مختارات

فوز اليمين العنصري يؤسس لنهاية إسرائيل “1ـ2”

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة عُمان

حسين عبد الغني

 

 

 

من الناحية السياسية ربما يكون فوز اليمين العنصري المتطرف في إسرائيل بالانتخابات العامة قبل أيام بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة جديدة يرأسها نتنياهو دون أي تحالفات مع أحزاب وسط أو مع أحزاب عربية هو أسوأ تطور يواجهه الفلسطينيون في السنوات المقبلة.

ولكن من الناحية التاريخية فإن هذا التطور وما يمثله من سيطرة لليمين العنصري الداعي لتطهير عرقي للفلسطينيين ولترحيلهم خارج الخط الأخضر وإلي ضم احتلالي لمعظم مناطق الضفة الغربية وتحويلها إلي مستوطنات صهيونية مسلحة هو على المدى الطويل بمثابة بشرى تاريخية بأن إسرائيل تتحول تدريجيا وعلى مدى طويل إلى دولة غير قابلة للبقاء لفترة طويلة وأنها مثلها مثل أي نظام فصل عنصري ـ عرفته الإنسانية ـ مآله إلى زوال.

“انهيار الدولة” هو الوصف الذي أطلقته القوي الديمقراطية في إسرائيل عقب إعلان خبر فوز نتنياهو “35” وايتمار بن غفير “15” لوحدهما بخمسين مقعدا وفاز باقي أحزاب اليمين الديني والقومي المتطرف بخمسة عشر مقعدا ليصبحوا كمعسكر أيديولوجي واحد 65 مقعدا أي أغلبية في الكنيست الإسرائيلي المكون من 120 مقعدا.

وهذا وصف حقيقي وليس مجازا وليس تفكيرا بالامنيات؛ إذ أن هذا الفوز الساحق يعني أن الإنقلاب الذي لحق بالدولة الإسرائيلية منذ عام 1977 – بوصول حزب الليكود اليميني وزعيمه التاريخي الارهابي مناحيم بيجين إلي الحكم على حساب حزب العمل الذي قاد إسرائيل منذ نكبة تأسيسها ١٩٤٨ – قد اكتمل ليصبح المجتمع الإسرائيلي في أغلبيته الساحقة “ما يزيد عن ثلاثة أرباعه” يرى نفسه كقوة يمينية معادية “للأغيار” حسيب التعبير التوراتي و”الأغيار” هنا هم الفلسطينيون أو العرب والذين يستحل قهرهم عنصريا وطردهم من بيوتهم وأراضيهم والاستيطان فيها واعتقالهم وترحيلهم أو قتلهم في النهاية.

مناحيم بيجين
مناحيم بيجين

إسرائيل التي يحكمها اليمين بصفة متصلة منذ ٤٥ سنة “باستثناء سنوات قليلة تعد على أصابع اليد حكمت فيها الأحزاب الصهيونية العلمانية مثل إسحاق رابين وايهود باراك ولابيد” أصبحت معادية بشكل كامل للديمقراطية وتضع الهوية الدينية اليهودية للدولة فوق أي اعتبار حتى لو ضحت بكذبة أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة التي تعتنق القيم الليبرالية الغربية وأنها واحة الديمقراطية في صحراء من الاستبداد الشرقي والعربي وهي السردية الكاذبة التي منحتها على مدى 74 من عمرها مئات المليارات من المعونات ونقل التكنولوجيا المتقدمة من أمريكا والغرب ومنحتها الحماية العسكرية والقانونية ومكنتها من الإفلات من العقاب والامتناع عن تنفيذ كل القرارات الدولية الملزمة بخصوص القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة.

التفسير الوحيد لفوز اليمين المتطرف في هذه الانتخابات هو أن الإسرائيليين كرهوا الديمقراطية وفضلوا عليها الهوية الدينية والقومية المتعصبة، وأن غالبية المجتمع الإسرائيلي أصبح متطرفا يفضل النقاء العنصري والهوية اليهودية للدولة حتى لو قضي ذلك على النظام الديمقراطي.

ما يفعله هؤلاء هو إعطاء اليمين الحاكم تفويضا لتغيير النظام القضائي خاصة المحكمة العليا الإسرائيلية ليتسق مع قانون القومية خاصة وأن نتنياهو وبن غفير ومعسكر التطرف اعتبروا بعض أحكامها معرقلة لإطلاق يد المستوطنين والشرطة والجيش في اعتقال أو قتل الفلسطينيين على الهوية أو عرقلة الاستيلاء على أراضي ومصادرة بيوت أو تجميد النزاع القانوني عليها كما حدث في بعض وقائع بيوت حي الشيخ جراح بالقدس.

لم يكذب الرئيس الأسبق جيمي كارتر عندما قال إن إسرائيل “لا يمكن أن تظل دولة يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه إذا استمر احتلالها للأراضي الفلسطينية: فإما أن يتمتع سكان هذه الأراضي بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الإسرائيليون، بحيث لا تظل دولتهم يهودية بصورة أساسية؛ أو يتم حرمان هؤلاء السكان من هذه الحقوق، مما يعرض الطابع الديمقراطي لإسرائيل للخطر”.

جيمي كارتر
جيمي كارتر

وهذا هو ما يحدث الآن فإصرار الغالبية الساحقة من الإسرائيليين على يهودية الدولة يهزمه خسارة إسرائيل للصراع الديموغرافي في فلسطين التاريخية من غرب نهر الأردن إلى البحر المتوسط إذ أن السكان العرب في فلسطين 48 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلون 51% من السكان تقريبا ويشكل اليهود نحو 48% تقريبا والباقي أقل من ١٪ مجموعات غير يهودية وغير عربية. وتحولها هذه الخسارة الديموجرافية إلى أقلية عرقية أو دينية تعيش كقوة احتلال تقمع غالبية عرقية أخرى فتمنع لعرقيتها حقوقا تحرم منها العرقية الأكبر وتطبق على مواطنيها حقوق تحرم منها مواطني الأغلبية العرقية المحكومة بالاحتلال وبالسلاح وهذا هو تعريف الفصل العنصري بحذافيره حسب تعريف الأمم المتحدة. وصدق رئيس جنوب أفريقيا “رامفوزا” عندما لخص نظام الفصل العنصري الإسرائيلي العام الماضي قائلا”: «لا نملك إلا أن نصطف مع فلسطين فكل ما يمارس ضدهم يذكرنا بما تعرضنا له من نظام الفصل العنصري السابق”.

لا تستطيع إسرائيل وقد أصبحت نسخة كاملة القبح من نظام الأبارتايد السابق في جنوب أفريقيا قبل انتصار الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا عليه أن تنجو من مصير نظام بريتوريا العنصري حتى لو كان مازال رأي رئيس الولايات المتحدة جو بايدن “أنه لو لم تكن هناك إسرائيل لقمنا باختراعها في إشارة إلى الدور الوظيفي لإسرائيل في حماية المصالح الغربية ومصالح الرأسمالية العالمية في الشرق الأوسط”. الولايات المتحدة بكل جبروتها لم تستطع الحفاظ على التمييز العنصري ضد الأميركيين السود وأجبرها نضالهم المستمر على أن تخضع في الستينات وتزيل القوانين العنصرية بل وتسعى حتى لإدماج من تبقى من سلالة السكان الأصليين الذين تمت إبادة أغلبيتهم الساحقة “الهنود الحمر” داخل المجتمع الأمريكي. درس التاريخ يقول أيضا إن دول أوروبا الاستعمارية القديمة التي قامت بأكبر عملية للاستعباد العنصري باسترقاق لعبيد في أفريقيا ونقلهم إلى المزارع الشاسعة في العالم الجديد الأمريكيتين اضطرت منذ القرن التاسع عشر للتخلي عن الرق وتجريمه قانونا.

درس التاريخ واضح ويلخصه المؤرخ الإسرائيلي بني موريس: “ما تزال إسرائيل تطلق على نفسها اسم (دولة يهودية)، لكنَّ الوضع الذي نحكم فيه شعبًا محتلًا ليس له حقوق لا يمكن أن يدوم في القرن الحادي والعشرين”.

لكن درس الحاضر أهم وهو يقود إلى نفس النتيجة: إسرائيل كنظام فصل عنصري في الداخل يحرم 2 مليون عربي من حقوقهم وفي الضفة الغربية يحتل نصف مليون مستوطن ما يقرب من ٤ ملايين فلسطين هو إلى زوال. ماهي مكونات هذا الحاضر كما تبدت في آخر مواجهة بين الشعب الفلسطيني ملتحما بكل قواه في الخط الأخضر والضفة الغربية وغزة (معركة سيف القدس مايو 2021).

بني موريس
بني موريس

أ- الاتساع المتزايد لحركة وثقافة حقوق الإنسان خاصة عند الأجيال الجديدة وبالتحديد لمبدأ عدم التفرقة عندما يتم الانتهاك على أساس «الجندر» أو العرق أو الدين وكان انتهاك الإسرائيليين الوحشي لحقوق الإنسان مفزعا لدرجة صعب فيها إغماض العين مجددا وإعطاء إسرائيل ميزة الهروب المستمر من تحمل نتائج جرائمها ضد الفلسطينيين والتي وصفت من خلال يهود تقدميين بأنها أطول عملية تطهير عرقي عنصري في التاريخ.

‏ب- الدور المذهل لـ«السوشيال ميديا» في كشف الجريمة العنصرية لدولة الاحتلال ضد فلسطينيي الداخل والضفة ومجازر القتل والتدمير ضد المدنيين في غزة . هنا لعب الشباب الفلسطيني والعربي البديع في فلسطين والعالم العربي وفي المهجر دورا لا يقل أهمية عن المقاومين السلميين أو المقاومين العسكريين ليس فقط في نقل أحداث العدوان الإسرائيلي شرطته وجيشه ومستوطنيه لحظة بلحظة ووقت حدوثها ولكن أيضًا في إنتاج مواد عوضت عشرات السنين الضائعة من محاولات العرب شرح الحق الفلسطيني

ج- التأثير العظيم الذي أحدثته في الرأي العام الأمريكي خصوصا والدولي عموما حركة «حياة السود مهمة أو غالية»، إذ إن كل عناصر التفرقة العنصرية والتمييز على أساس الهوية التي كثفتها وأظهرتها عملية قتل فلويد في «مينيا بوليس» قبل عامين تقريبا هي ما تمارسه كل يوم وكل دقيقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

‏لقد أعادت حركة حياة السود غالية من قبل الأمريكيين الأفارقة الصلة التي كانت قد تقطعت أو وهنت بين حركتهم وبين حركة التحرر الفلسطيني وكانت عاملا حاسما في صورة التأييد المعنوي والأخلاقي العظيم الذي حازه الفلسطينيون في معركة العام الماضي

حياة السود مهمة وفلسطين
مظاهرات لتأييد فلسطين من مناصري حركة حياة السود مهمة

دون هذه التطورات ما كنا لنرى «نيويورك تايمز» تنشر وقتها صور ما يزيد عن 60 طفلا قتلتهم إسرائيل في غزة على صفحتها الأولى تحت عنوان «ذنبهم أنهم أطفال» أو فيديو لأحد أهم معلقي أمريكا السياسيين هو توماس فريدمان «بايدن قد يكون آخر رئيس ديمقراطي ينحاز لإسرائيل»، ما كنا لا نرى الصحف والإعلام الأمريكي يتحدث عن «تحول تاريخي» في مواقف ومشاعر فناني هوليود أكبر قوة ناعمة أمريكية وهي التي ساهمت أفلامها من قبل في الترويج لخرافة عودة الشعب اليهودي.

‏هل كنا لنرى في عواصم أوروبا وفي العديد من ولايات أمريكا هذه المظاهرات الشعبية الحاشدة بمئات الآلاف لنصرة فلسطين يتقدمهم رموز من وزن جيريمي كوربين وغيره؟

لم يعد نظام الفصل العنصري قادرا على الحياة أخلاقيا وكما أرغم التطور الأخلاقي بريطانيا العظمى وقتها على هزيمة السياسة والمصالح فتخلت عن الرق وكما أجبر أيضًا واشنطن على التخلي عن نظام بريتوريا العنصري تحت الضغط الشعبي وضغط الرأي العام العالمي ستجبر إسرائيل إما أن تتحول إلى دولة ديمقراطية غير يهودية متعددة ومتساوية الأعراق والأديان “طرح مفكرون فلسطينيون أنهم يقبلون بها” يحكم فيها الأغلبية والذين هم بفعل الزمن سيكونون العرب أصحاب فلسطين التاريخية الحقيقيين كما تحكم حاليا الأغلبية الأفريقية دولتي جنوب أفريقيا وناميبيا وليس المستوطنين البيض أم سيكون محكوما عليها بالزوال في خاتمة المطاف كما زالت كل النظم العنصرية السابقة في التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock