رؤى

انخفاض الدولار خمسة جنيهات في السوق الموازية.. هل يُمهِّد لتعويم قادم؟

بعد وصوله لنحو من 51 جنيها في السوق الموازية، تراجع الدولار أمس إلى 46 جنيها، قبل أن يعاود صعوده إلى حوالي 48 جنيها.. ما أحدث قلقا شديدا واضطرابا لدى المتعاملين بالدولار في مصر.. خاصة المضاربين.

أرجع البعض ذلك إلى أن الحكومة تُمهِّد بهذا الخفض للتعويم القادم الذي أرجئ كثيرا، بعد مطالبات المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي- بسعر أكثر مرونة لصرف الجنيه، في حين حافظت الحكومة المصرية على سعر رسمي ما دون 31 جنيها للدولار، بعد تصريح سابق لرئيس الدولة منتصف يونيو الماضي؛ بأن مسألة سعر الصرف باتت تمثل أمنا قوميا لتأثيرها المباشر على أسعار السلع الأساسية التي تمس حياة المصريين.. رغم ذلك فقد شهدت المدن المصرية معدلات تضخم غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 36%، على أساس سنوي.

وفي محاولات أخرى لفهم ما حدث ذهب البعض إلى أن هذا الانخفاض ربما يرجع للجوء الحكومة إلى جمع الدولار من السوق الموازية -كان الرئيس المصري قد صرح سابقا بحدوث ذلك- في محاولة لضبط السوق الذي تعامل خلال الفترة الماضية مع أربعة أسعار للدولار، هي السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية.. والمرتبط بسعر الذهب، بالإضافة إلى سعر شهادات الايداع (GDR) التابعة لبنك (CIB) في بورصة لندن، حيث وصل سعر الدولار إلى 58 جنيها.. فسر البعض تراجع الدولار بنحو خمسة جنيهات، ثم صعوده بنحو جنيهين أمس الخميس على أنه محاولة لهز الثقة في السوق الموازية؛ بهدف دفع المضاربين لبيع الدولار؛ خوفا من تراجع كبير في سعره.. لكن استجابة المضاربين لمثل هذه الهزات (الاختبارية) نادرا ما تحقق الهدف منها؛ لأن أسباب الانخفاض إن لم تكن واضحة وقوية؛ فإن المضاربين يلجئون في هذه الحالة إلى تجميد السوق (لا بيع ولا شراء).

من المحتمل أيضا أن تكون الحكومة قد بدأت بتنفيذ خطة لمواجهة حالة الفوضى في سعر الدولار، وذلك بتوفير الدولار لكبار التجار والمستوردين بالسعر الرسمي مع إضافة عمولة تدبير قد تصل إلى 20% ليصل سعر الدولار إلى نحو 38 جنيها، مع مطالبة المستوردين والتجار بإمهال الحكومة فترة لتنفيذ ذلك.. ما يُبْقِى المضاربين وحدهم في السوق الموازية، وفي هذه الحالة يكون من السهل التعامل معهم والحد من الآثار السلبية لتداول الدولار خارج الإطار الرسمي على السوق.. ويشير بعض المحللين أيضا إلى أن الارتفاع الكبير في سعر الدولار وتجاوزه لحاجز الخمسين جنيها، لم يكن نتاج معطيات واقعية؛ بل كان جزءا من اختبار مدى قدرة السوق على التعامل وفق هذا السعر (المبالغ فيه) مع احتفاظ الحكومة بخيارات متعددة، وصولا إلى سعر معقول للتعويم القادم، لا يتجاوز 40 جنيها على أقصى تقدير.

كانت الإمارات قد جددت وديعة بمقدار مليار دولار لدى البنك المركزي المصري لمدة ثلاث سنوات خلال نوفمبر المنقضي، وكانت الكويت قد سبقتها في نفس الشهر بتجديد وديعة بأربعة مليارات دولار على شريحتين، تنتهي الأولى وهي بقيمة مليار دولار في إبريل القادم، وتنتهي الثانية في سبتمبر عام 2024، وتتوزع الودائع لدى المركزي إلى 5 مليارات للإمارات و5 مليارات للسعودية و4 مليارات للكويت و4 مليارات لقطر ونحوٍ من مليار دولار لليبيا.

كان عجز صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية قد بلغ 27.12 مليارا في أكتوبر الماضي بارتفاع بلغ 1.2% على أساس شهري وفقا للسعر الرسمي؛ حسب أحدث البيانات الرسمية.

وكان العجز قد تحوّل إلى قيمة سالبة بداية من فبراير 2022، تزامنا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي محاوله منه لتوفير احتياجات الحكومة من الدولار، وعدم تبديد المتاح من العملة الصعبة.. في غير المعاملات القانونية – تحرك البنك المركزي على عدة جبهات لوقف تسرُّب الدولار من داخل البلاد إلى خارجها، إذ أصدر المركزي تعليماته للبنوك العاملة في مصر بوقف تفعيل بطاقات الائتمان للمصريين عند الشراء بالدولار من داخل مصر، وهو ما يُعدُّ مخالفة لقانون البنك.

كما شدد البنك على ضرورة إبلاغه بأسماء الشركات التي تفرض على عملائها الدفع بالدولار داخل مصر لاتخاذ الموقف المناسب حيالها.

تأتي تلك المتغيرات الاقتصادية وقد بدأت فعاليات الاستحقاق الرئاسي في الخارج أمس، على أن تجرى الانتخابات في الداخل في أيام العاشر والحادي عشر والثاني عشر من الشهر الجاري.. ومن المتوقع أن تكون النتائج في صالح استمرار الرئيس السيسي في حكم البلاد لولاية جديدة، وهو ما يفرض تحديات على الحكومة “الجديدة” على طريق الخروج من الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير قبل الماضي.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock