“لا تتصرف كالمنافق وأنت تجاهر بالقرآن أمام الناس”.. مقولة للشاعر الإيراني الشهير “حفيظ” الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي تكتب بحروف كبيرة على الشاشة وعلى وقع موسيقى تفيض حزنا وشجنا تبدأ أحداث فيلم “The Stoning Of Soray” أو “رجم ثريا” ولا ينسى صانع الفيلم أن يضع على تتر البداية بخط واضح عبارة “العمل مأخوذ عن قصة حقيقية”.
الفيلم الذي أنتج في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2008، مأخوذ عن رواية “رجم ثريا” للكاتب الفرنسي من أصل إيراني “فريدون صاحب جم” ويروي الفيلم مأساة السيدة الإيرانية ثريا منوتشهري التي حُكم عليها بالرجم ظلما عام 1986.
ترى هل هناك احتمال أن يكون أي من أفراد شرطة الأخلاق الإيرانية التي تورطت في قتل الشابة “مهسا أميني” مؤخرا قد شاهد هذا الفيلم الذي خرج للنور قبل 14 عاما؟ الحقيقة أن هذا الأمر يبدو مستبعدا وإلا لما تكررت المأساة مع تغيرات طفيفة في التفاصيل؛ ليبقى العنوان الرئيسي أن المرأة تظل الضحية، لهوة سحيقة تفصل بين تعاليم دينية سامية، وقمع سلطوي بلا حدود في ظل ولاية الفقيه.
كان فيلم “رجم ثريا” –الذي ساهم في أن يعرف العالم مأساة أم لأربعة أبناء، دفعت حياتها ثمنا للعدالة الغائبة في التعامل مع نساء إيران– كفيلا بأن يغير الكثير إذا وصلت الرسالة لمن يهمه الأمر، ولكن دروس التاريخ تظل غائبة عن الكثيرين؛ حتى تهزهم الصدمة بقوة وهم يرون المآسي تعيد إنتاج نفسها مرة أخرى.
عندما ينتهى المشاهد من هذا الفيلم الحافل بالإثارة والشجن؛ سيخرج باستنتاج رئيسي يفسر له تطورات ما يجرى اليوم في إيران.. فالكثيرات يخشين من مصير “ثريا” و “مهسا أميني” لذا خرجن إلى الشوارع للتأكيد على حق المرأة في أن تعيش كإنسان كامل، وليس كعورة يجب سترها عن الأعين.
الفيلم الذي أنتج باللغتين (الإنجليزية والفارسية) بطولة الممثلة “موزان مارني” والتي جسدت دور ثريا منوتشهري باقتدار شديد و”شهره اغداشلو” والتي لعبت دور زهرة، و”برويز صياد” بدور هاشم و”جيمس كافيزل”.
طاقم التمثيل الذي يمتلك في معظمه أصولا إيرانية، كان له دور كبير في الواقعية التي تجري في إطارها الأحداث – زاد من توحد المشاهد مع العمل وتأثره الشديد.. وهو يتابع أحداثه المتسارعة. تلك العبارة التي يتردد صداها في أذنيه عندما يصدمه الواقع الذي يفوق في مراراته كل ما يمكن أن يجود به الخيال “أحداث هذا العمل مستمدة من قصة حقيقة”.
تبدأ أحداث الفيلم من قرية “كوباي” الإيرانية الصغيرة، مجموعة من البسطاء الذين يعيشون على الهامش وأقصى أمانيهم ألا تزيد الحياة من قسوتها عليهم، تعيش ثريا منوتشهري ذات الـ 35 عاما في مجتمع يحاصرها أينما حلت، ارتضت بأن تعيش من أجل رعاية صغارها الأربعة على أمل أن يكون غدهم أفضل من يومها، ليست راغبة في مال أو سلطة أو عدالة أصبحت على قناعة بأنه لا مكان لها على الأرض.
بيوت صغيرة مبنية بالحجر، لا مكان فيها للرفاهية.. تأوي بالكاد أولئك المعذبين في الأرض، الذين تزيد الجبال والتضاريس الصعبة من عزلتهم عن العالم، والذي ظل بعيدا عن وجيعتهم لزمن طويل، قبل أن تحين لحظة انكشاف الحقيقة المرة.
الصدفة تقود صحفي إلى كشف الحقيقة عندما تتعطل به سيارته على بعد خطوات من تلك القرية حيث يلتقي “زهرة” فتكشف له تفاصيل المأساة التي انتهت بها حياة ابنة أخيها ثريا، لم يكن لقاء “زهرة” بذلك الصحفي الأجنبي سهلا في تلك القرية المحافظة التي يتابع فيها العمدة والشيخ حسن، حيث تمتزج السلطة السياسية بالسلطة الدينية – دبيب النمل.
يقود الفضول ذلك الصحفي إلى منزل “زهرة” حيث تقع عيناه على أطفال يسرى الرعب في أوصالهم كما يجرى الدم، إنهم أبناء ثريا الذين فقدوا أمهم، ومازالوا يعيرون حتى بعد رحيلها بأنها مرجومة بعد اتهامها بالزنا، وهو عار سيظل يلاحقهم في تلك القرية.
يجلس الصحفي مصدوما أن زهرة التي تدخن أمامه سيجارة؛ امرأة كبيرة ومجنونة ويصارحها بأنه بدأ يصدق ما يردده الشيخ حسن وعمدة القرية، ولكنها تخبرها بثقة أنها ستقص عليه الحكاية كاملة وليحكم هو في نهاية المطاف من المجنون هم أو هي؟
“صوت المرأة ليس له أهمية هنا لذا افتح جهاز تسجيلك واحمل صوتي معك” هكذا تبدأ زهرة في رواية حكايتها “علي” زوج “ثريا” أراد أن يتزوج عليها بأخرى، وفي سبيل ذلك لجأ للضغط على شيخ “حسن” رجل الدين الذي يرضخ سريعا، فهو لا يريد أن يتذكر أحد أنه كان سجينا في جريمة مخلة يوما ما .
يذهب الشيخ حسن إلى ثريا ويعرض عليها رغبة زوجها في الزواج بأخرى، ولا يفوت الفرصة دون أن يعبر لها عن رغبته في إقامة علاقة معها واستعداده من أجل هذا الغرض أن يتزوج بها خشية الناس.. وهنا تدخل “زهرة” وتلقنه درسا قاسيا وتطرده خارج المنزل.
يدبر “علي” والشيخ “حسن” كل شيء و تتهم “ثريا” بالزنا ويقام عليها حد الرجم ويظنون أن كل شيء قد انتهى، وأن الدفاتر قد أغلقت حتى يعود صحفي ليطلع العالم بأكمله على جريمة مكتملة الأركان ارتكبت في حق “ثريا” مع سبق الإصرار والترصد.. وكم من ثريا يجب أن تدفع الثمن قبل أن تتوقف الجرائم التي يتم ارتكابها ضد نساء إيران تحت ستار الدين.