فن

أغاني الصباح القديمة.. تراث خالد وفن يبعث الأمل (1-4)

ليست مجرد أغنيات.. بل هي وفقًا لبرامج التحفيز الذاتي الحديثة تعد خير باعث للأمل؛ فما أن تطرب لها الآذان حتى تبدأ الألسن في ترديدها بكل ارتياح، وذلك لبساطة الكلمات وعذوبة الألحان التي يعز علينا الآن أن نجد مثيلًا لها أو حتى القليل منها.

فمع تلك الأغنيات المكتوبة بالعامية المصرية والتي أنتجت على مدار القرن الماضي؛ يمكننا أن نرى التصوير الحسي المعبر عن إشراقة شمس صباح يومٍ جديد، والذي يتولد معه الأمل بأن تحمل نسمات الصباح بشائر الخير والسلام، وبأن يكون كل يوم يومًا جميلًا مليئًا بالعمل والكد والسعي المؤهل للنجاح وتحقيق الإنجازات.

ومنذ زمن غير بعيد كانت الإذاعة المصرية من أهم الوسائل التي تبث في النفوس مع بداية كل يوم جديد – قدرًا كبيرًا من الأمل والتفاؤل، وتبعث فيها ما اعتدنا على تسميته الآن بالطاقة الإيجابية، وذلك من قبل أن تصبح تلك العبارة متداولة بين الناس. واليوم ومع سرعة الأرتام والألحان التي تتناسب مع عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي؛ فقد ازدادت الحياة صخبًا وأصبحت الضوضاء المزعجة هي سمة ملازمة لليوم منذ بدايته، وحتى نهايته فلا مجال للراحة النفسية أو لأي قدر من التأمل. ومع ذلك ما زال في الإمكان أن يختار كل إنسان ما يسمعه دون أن يُفرَض عليه فرضًا وكأننا مع مضي الزمن وبرغم كل ذلك التقدم العلمي والتكنولوجي أصبحنا أكثر عجزًا وأقل تحررًا وأقل استمتاعًا بجوهر الحياة، وأكثر تشبثًا بمظاهر الدنيا الخادعة!

فهل لنا أن نعيد الاستماع إلى ذلك التراث الخالد من أغاني الصباح التي كان يستقبل بها الصغار والفتيان والفتيات يومًا جديدًا قبل الذهاب للمدارس والمعاهد والكليات، والتي كان يستمع إليها الفلاح في حقله والموظف في طريقه لعمله، والتي ما زالت تحمل لنا عبر كلماتها وألحانها ما كان يحمله عبق الماضي القريب من صفاء وسكينة وسلام نفسي، وذلك بالرغم مما يحاصرنا من أخبار بشأن الكوارث والأزمات والحروب المشتعلة بين حينٍ وآخر؟!

وهل من الممكن أن نستعيد نحن حيويتنا ونشاطنا؛ فتحفزنا تلك الأغنيات من جديد.. خاصة مع بداية العام الدراسي الذي تستقبله الأجيال الجديدة الذين يتوجب عليهم أن يكونوا ملمين بالتراث الفني القديم وقادرين على تذوقه وعلى اختيار ما يرقي بهم وبفكرهم ووجدانهم؟ وحتى إذا كانت حياتنا اليومية مزدحمة بالمهام ومليئة بالمشكلات والصراعات والأخبار السيئة، وحتى إذا كان مفروضًا علينا الانجذاب إلى شاشات الأجهزة الذكية التي لا تفارق أيدينا ليل نهار، فلا يجب أن نحرم أنفسنا من حرية الاختيار في استقبال كل يومٍ جديد في حياتنا بكثير من البهجة والتفاؤل وانشراح الصدر وقليل من الوعي والفهم.

“الشمس بانت من بعيد، جاية ومعاها يوم جديد، يجعل نهارنا نهار سعيد، ساعة ما نور الصبح بان، وفتحت له كل البيبان، صبَّح عليا وع الجيران، وقال يا ألف نهار سعيد، يجعل نهارنا نهار سعيد”.

إنها أجمل أغنيات الصباح العامية الباعثة للأمل والتي كتبها الشاعر فتحي قورة ولحنها الموسيقار أحمد صدقي لتطربنا بها الفنانة شادية [1931-2017م] بصوتها العذب عام 1954، في فيلم “بنت الجيران”، والتي تشير ضمنيًّا إلى حالة التضامن المجتمعي آنذاك، وكيف كان الجيران أسرة واحدة متلاحمة وليس كما نرى الآن بعدما أصبح كل فرد يعيش في جزيرة منعزلة منفصلًا حتى عن أقرب الناس إليه!

ومنذ نهاية الخمسينيات قدَّم الثلاثي المرح (وفاء وصفاء وسناء) عدة أغنيات لاستقبال الصباح بكل ما فيه من إشراق بانشراح صدر وبكثير من البهجة  قبل الذهاب إلى العمل استبشارًا بالمستقبل العامر بالأمل. ومن هذه الأغنيات أغنية “صباح الخير صباح نادي”.

هذا بالإضافة إلى أغنية أخرى بعنوان “صباح الخير” وتقول كلماتها: “صباح كله محبة ونور.. صباح كله هنا وسرور.. لكل الناس صباح الخير”. كما قدَّموا معًا أيضًا أغنيات أخرى للصباح مثل: “ملو البدرية” من كلمات الشاعر مرسي جميل عزيز، و”اصحى يا ورد” كلمات الشاعر إبراهيم عاكف، و”يا مين يصحي لي العصفور” كلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى، وهذه الأغنيات من ألحان الموسيقار علي إسماعيل. ومن بين أغنياتهم المليئة بالبهجة والإشراق أغنية “صوت الكروان” كلمات علي زهران وألحان عطية شرارة، وأغنية “زرع الشراقي” كلمات فؤاد قاعود وألحان سيد مكاوي، وأغنية “يا صبح يسعد صباحك” كلمات فايز جعفر وألحان مدحت عاصم.

أما المطربة والممثلة “حورية حسن” [1932-1994م] فقد قدمت أغنية بديعة للصباح بعنوان “يا صباح كله هنا” من كلمات أحمد فؤاد شومان وألحان علي فراج.

“يا صباح كله هنا علينا كلنا، نوَّرت وجيت لينا بالسعد وبالمنى، آه يا صباح كله هنا كله هنا يا صباح كله هنا. الدنيا مُفرحة للي يضحك لها، وزهورها مفتحة بتغني كلها، على نورها صبَّحوا واتهنوا وافرحوا، على شان تضحك لينا يا صباح كله هنا علينا كلنا يا صباح كله هنا. الشمس نوَّرت والكون يا بهجته، والدنيا كبَّرت للمولى وقدرته، بيدبر أمرها وف ايدوا سرها، ويدبر رزقها، يا صباح كله هنا علينا كلنا. قوم متع النظر بالصبح وطلعته، والطير فوق الشجر والورد وصبحته، سبحان من صوره ويا مَحْلى منظره، بيفرح قلبنا يا صباح كله هنا علينا كلنا”.

وإلى جانب أغنيات الأفراح مثل “توب الفرح” و”زغرودة حلوة” التي اشتهرت بها المطربة والممثلة المصرية “أحلام” [1923-1997م] كانت هناك أغنية مميزة للصباح بعنوان “يا نسمة الصباح” من كلمات الشاعر إبراهيم رجب وألحان فؤاد حلمي.

أما الممثلة والمغنية اللبنانية “نازك” [1928-1999م] فلها أغنية مميزة عن الصباح بعنوان “نور الصباح محلاه” من كلمات محمد إسماعيل وألحان حسن أبو زيد.

“نور الصباح محلاه.. شقشق ولاح لي بهاه.. والقمري صاح الله.. نور الصباح محلاه. أنواره بتصبح ع الكون فتانة.. والنسمة بتتمرجح أزهاره نشوانة، والورد بيتمايل من حسنه فوق غصنه، ويشاغل ويغازل أنواره ومحاسنه.. نور الصباح محلاه. الأرض ينورها ويطوف بخياله ع الدنيا يصورها إنسان بجماله، يا صورة من الجنة ع الدنيا بتنور، ياغنوة بتتغنى يا آية بتتكرر، نور الصباح محلاه شقشق ولاح لي بهاه والقمري صاح الله .. نور الصباح محلاه محلااااااااه.”

“صبح الصباح محلاه والشمس جاية معاه، و كل شيء في الكون سبَّح بحمد الله” هي كلمات أنشودة الفنانة “نجاح سلام” التي كتبها الشاعر الغنائي فتحي قورة ولحنها الفنان كارم محمود. وهي أغنية ذات طابع ديني يتخللها الدعاء لله عز وجل.

“يا رب مالك شريك يا رب، والنعمة دي نعمتك، كل القلوب تناديك يا رب طمعانة في رحمتك، ياما غفرت ذنوب، ارضَ علينا وتوب، والوعد والمكتوب كله بأمر الله. خلقت ليل و نهار وشمس حلوة و قمر، و ميه تبقي أنهار فيها حياة البشر، تبارك الخلاق ومقسم الأرزاق إذا أراد أو شاء تفرج بإذن الله. سر الحياة في الكون تشهد على قدرتك، تقول له كن فيكون وتدبره بحكمتك، أمانة كل شروق تخلي قلبي يروق ولا تحوجه لمخلوق ويهتف بفضل الله صبح الصباح محلاه”.

وفي المقال القادم سنواصل استعراض أغاني الصباح التي ما زالت تبعث الأمل في النفوس، والتي تدعو إلى تأمل الطبيعة والتفكر في خالقها وإلى العمل من أجل كسب الرزق الحلال، والتي تؤكد لنا مدى حرص جيل كامل من الفنانين على تقديم كلمة ذات معنى وألحان لها بريق لا يخبو بمرور الوقت من خلال أصوات عذبة وشجية.

نيفين عبد الجواد

كاتبة وباحثة مصرية

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker