعوته إلى المشاركة الدبلوماسية مع كل من الحلفاء والخصوم، وأوضح “أن “ترامب” كان محقًا في اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الصين”. وكانت هذه هي استراتيجية إدارة “بايدن” في جنوب شرق آسيا، حيث المسرح الجديد للمنافسة الصينية الأمريكية، والتي تقوم على ثلاثة مستويات:

أولاً ، تمكنت الإدارة من إعادة العلاقات المتوترة مع دول آسيا من خلال المشاركة الدبلوماسية. وعلى الرغم من بدايتها البطيئة، فمع الأحداث الخارجية التي قاطعت مرارًا وتكرارًا مشاركة “بلينكن” مع الحلفاء الإقليميين، فقد استعادت الولايات المتحدة  مقدارا – من الثقة الكافي بين القوى الرئيسية في جنوب شرق آسيا خلال العام الماضي.

وفي النصف الأخير من عام 2021، زار ثلاثة من كبار المسئولين الأمريكيين هم: نائبة الرئيس “كامالا هاريس” ووزير الدفاع “لويد أوستن” و”بلينكن” دولا أسيوية ذات أهمية هي: إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا  وفيتنام والفلبين.

حيث ذهب “هاريس” و”أوستن” إلى سنغافورة وفيتنام، وهما الشريكتان الاستراتيجيتان الأكثر موثوقية للولايات المتحدة في المنطقة، وفي غضون أسابيع قليلة فقط وتحديدًا في أكتوبر، حضر “بايدن” شخصيًا قمة افتراضية مع نظرائه في آسيا، وهو أول اجتماع مباشر من نوعه منذ سنوات، كذا الأمر مع “بلينكن” الذي عقد عدة قمم شخصية وافتراضية مع نظرائه في جنوب شرق آسيا.

ثانيًا، انخرطت الولايات المتحدة والصين في منافسة صحية في مجال “دبلوماسية اللقاحات”. ففي حين أثبتت بكين أنها أكثر نشاطًا في وقت سابق من العام، حين قامت بشحن الملايين من لقاحات كوفيد 19، والمشاركة في إنتاجها مع نظرائها في آسيا، عوضت إدارة “بايدن” الوقت الضائع بالتبرع بـ 23 مليون لقاح أمريكي الصنع لدول جنوب شرق آسيا.

وكان الرئيس الفلبيني “رودريغو دوتيرتي” مبتهجًا جدًا بالتبرعات الأمريكية بلقاح كوفيد 19، لدرجة أنه لم يشكر “بايدن” علنًا فحسب، بل قرر أيضًا استعادة اتفاقية القوات الزائرة الفلبينية الأمريكية بالكامل، والتي كانت في طي النسيان وسط الخلافات الثنائية حول قضايا حقوق الإنسان.

أخيرًا، حاولت إدارة بايدن مواجهة النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين بتوسعة البصمة البحرية في المياه المجاورة من خلال مبادرتين.

أولهما تعهد “بلينكن” “بإطار اقتصادي شامل بين المحيطين الهندي والهادئ” لتعميق التجارة والاستثمار الأمريكي في المنطقة وتوفير بديل لـ”مبادرة الحزام والطريق” الصينية. وثانيهما، تعهد الولايات المتحدة أيضًا بتقديم عقيدة جديدة لـ “الردع المتكامل” من خلال تحسين شبكتها القائمة على التحالفات والشراكات الدفاعية عبر المنطقة.

وفي حين تبدو هذه المبادرات شاملة وبناءة، فقد ينتهي الأمر بإدارة “بايدن” إلى إحباط حلفائها الإقليميين إذا فشلت بمتابعتها في العام المقبل.

فبعد كل شيء، لم تقدم الولايات المتحدة بعد تحديثًا بشأن صفقة التجارة الرقمية الحرة المقترحة لآسيا، ولم تقترح بديلا لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي أوقفتها إدارة “ترامب”.

وبقدر ما يمضي “الردع المتكامل” قدمًا، فمن غير المرجح أن يكون حلفاء جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وشركاء استراتيجيين آخرين مثل: سنغافورة وفيتنام مهتمين بالانضمام إلى أي تحالف دفاعي محتمل ضد الصين.

وبشكلٍ عام فقد شهد عام 2021، لعبة “ملاكمةغير مباشرة ” متعددة الأبعاد بين الولايات المتحدة والصين عبر جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ الأوسع. ولكن بعد أن ارتفعت التوقعات بشأن إعادة مشاركة أمريكا، فإنَّ إدارة بايدن لا بد أن تتعرض لضغوط متزايدة العام المقبل لإضافة واقع ملموس إلى مبادرات مواجهة الصين.

مصدر الترجمة

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock