رؤى

هل تستغل التنظيمات الإرهابية.. الصراع في السودان؟

لعل الاحتمال الذي يلوح في الأفق، وتُحذر منه بعض التقارير الاستخبارية، يتعلق بأن يتسبب الصراع العسكري المستمر في السودان، بإمكانية تحول هذا البلد العربي الأفريقي إلى “بيئة مثالية” للتنظيمات الإرهابية. هذا الاحتمال يستند إلى عدد من العوامل الدافعة له والمساعدة عليه، منها: ضعف البيئة الأمنية التي يعيشها السودان، وأهمية موقع هذا البلد بوصفه “حلقة وصل” بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي، فضلا عن مركزية الموارد التي يمتلكها السودان، ومنها الذهب، أحد أهم “مصادر تمويل” لأنشطة التنظيمات الإرهابية.

وكما يبدو، فإن استمرار الصراع بهذا الشكل، بما يتضمن من تدميرٍ للبني التحتية، وتزايد عمليات النزوح المستمرة، فضلا عن اللجوء إلى خارج الحدود السودانية؛ سوف يضع السودان، ودول جواره الإقليمي، مثل الصومال وأوغندا وإثيوبيا وكينيا، في صدارة أنشطة تلك الجماعات، ربما بصورة تفوق دول الساحل الأفريقي، التي شهدت انقلابات عسكرية، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

اللافت، أن ثمة عدد من العوامل المُساعدة على إمكانية تحول السودان، إلى “بيئة مثالية” للتنظيمات الإرهابية.. أهمها ما يلي:

من جانب، استمرار الصراع وإمكانية تفكك الدولة؛ إذ يُتيح استمرار الصراع العسكري، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التوجه بالسودان نحو التفكك، وربما الوصول إلى مرحلة “الدولة الفاشلة”، بما يُمكن أن يؤدي إلى تعزيز نفوذ تنظيمي داعش والقاعدة في المنطقة الممتدة من غرب أفريقيا إلى شرقها؛ بل وجعل شرق أفريقيا ضمن المناطق الأكثر خطورة في ما يتعلق بأنشطة الجماعات الإرهابية.

وكما هو متوقع، فإن وضعية عدم الاستقرار تلك، سوف تؤدي إلى عدد من المسارات المتوقعة، أهمها مسارين: الأول، مسار انتقال عناصر من التنظيمين من خارج السودان إلى داخل البلاد، الأمر الذي سيُشكل خطرا من منظور أن هذه العناصر ليست معروفة، ولن تُتَابَعَ في ظل حالة السيولة الأمنية الحاصلة؛ أما المسار الآخر، فهو ذلك الذي يتمثل في التنافس بين التنظيمات على الاستقطاب والتجنيد لعناصر داخل السودان، تكون بمثابة خلايا قادرة على تنفيذ عمليات في العمق الاستراتيجي للدولة السودانية.

من جانب آخر، ضعف البيئة الأمنية التي يعيشها السودان؛ فالصراع السوداني، بما يُساهم به في ضعف البيئة الأمنية والاستقرار المجتمعي، سيؤدي إلى تحوُّل السودان إلى بيئة استقطاب للتنظيمات الإرهابية وملاذا لتمركزها ونشاطها؛ الأمر الذي سوف يُفاقم من مجمل التهديدات الأمنية لهذه التنظيمات، إن على المستوى الداخلي أو على المستوى الإقليمي.

واللافت، أن تشابك حدود السودان مع دول يوجد فيها فروع لتنظيمي داعش والقاعدة، ومن بينها “حركة الشباب” الصومالية، فضلا عن فروع داعش في الكونغو الديموقراطية وتشاد، يجعل من السهولة لهذه الجماعات استغلال الفراغ الاستراتيجي، الناتج عن الصراع العسكري المستمر في السودان، في الانتشار وإعادة التموضع، خاصة في مناطق الحدود المشتركة بين السودان ودول الجوار الإقليمي له.

ولعل ذلك، ما يُمكن أن يجعل من السودان – في المستقبل القريب- مصدرا حقيقيا للتنظيمات المتطرفة، والجماعات الإرهابية، ليُصبح تكرارا لنموذج أفغانستان، أو الصومال.

من جانب أخير، مركزية موارد السودان بوصفها مصادر تمويل؛ إذ بالنظر إلى أن السودان يتمتع بموارد طبيعية متعددة، فإن هذه المصادر، وخاصة الذهب، تُمثل أهمية فائقة للتنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية، كمصادر تمويل لأنشطتها وتحركاتها.

وقياسا إلى السيناريو الذي كانت هذه التنظيمات قد اتبعته في دول الساحل الأفريقي، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، على خلفية غياب سلطة الدولة المركزية؛ فإن السيطرة على بعض من مناطق تعدين الذهب، داخل السودان، تُصبح هدفا مستقبليا مهما لهذه التنظيمات. وبالنظر إلى ما يتمتع به السودان من إنتاج للذهب، بلغ حوالي 18.6 طنا في عام 2022، بحسب بيانات الشركة السودانية للموارد المعدنية، التابعة لوزارة المعادن؛ فإن هذا الذهب وغيره من مواردٍ يتمتع بها السودان- يأتي في مقدمة العوامل المساعدة على توجيه أنظار التنظيمات الإرهابية إلى إعادة التموضع والتمركز داخله.

وهكذا.. وإضافة إلى هذه الجوانب “الثلاثة”، تأتي أهمية موقع السودان للتنظيمات الإرهابية؛ حيث تُساعد الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة، إضافة إلى الحدود الممتدة والهشة، من منظور السيطرة الأمنية، في توفير المناخ المناسب لمشروع “الخلافة” المفترضة، لتنظيم القاعدة، أو داعش؛ خاصة مع توافر الفرص في تجنيد الآلاف من الأفراد إلى صفوف هذه الجماعات، وغيرها، نتيجة انتشار الفقر والجوع، وغياب وظائف الدولة عن رعاية مواطنيها وحمايتهم.

وبالتالي، توفر ظروف السودان الحالية، في عدم الاستقرار المجتمعي، والضعف الأمني، فرصة مناسبة لكافة التنظيمات الإرهابية، لتكوين نقاط ومرتكزات تجمع، وتكوين خلايا مسلحة نشطة؛ ليس فقط في المناطق الحدودية القريبة من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، ولكن أيضا على أطراف العاصمة السودانية الخرطوم، التي ستكون مرشحة، في حال استمرار الصراع العسكري، لتُصبح مرتكزا للدعم والإسناد الخاص بفروع تنظيمي داعش والقاعدة.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن البيئة غير المستقرة، وحالة السيولة الأمنية، التي يُعاني منها السودان، نتيجة استمرار الصراع العسكري، تُعطي فرصة مواتية لانتشار نشاط التنظيمات الإرهابية؛ خاصة في ظل ما يتمتع به هذا البلد من موقع مهم وموارد طبيعية، بالتزامن مع انتشار ترويج الأسلحة عبر الحدود، وتضاعف أعداد النازحين الذين هم، نتيجة الفقر والعوز، في دائرة الاستقطاب والتجنيد لهذه لتنظيمات.

هذا، فضلا عن تأثير التسليح الشعبي وانتشار السلاح؛ فقد أثارت الدعوات المتزايدة إلى فتح المجال أمام الأفراد لشراء السلاح، للانخراط في ما يُطلق عليه “المقاومة الشعبية”؛ إلى مخاوف انزلاق البلاد إلى حال من فوضى انتشار السلاح، وتوالد المزيد من الميليشيات القبلية المسلحة، التي سوف تكون لها امتدادات إقليمية، بحكم توافر الروابط الإثنية مع دول الجوار الجغرافي للسودان.

وفي ظل حالة السيولة -بل الهشاشة- الأمنية التي يُعاني منها السودان، فإن حالة التجييش الشعبي، التي تتشابه مع السياسات التي انتهجها نظام الإخوان في تسعينات القرن الماضي، في أثناء حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، يُمكن أن تؤدي إلى بروز مجموعات ذات ارتباطات مع تنظيمات إرهابية خارج السودان، خاصة تلك التي تنشط في بعض من دول غرب أفريقيا وشرقها، مثل تنظيمي القاعدة وداعش.

إذ، سيساعد التكالب على شراء السلاح من قبل الأفراد، إلى المزيد من تدفق السلاح إلى الداخل السوداني، بما يُتيح المجال لهذه التنظيمات في الاستفادة من الهشاشة الأمنية، للعمل في تجارة السلاح، والتمركز داخل السودان.

 

 

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock