بقلم: زياد بهاء الدين، نقلًا عن موقع جريدة المصري اليوم، المصدر من هنا
أثار القرار الصادر من أيام بتصفية مجمع الحديد والصلب بحلوان حيرة بين الناس واعتراضًا بين المعلقين والأحزاب المستقلة وجانب من الرأى العام. والموضوع مهم ويستحق من الحكومة التريث، ليس فقط فيما يخص هذا المُجمّع وحده، وإنما لما يثيره من أسئلة بشأن السياسة الاقتصادية.
وأبدأ بتوضيح أننى أحاول ألا يكون لى موقف مسبق من مسألة بيع أصول القطاع العام أو الاحتفاظ بها، لأننى لا أرى أن هناك مبدأ صارمًا ينبغى التمسك به فى هذه القضية، ولا سياسة واحدة سليمة، بل إنها مسألة ينبغى أن تحكمها الظروف الاقتصادية والتنموية والعملية لكل حالة على حدة. ولهذا فلا يقنعنى موقف طالبى الخصخصة فى كل مناسبة، ولا أميل لمن يرون أن ملكية الدولة مقدسة ولا يجوز المساس بها فى كل الأحوال.
من هذا المنظور فإن قرار تصفية المجمع كان يمكن أن يبدو منطقيا ومقبولا لولا أننا حيال صناعة أساسية ومؤثرة فى باقى القطاعات الاقتصادية، وأن الحكومة كانت قد أعلنت من قبل عن اعتزامها تطوير الشركات العامة، والأهم من ذلك أن النظر إلى «اللقطة الحالية» وحدها ليس كافيًا.
الذى أقصده بتعبير «اللقطة الحالية»، أن طرح الموضوع من منظور أن مجمع الحديد والصلب يحقق خسائر سنوية تبلغ مليار جنيه، وأنه غير قادر على المنافسة، وأن عدد العاملين به أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة بينما النشاط لا يحتاج سوى نصف هذا العدد.. كل هذا يؤدى إلى نتيجة منطقية واحدة وهى ضرورة تصفية هذا النشاط الخاسر بدلًا من الاستمرار فى استنزاف موارد الدولة.
ولكن الاستناد إلى «اللقطة الحالية» فقط يشبه حالة المقاول الذى ينظر لعمارة قديمة ذات جدران متهالكة وحديد قديم وأسقف مهدمة، فينتهى إلى ضرورة تنكيسها وبيعها خردة وأنقاض، وفى هذا يكون محقًا.. ولكن ما لا يخبرنا به صديقنا المقاول هو: هل التنكيس كان حتميًا من البداية أم أن العمارة كانت قابلة للإنقاذ مع بعض الصيانة والتجديد؟، وهل عدم تركها لعوامل التعرية كان يجنبها هذا المصير المحتوم؟، وهل هناك أمل فى إنقاذها لو تمت معالجة ما بها من عيوب، أم أن التنكيس وبيع الأنقاض هو البديل الوحيد؟!.
بالمثل، ليس عندى شك أن استمرار خسائر مجمع الحديد والصلب على النحو الحالى ليس وضعًا مقبولًا ويحتاج تصرفًا ما. ولكن قبل الوصول لقرار التصفية وإقناع الرأى العام به يجب على الحكومة أن تجيب عن عدد من الأسئلة المهمة:
هل كان حتميًا أن يصل المجمع إلى الحالة الراهنة التى يتكبد فيها سنويًا هذه الخسائر الباهظة، أم أن الوضع كان يمكن تداركه؟.
ما أسباب الخسائر الكبيرة والمتراكمة التى تحتم التصفية، هل هى أسباب هيكلية لا أمل فى إصلاحها، أم سوء إدارة يمكن تداركه، أم نقص تمويل يمكن تدبيره، أم زيادة مفرطة فى العاملين يمكن التعامل معها ببرنامج للمعاش المبكر يحافظ على حقوقهم وعلى استمرار المجمع؟.
لِمَ تحقق صناعة الحديد والصلب المملوكة للقطاع الخاص أرباحا، بينما لا تحقق سوى خسائر للقطاع العام؟.
ما البدائل الأخرى التى جرى التفكير فيها ودراستها قبل الوصول لقرار التصفية، وما مؤشراتها وتوقعاتها التى جعلتها غير قابلة للتطبيق؟.
ما أسلوب التصفية المزمع تنفيذه (بما يتجاوز ما تم الإعلان عنه بشكل مقتضب)، وهل يتضمن بيع أصول المجمع «خردة» أم آلات منتجة؟ وهل يتم استخدام الأرض الشاسعة التابعة له لسداد المديونيات فقط أم للبيع لمستثمرين آخرين؟.
ما أثر تصفية المجمع على النشاط الصناعى والإنشائى فى مصر؟، هل الأثر الوحيد هو وقف نزيف خسائر المجمع، أم أن هناك آثارًا هيكلية تترتب على خروج هذه الطاقة الإنتاجية من السوق وعلى انسحاب الدولة من النشاط؟
على الحكومة أن تتعامل مع هذا الموضوع بما يزيد على مجرد وصف الحالة الاقتصادية التى صار إليها مجمع الحديد والصلب اليوم، وتدرك أنه موضوع يهم الرأى العام بما يتجاوز حالات الخصخصة أو التصفية السابقة لمحال تجارية وفنادق سياحية وأنشطة عادية، وأن الرأى العام يستحق هذا البيان الواضح والتفصيلى، لأن القلق والتحفظ لن يزولا بمجرد المضى فى التنفيذ.