فيما اعتبره البعض ارتفاعا جنونيا لم تشهده البورصة المصرية منذ نحو عقدين.. صعد المؤشر الرئيس إلى مستوى يقارب الـ24 ألف نقطة.
فمع بداية التعاملات صباح أمس الخميس- اخترق المؤشر الرئيسي للبورصة “EGX30” مستوى 22 ألف نقطة لأول مرة في تاريخه مرتفعا بنسبة 4.95%؛ بتداولات بلغت قيمتها 5.3 مليار جنيه (171 مليون دولار تقريبا)، وهي أعلى قيمة تداولات – بدون صفقات كبيرة الحجم- مقوّمة بالجنيه المصري في تاريخ البورصة المصرية؛ لتصل مكاسب المؤشر الرئيسي إلى 51% منذ بداية العام الجاري.
على إثر ذلك.. ارتفعت القيمة السوقية للأسهم المصرية بنحو 59 مليار جنيه بنهاية تعاملات يوم الخميس؛ لتصل إلى 1.504 تريليون جنيه.
بلغ عدد المتعاملين في هذا اليوم الاستثنائي حوالي 25 ألف عميل في جلسة واحدة لأول مرة.. تجاوزت تعاملاتهم الـ3 مليارات جنيه.
أرجع البعض هذا الارتفاع الكبير إلى تحوّط المستثمرين المصريين من خفض جديد لقيمة الجنيه، مع بلوغ التضخم إلى معدلات غير مسبوقة.. كانت مصر قد دخلت في محادثات مع صندوق النقد -على هامش اجتماعات مراكش- لرفع قيمة برنامج الإنقاذ الخاص بها إلى أكثر من 5 مليارات دولار، مع توقعات بإجراء مراجعتي البرنامج المؤجلتين قبل انقضاء العام الحالي.. وهو ما أعطى دفعة أخرى للأسهم المصرية حسب محللين ماليين.. بينما ذهب آخرون إلى أن “ما يحدث بالسوق طبيعي جدا” بسبب حالة الكبت التي سيطرت على السوق خلال الفترة السابقة.
وفي محاولة منها لتوفير بعض احتياجاتها من العملة الصعبة.. أعلنت مصر أنها بصدد رفع رسوم المرور من قناة السويس بدءا من منتصف يناير المقبل.. الزيادة المتوقعة ستتراوح بين 5% و15% حسب حمولة السفينة ونوعية الخامات أو البضائع المُحمّلة.
كانت مصر قد رفعت رسوم عبور القناة مطلع العام الحالي “بمقدار 15% لجميع أنواع السفن، و10% على سفن الصب الجاف والسفن السياحية”.
تتوقع مصر وصول إيرادات قناة السويس إلى 10.3 مليار دولار خلال عام 2023 ارتفاعا من 8 مليارات دولار في العام الماضي، وهي التوقعات التي تفوق توقعات صندوق النقد الدولي، الذي يقدّر إيرادات القناة بحوالي 9 مليارات دولار بحلول عام 2027.
في السوق الموازية سجل الدولار الأمريكي أمس الخميس أعلى سعر له على الإطلاق عند مستوى 43.69 جنيه، بينما ظل سعره الرسمي 30.9 جنيه للدولار في البنك المركزي.
وقد توقع بنك “HSBC” الأسبوع الماضي خفضا بنحو 25% للجنيه أمام الدولار خلال العام المقبل ليصل إلى 37.5 جنيه للدولار.
فيما صرّح محللو بنك “مورغان ستانلي” أن احتياجات مصر التمويلية خلال العام القادم قد تتجاوز حاجز 24 مليار دولار.
وحسب موقع العربية- فإن مصر تواجه عددا من المخاطر المتزايدة، سواء في معالجة الاحتياجات التمويلية والمطالبات الضخمة لأقساط وفوائد الديون خلال العامين المقبلين.
وأضاف الموقع أن ما حدث أدّى إلى ارتفاع عقود مبادلة مخاطر التخلف عن السداد، والتي تعرف باسم CDS بالقرب من أعلى مستوياتها التاريخية عند 1850 نقطة، وبفارق بسيط عن أعلى مستوى وصلت إليه في مايو الماضي والبالغ 1945 نقطة.
ويبدو أن تداعيات الوضع المتأزم تتلاحق بوتيرة أسرع إذ خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية مساء أمس الجمعة، تصنيفها الائتماني لديون مصر السيادية طويلة الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية إلى “-B” من “B”، برؤية مستقبلية مستقرة، بينما حافظت على تصنيف الديون السيادية قصيرة الأجل عند “B”.
وحسب موقع الشرق بلومبيرغ فقد جاء تقرير الوكالة متضمنا تفسيرا للرؤية المستقبلية المستقرة للتصنيف الائتماني بأنها ترجع إلى التوازن بين المخاطر المتمثلة في احتمال عدم قدرة الحكومة المصرية على تمويل عمليات سداد الديون الخارجية المرتفعة أو معالجة نقص العملة الأجنبية في البلاد، وبين إمكانية تسريع الإصلاحات النقدية والاقتصادية الرئيسية التي من شأنها أن تساعد في سد فجوة التمويل الخارجي الكبيرة في مصر.
ومع استمرار العدوان الوحشي الصهيوني على قطاع غزة.. ورفض مصر أي حلول للأزمة ترتكز على فكرة ترحيل أهالي القطاع إلى سيناء، ووقوف مصر أمام تعنت الكيان المؤقت بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع- برز دور مصر مجددا بوصفها لاعبا محوريا في الصراع الأقدم والأهم في الشرق الأوسط.. خاصة مع تنامي الغضب الشعبي في الشارع المصري منذ بدأ الأحداث.. ولكن تبعات ذلك ربما تزيد الوضع صعوبة، بارتفاع أسعار الطاقة، وتأثر عائدات السياحة.
لقد أكدت تداعيات الأزمة المتفاقمة على مدى أكثر من ثمانية أشهر، أن الحلول التي استعانت بها الحكومة المصرية لم تكن على درجة كبيرة من الجدوى، كما أن الالتزام بنصائح صندوق النقد الدولي لم تزد الأمر إلا سوءا، ما يؤكد أن مصر -خاصة في ظل الوضع الإقليمي المتوتر- تحتاج إلى رؤى اقتصادية أكثر عمقا وفاعلية وتأثيرا على المدى القريب.. ومصر لم تعدم أبدا تلك الكفاءات الاقتصادية المتميزة في أي وقت.. فقط علينا أن نوسع مجال رؤية الإصلاح الاقتصادي ليشمل أهل الاختصاص الأكفاء أيضا.. وهذا ليس بالصعب أو العسير.