رؤى

دوافع زيارة الرئيس السوري.. إلى سلطنة عُمان

زار الرئيس السوري بشار الأسد، الاثنين 20 فبراير، سلطنة عُمان.. زيارة عمل التقى خلالها السلطان هيثم بن طارق. وأشار بيان للرئاسة السورية إلى أن المحادثات “تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، ومجالات التعاون المشترك، حيث اتفق على تعزيز التعاون الثنائي والنهوض به في كافة المجالات”. ورغم أن الزيارة، صنفت “زيارة عمل”، وجاءت مُفاجئة بالنسبة إلى العديد من المتابعين للشأن السوري؛ إلا أنها من حيث التوقيت، تأتي لتحمل أكثر من دلالة، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، والأهم على مستوى ما تُمثله سلطنة عُمان، بالنسبة إلى سوريا، من “بوابة خليجية” إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ومنها إلى الدائرة العربية الأوسع.

أسباب مُتعددة

اللافت أن زيارة الأسد وإن كانت تتزامن مع الوضع الحرج والحساس، الذي تمر به سوريا من تبعات الزلزال المُدمر الذي ضرب مناطقها الشمالية؛ إلا أنها تأتي استنادًا إلى عددٍ من الأسباب الرئيسة، التي تؤثر على توجهات البوصلة السورية إلى سلطنة عُمان تحديدًا، في مثل هذا التوقيت.

ولعل أهم هذه الأسباب.. يبدو كما يلي:

أولًا: محاولة إيجاد تقارب خليجي عربي تجاه سوريا؛ إذ إن عُمان مثلت في هذه الزيارة الوجهة السورية المناسبة، لخلق تقارب خليجي عربي تجاه سوريا، وطي صفحة الخلافات السابقة، أو التخفيف من حدتها على الأقل، ومحاولة بناء سياسات جديدة تجاه الدولة السورية، خاصة بعد كارثة الزلزال، فتكون “المصالحة عبر البوابة الإنسانية”. ولعل الدافع إلى التقارب الخليجي عبر البوابة العُمانية، يأتي من منظور أن سلطنة عُمان كانت سياستها مُغايرة لكثير من دول المنطقة العربية في الشأن السوري.

وكانت وجهة النظر العُمانية، تعتمد على أن ما يحدث في الداخل السوري، هو شأن سوري داخلي ولابد من حله عبر البيت العربي؛ لذلك، لم تقطع عُمان علاقاتها مع الحكومة السورية، وظلت سفارتها مفتوحة في دمشق، مثلما أن السفارة السورية ظلت مفتوحة في مسقط. ومن ثم، لم تتغير بوصلة العلاقات العُمانية السورية بسبب الأزمة؛ وهي المُعطيات التي اعتمد عليها الرئيس السوري في زيارته إلى سلطنة عُمان.

بل إن دمشق تترقب أيضا تحقيق منافع اقتصادية من خلال الشراكة الدبلوماسية مع عُمان، التي يمكن أن تؤدي دور “القناة الخلفية” التي تربط دمشق ودول مجلس التعاون الخليجي؛ ففيما يفتقر الحليفان الرئيسيان لسوريا، روسيا وإيران، إلى الإمكانات اللازمة في الوقت الراهن للمساعدة في عملية إعادة الإعمار، ترى دمشق أن الدول الخليجية،  مثل الإمارات والسعودية، تمتلك الموارد الضرورية للاستثمار في إعادة إعمار البلاد.

ثانيًا: التنسيق السياسي بين النظام السوري والغرب؛ فالقيادة العُمانية تعتبر أن إعادة إرساء الاستقرار في سوريا، تتطلب الحفاظ  على علاقات مثمرة مع النظام في دمشق. ولكن، خطوات عُمان الدبلوماسية هذه قد تُثير الحذر في  واشنطن؛ خاصة أن قانون قيصر الأمريكي قد يُشكل تحديًا للسلطنة، في ما تسعى إليه من المُساعدة على إعادة الإعمار في سوريا.

بهذا المعنى، فإن عُمان، شأنها في ذلك شأن الإمارات ودول أخرى، تعمل على استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق؛ هذا في الوقت الذي سوف تقيس فيه خطواتها في سوريا بحذر، تجنبًا لانتهاك بنود العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر.

وبالنظر إلى الأمام، وفي حين أن معظم الحكومات الغربية ليست جاهزة للانخراط دبلوماسيًا مع النظام في دمشق، بصورة مباشرة؛ لذا فبإمكان سلطنة عمان أن تستمر في أداء دور الوسيط، الذي يُسهل التواصل بين سوريا والغرب. وبما أن السلطنة لا تحمل أعباءً كثيرة في علاقاتها الخارجية، فمن شأن تأثيرها المتنامي في سوريا، أن يجعل منها لاعبًا سياسيًا ذا أهمية متزايدة، في عملية إعادة دمج دمشق في العالم العربي والمجتمع الدولي.

ثالثًا: تنشيط التعاون والتبادل التجاري بين الجانبين؛ إذ ضمن أهم الأسباب الدافعة لزيارة الأسد إلى عُمان، تأتي محاولة تنشيط التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري؛ وهي خطوة تأتي تتويجًا لعدد من الخطوات السابقة، التي تحاولها الحكومة السورية في هذا الإطار. فمنذ أكثر من 6 أشهر، في 2 أغسطس الماضي، 2022، أصدر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، محمد سامر خليل، قرارًا يقضي بتشكيل “مجلس الأعمال السوري العُماني”؛ ووفق ما ذكر بيان مقتضب للوزارة، فإن المجلس “يهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص، والاستفادة من إمكاناته في تطوير العلاقات الاقتصادية بين سوريا وسلطنة عُمان، في مجالات التجارة والاستثمار والصناعة والزراعة”.

وقد أوضحت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، في تغريدة على موقع “تويتر”، في 20 فبراير الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وسوريا، بلغ نحو 5 ملايين ريال عُماني. أما صحيفة عُمان، فقد أشارت، في 24 أغسطس 2019، إلى البيانات التي أعدتها دائرة البحوث والدراسات الاقتصادية، بغرفة تجارة وصناعة عُمان، حول التجارة الخارجية بين البلدين، خلال السنوات “2012-2017″؛ تلك التي تؤكد على تراجع صافي الميزان التجاري بين السلطنة وسوريا، من 9.7 مليون ريال عُماني في عام 2012، إلى 1.4 مليون ريال عُماني في عام 2017.

رابعًا: الدفع في اتجاه زيادة الاستثمارات العُمانية؛ في ما يتعلق بالاستثمارات بين البلدين، بحسب الأرقام التي ذكرتها صحيفة عُمان، نقلا عن غرفة تجارة وصناعة عُمان، فإن النظرة السريعة لبعض المؤشرات الاقتصادية السورية، تُشير إلى أن إجمالي حجم الاستثمارات في المشروعات المشتركة بين البلدين، في السلطنة، حتى عام 2019، بلغ 22.4 مليون ريال عُماني، منها 11.5 مليون ريال عبارة عن المُساهمة السورية وبنسبة 51 %، فيما النسبة الباقية للعُمانيين. وقد استثمرت هذه المبالغ في حوالي 122 شركة، العدد الأكبر منها يعمل في مجال التجارة، بواقع 73 شركة، تليها الشركات العاملة في مجال الإنشاءات، بواقع 22 شركة، ثم تليها بقية الشركات الأخرى، التي تعمل في مجالات الخدمات والصناعة والعقارات.

تعاون مستقبلي

في هذا السياق، يمكن القول بأن دلالات التوقيت في زيارة الرئيس السوري لسلطنة عُمان، وإن كانت تكمن في حساسية الوضع السوري، خاصة بعد تعرض مناطقها الشمالية إلى زلزال مُدمر؛ إلا أنها تأتي كمحاولة في اتجاه “التعاون المستقبلي” بين الجانبين، لإيجاد صيغ تقارب سوري خليجي عربي، عبر البوابة الإنسانية التي تحتاجها سوريا راهنًا؛ وذلك من منظور أن سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة التي لم تقم عمليًا بأي تحرك دبلوماسي ضد دمشق، منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أكثر من عقد من الزمان.

أيضًا، تأتي هذه الزيارة وسط إشارات متزايدة على توجهات عربية لإعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، في مقدمتها التوجهات الإماراتية، التي تسعى إلى أداء دور أكبر في مساعدة سوريا، على الاندماج من جديد في “الحاضنة” الدبلوماسية العربية الأوسع.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock