رياضة

مواجهات الشمال والجنوب في المونديال.. مفاجآت تنبئ عن عهد جديد

شهد العُرس المونديالي المقام حاليا في العاصمة القطرية الدوحة، عددا من النتائج غير المتوقعة، والتي اعتبرها البعض بمثابة زلزال في عالم كرة القدم.. أعاد إلى الأذهان الفوز التاريخي الذي حققه المنتخب الأمريكي الذي لم يكن في يوم أحد الكبار في عالم كرة القدم، على إنجلترا – مهد كرة القدم- في مونديال 1950، بالبرازيل بهدف دون مقابل.. ولم يكن أكثر المتفائلين الأمريكيين يطمح حتى إلى التعادل.. كانت أولى هذه النتائج المزلزلة في مونديال قطر فوز المنتخب السعودي صاحب المشاركات العديدة في البطولة والنتائج المتباينة وإحدى أكبر هزائم التاريخ المونديالي أمام ألمانيا بالثمانية في مونديال كوريا واليابان 2002، على أحد أهم المرشحين لنيل اللقب، وأحد القوى العُظمى في عالم كرة القدم، صاحب التتويج العالمي مرتين على أرضه في 1978، وفي المكسيك1986، المنتخب الأرجنتيني الذي يقوده في قطر، نجم نجوم العالم الأسطورة ليونيل ميسي.. شهد شوط المباراة الأول هجوما كاسحا لراقصي التانجو أسفر عن هدف من ضربة جزاء وثلاثة أهداف ملغاة، وعدم وصول تسديدة سعودية واحدة للمرمى الأرجنتيني طوال الشوط، ما أكد أن السعوديين لا يثقون كثيرا في قدراتهم الهجومية، ويسألون الله السلامة من بطش ميسي ورفاقه.

في الشوط الثاني تبدّل الحال على غير المتوقع بعد أن تحولت الثقة المفرطة في الفوز لدى لاعبي الأرجنتين إلى حالة من الاستهتار والغرور، بينما استطاع المدير الفني الألماني للفريق السعودي هيرفي رينار استنهاض الهمم بين الشوطين، بعد فاصل من التقريع الشديد، لتحدث المفاجأة بإحراز الأخضر لهدفي التعادل والتقدم في دقائق معدودة قبل انقضاء عشر دقائق من انطلاق الشوط الثاني، آمن لاعبو الأخضر بقدرتهم على تحقيق الفوز، فدافعوا باستماتة عن مرماهم، وامتلكوا زمام الأمور وأنهوا المواجهة منتصرين.

ثم كانت مواجهة أسود أطلس مع بلجيكا المصنف الثاني عالميا، وأحد أهم المرشحين للبطولة، وكان الفوز بهدفين نظيفين حليف أبطال المغرب الذين فرضوا شخصيتهم منذ البداية على رفاق دي بروين المتغطرس الذي لم يستطع فعل شيء أمام حالة الانهيار التي بدت على رفاقه، والأداء القوي الراسخ من المنتخب العربي الذي أكد أن الأمر ليس كما يصوره البعض، بين المستويات، وأنها فوارق تحسب بالسنوات الضوئية.. بل هو في الحقيقة إدراك لنقاط القوة الكامنة في الشخصية العربية المتمتعة بالقدرة والخيال والفتوة، في مواجهة قوى أوروبا العجوز التي تزحف نحو الأفول بعد دخولها في شتاء طويل.

ويؤكد نسور قرطاج هذا التفوق بفوز كبير على حامل اللقب بهدف دون رد، وكان لهذا الانتصار فرحة غامرة ربما غطت على غُصة الخروج من الدور الأول.. ولم يخل الأمر من غرور الديك الفرنسي ديديه ديشامب المدير الفني الذي بدأ بنجوم معظمهم من الصف الثاني، ثم حاول استدراك الأمر بعد منتصف الشوط الثاني بتغييرات شملت نزول رابيو وكليان وجريزمان، لكن وهبي الخزري كان قد أنهى الأمر في الدقيقة الثامنة والخمسين بكرة اخترق بها الدفاع الفرنسي بمهارة قبل أن يضعها أرضية على يسار ستيف مانداندا أثناء خروجه لملاقاته.

ثم كان التألق الكاميروني والفوز على البرازيل بهدف دون رد أحد أكبر مفاجآت المونديال؛ رغم الخروج الكاميروني من الدور الأول إلا أن الأداء كان مرضيا خلال المباريات الثلاث التي خاضها الأسود.

وكان المنتخب الياباني قد تصدر مجموعته بعد فوزين على المنتخب الالماني والإسباني بنتيجة واحدة بهدفين لهدف، في ما اعتبر من أكبر مفاجآت البطولة؛ ليودّع الألمان البطولة العالمية من الدور الأول للمرة الثانية على التوالي.

ولعل تلك النتائج غير المتوقعة تعطينا عددا من المؤشرات التي علينا أن ننتبه لها أهمها أنه في عالم كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية في العالم، والتي تدار من خلال التجارة الأكثر رواجا في العالم، بقيمة إجمالية تتجاوز عدة مليارات من الدولارات- لا توجد قواعد ثابتة لا يمكن تحطيمها، كما أن هناك العديد من الأمور المستقرة في هذا العالم باتت تحتاج إلى مراجعة، فالقوى الكبرى في عالم كرة القدم تتعرض لهزات شديدة ربما تفسح المجال لبروز قوى أخرى قادرة على التحدي.. كثير مما يتعلق بالساحرة المستديرة هو إرث يمكن البناء عليه أو الخلاص منه، حسب ما تقتضي الحاجة.. هناك قوى كبرى انتهى زمنها بالفعل مثل المنتخب الألماني، ولا يتوقع له العودة للمنافسات في القريب، ليدخل في حالة أشبه بالتي دخلها الإنجليز منذ فوزهم المريب بالبطولة على أرضهم عام1966، وكذلك المنتخب الإيطالي صاحب الكؤوس الأربعة الذي كرر غيابه عن المونديال هذا العام.

المنتخبات الأوروبية بشكل عام لم تقدم مستويات جديدة، بينما بدت الكرة العربية والأسيوية والإفريقية أكثر حيوية، نتيجة لظروف عديدة منها الأرض وحالة الجو، لا يمكن إنكار ذلك.. لكن ما لم يمكن غض الطرف عنه، هو الانضباط الخططي والتوظيف الجيد للإمكانات في ظل وجود عدد من الأجهزة الفنية الوطنية، لا يخفى على أحد ما حققته من تحوّل في طرق اللعب وإيجابية الأداء.

بالأمس بدأت مواجهات الدور الثاني دون مفاجآت بفوزين لمنتخبين من القوى التقليدية (هولندا والأرجنتين) على فريقين من الصف الثاني (أمريكا وأستراليا) بينما ستشهد الليلة مواجهة منتظرة بين السنغال المنتخب الإفريقي الطامح أبناء سيسيه الملقب بأسود التيرانجا، وإنجلترا منتخب الأسود الثلاثة المتعطش لاستعادة الأمجاد الغائبة منذ أكثر من نصف قرن، بينما يلتقي أسود أطلس مساء الأربعاء القادم نظيره الإسباني في مباراة تحمل الكثير من المرارة على خلفية إصرار الإسبان على احتلال مدينتي سبته ومليلة المغربيتين.. صعود المنتخبين الإفريقيين في هاتين المواجهتين سيؤكد إلى حد بعيد أن شيئا ما في عالم كرة القدم قد تغير.. ربما إلى غير رجعة.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock