ثقافة

عبد الفتاح مصطفى.. شاعر الروائع الدينية الخالدة (1)

عبد الفتاح مصطفى.. اسمٌ ارتبط بأعمال غنائية خالدة، ذات بصمة تحمل أصالة حي الجمالية الذي وُلد ونشأ فيه، وتفوح بعبق الحضارة التي صنعها شعب لم تقهره المعاناة، مثلما لم يُحطِّم معنوياته الغزاة، فكان إبداع أبنائه دليلًا على استمرار تجدد الحياة في أوصاله، والتي سيظل نبضها ساريًا، ما دام هناك أمل فيما هو أجمل وأفضل.

بداية الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى، مع أول أغنية كتبها خصيصًا للإذاعة المصرية، كانت عام 1939، عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وكانت تلك الأغنية عن الفلاح وتقول كلماتها العامية البسيطة: “اِحرِت واعزق واتعب واعرَق، مين أحسن من الكادح بإيديه، من فيض خيره عايش غيره ولا حدش أبدًا خيره عليه…”.

لم يكن غريبًا على ذلك الصبي اليافع ابن الشيخ الأزهري مصطفى الغمراوي، الذي تولت أمه تربيته بعد وفاة والده وهو في سن صغيرة، أن يهتم بالتعبير عن حال الفلاح المصري في زمن الإقطاع؛ إذ كانت الكتابة هي الطريق الذي سلكه شاعرنا، الذي درس فيما بعد في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم تخرج فيها عام 1952، ليحصل بعد ذلك على دبلوم في الشريعة الإسلامية عام 1954، وإلى جانب عمله في الشهر العقاري، ثم مستشار قانوني للمؤسسة المصرية العامة للإسكان كانت الكتابة هي المتنفس لموهبة عبد الفتاح مصطفى منذ صباه، وحتى آخر أيامه سواء كانت شعرًا عاطفيًّا أم دينيًّا أم وطنيًّا. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على روائع الشاعر عبد الفتاح مصطفى الدينية.

في البداية.. تعاون الشاعر عبد الفتاح مصطفى، مع الملحن أحمد صدقي في أغنية للصباح، بعنوان (الصباح النادي)، واستمر ذلك الثنائي في تقديم الصور الغنائية الشهيرة، التي تُعَدّ من كنوز الإذاعة المصرية مثل: البرنامج الغنائي (عوف الأصيل) الذي غنى فيه عباس البليدي، بالاشتراك مع الفنان كارم محمود.. ومن خلاله قدّم أغنيته الشهيرة يا حلو ناديلي، وكذلك البرنامج الغنائي (العين والعافية) الذي اشترك فيه بالغناء محمد قنديل وإبراهيم حموده وكان كلا العملين من إخراج أنور المشري. وهناك أيضًا الصورة الغنائية (أم شناف) وهي عن حقبة المماليك، ومن غناء محمد قنديل ونجاة الصغيرة وعصمت عبد العليم، وتضمنت الأغنية الشهيرة طاير يا حمام. ومن وحي البادية تعاون أيضًا عبد الفتاح مصطفى مع الموسيقار أحمد صدقي في الصورة الغنائية (راوية) من غناء شافية أحمد وكارم محمود.

أما عن استقبال رمضان؛ فقد لحن أحمد صدقي للشاعر عبد الفتاح مصطفى البرنامج الغنائي (فرحة رمضان) والذي تضمن أغنية (قيدوا الفوانيس قيدوا من طلعته ليوم عيده) للمطربة شافية أحمد، وكذلك أغنية (والله زمان يا رمضان) للمطربة فاطمة علي.

وفي ذكرى مولد الرسول – صلى الله عليه وسلم- كتب الشاعر عبد الفتاح مصطفى البرنامج الغنائي (الموْكب) وهو أيضًا من ألحان الموسيقار أحمد صدقي وغناء محمد قنديل وحورية حسن ونازك والشيخ محمد الفيومي.

ومن ألحان موسيقار القصائد الدينية رياض السنباطي غنت كوكب الشرق أم كلثوم عام 1962، قصيدة عبد الفتاح مصطفى (تائب) التي يقول فيها: “تائب تجري دموعي ندمًا، يا لقلبي من دموع الندم، ليتني ذُبت حياءً كلما جدَّد العفو عطاء المنعم … قد زهدت الإثم شوقًا للسلام، أين ظل الله من طيف الحُطام؟ أين نور الحق من وهم الظلام؟ أشرقت روحي فذابت نغمًا، وصفا قلبي صفاء المُلهَم، يا إلهي شاقني هذا الوجود، تلك دنياك فما بال الخلود؟ عزَّ قدْري بك في ذُل السجود، أنت إن ترضى كفاني مغنمًا، ليس بعد الله لي من مغنم”.

ومن أهم ما أبدع الشاعر عبد الفتاح مصطفى، بالتعاون مع الملحن عبد العظيم محمد، لشهر رمضان أغنية (والله لسه بدري يا شهر الصيام)، وهي من أكثر الأغنيات شعبية والأوفر إذاعة؛ خاصة في النصف الثاني من شهر رمضان منذ صدورها في عام 1960، وذلك بسبب كلماتها التي تمس القلوب ولحنها المميز، خاصة المقطع الأخير منها والذي تقشعر له الأوصال وتنشده المطربة شريفة فاضل بإحساس مفرط وتقول فيه: “بتحلِّف يتيمك ما تلمح دموعه، وتسُره بقدومك وتنور شموعه، وتسيب له في وداعك فوق الأرض عيد، يا هالل بفرحة ومفارق بفرحة”.

كما أنشدت شريفة فاضل للثنائي عبد الفتاح مصطفى وعبد العظيم محمد  أنشودة (يا سامع الدعوات)، وغنت لهما أيضًا المطربة المصرية أحلام أنشودة (تسابيح)، هذا بالإضافة إلى ابتهال (يا إلهنا) للمطربة زينب يونس.

ومن ألحان سيد مكاوي أنشد الفنان محمد قنديل من كلمات الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى الأنشودة الدينية (لا إله إلَّا الله). أما المطرب إسماعيل شبانة فقد أنشد لمصطفى أغنية (التوبة في رمضان) التي تتميز بكلمات عامية غاية في البساطة: “يا بخت مؤمن عزم عالتوبة في رمضان، وأحيا ليله بنور الطاعة والقرآن”.

كما أنشدت له المطربة فايزة أحمد أغنية لشهر رمضان من ألحان الفنان محمد فوزي بعنوان (كريم المعاني يا شهر الصيام)، والتي تتميز في بدايتها بذكر الشاعر المبدع عبد الفتاح مصطفى، لليتيم معبرًا عن تأثير شهر رمضان في نفسه، خاصة وأنه عاش ذلك الشعور فكان تعبيره عنه تعبيرًا صادقًا ومؤثرًا، وهو ما كان واضحًا أيضًا في أغنية المطربة شريفة فاضل لتوديع شهر الصيام. فكان بذلك عبد الفتاح مصطفى هو الشاعر الذي تفرَّد بالتعبير عن مشاعر كل طفل يتيم سواء عند استقبال شهر رمضان أو في وداعه.

“كريم المعاني ودايمًا كريم، روايحك بشاير وفرحة ونعيم، وأنوار هلالك وبدْرك وقدْرك، بشارة لنور ابتسام اليتيم يا شهر الصيام، حبيب الطفولة بغنوة وفانوس، وكُلك معاني وكُلك دروس في مدفع فطورك وطبلة سحورك بيوحد شعورنا وتهدي النفوس يا شهر الصيام …”.

وللحديث بقية عن أهم أعمال الشاعر عبدالفتاح مصطفى الدينية.

نيفين عبد الجواد

كاتبة وباحثة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock