ساهم القدر في تكوين معجزة الفن حسب كتاب د رتيبة الحفني أم كلثوم معجزة الغناء ,كانت البنت جاهزة الذهن لاستقبال العِلْم والاحتفاء بالعالم وهبها الله خلايا خيوط المعرفة التي كانت تلتقطها تباعاً ،وليس أفضل من الوعاء الرباني السماوي الذي يعلم كل شئ ، فحفظت القرآن الكريم من طريقة السماع والترديد تجلت موهبة البحورالموسيقية التي كانت في كلمات الله ولعل ذلك يفسر من وجهة نظر د محمد حسن الشرقاوي و(نظرية المعرفة الجديدة كتاب لغز الصندوق صادر عن دار المعارف مصر 2017) فالقدر وضع في طريق أم كلثوم عمالقة كبار , هرمان من التلحين هما السنباطي وعبد الوهاب والغريب أن الكوكب مع الأثنين هي الكوكب لكن المستمع في حيرة وكما قال روبرت بلانت، من فرقة الروك “لد زبلين”، إنه اندمج مع صوت أم كلثوم أثناء وجوده في مراكش في سنة 1970, وأعجب بقدرتها على التنقل في السلم الموسيقي وعلى الوصول إلى نغمات صوتية عميقة,وسجلت أم كلثوم حوالي ثلاثمائة أغنية على مدار سبعين عاما، وغنت عن الحب والفراق والشوق, ولا تزال أغانيها تسمع في سيارات الأجرة وأجهزة الراديو والمقاهي في جميع أنحاء العالم العربي وهي نمبر ون بحق دون مبالغة.
خصام و مجد مشترك مع السنباطي
قال جان ميشال بوريس، مدير مسرح الأولمبيا الشهير بباريس ، في الستينات، إن ثلاثة مغنين فقط هم من حفروا أسماءهم في ذاكرة الأولمبيا فجاءت على رأسهم أم كلثوم، وجاء بعدها أديت بياف، وجاك برال, وهناك موقف طريف للكوكبة أعلى أولمبيا فقد غنت أم كلثوم مجموعة من الأغنيات الشهيرة لها خلال الحفلتين التي أحيتهما في باريس، جاءت بينهم أغنية “الأطلال”، وهو مايمثل( مجد مشترك مع رياض السنباطي) فذكاء كوكب الشرق في إختيار تلك القصيدة التي منحت السنباطي المكانة الدولية الرفيعة والتي من الطريف أن السيدة تعثرت قدمها أعلى خشبة المسرح وبدت وكأنها ستفقد توازنها وتسقط وهي تغني بيت “هل رأى الحب سكارى مثلنا كم بنينا من خيال حولنا” من قصيدة الأطلال، فيما حدث ذلك بينما صعد شخصا من الجمهور، المسرح، وأصر على تقبيل قدميها في الأولمبيا المسرح، الذي تأسس عام 1893، على يد برونو كوتركس، ويقع بشارع كابوسين في باريس، ويعتبر أقدم مسرح عروض مغطاة بالمدينة التي لا تنام،وبعد موت أم كلثوم بسنوات طويلة وصفت اليونسكو لحن الأطلال بإنه أعظم في القرن العشرين عندما منحت رياض السنباطي جائزة الموسيقار الأفضل في القرن العشرين ومن المؤكد لو كانت كوكب الشرق علي قيد الحياة لحصلت علي نفس التكريم علي القصيدة ومع ذلك فلا تزال أعمال رياض وكوكب الشرق موضع دراسات أكاديمية موسيقية ,لكن تبقي علاقة السنباطي مع كوكب الشرق ,محل جدل كبير فيصف الدكتور محمد المهدي رئيس الطب النفسي بجامعة الأزهر,أن كوكب الشرق لاتقبل سوي بكلثمة كل من يدخل بعالمها ولو كان أمير الشعراء شوقي بك نفسه ,وفي نفس الوقت رياض السنباطي يخشي الذوباون في بحر أم كلثوم ولو دخل فلن ينجو ,أم كلثوم تعلم أنها كوكب يجذب الأقمار الصغيرة فلا تخرج منه وصارت هي بنفسها (مقياس كلثومي خاص) وكونت دولة كوكب الشرق وهو مسمي يفسر قوة تلك الشخصية ولعل عمالقة مصر الكبار في زمنها أخذتهم معها في الزمن الباقي بمعني كل ما جاء زمن ستكون فيه أم كلثوم وعبدالوهاب وبيلغ حمدي الشاب الصغيروالعملاق رياض السنباطي الذي خاصمته خمس سنوات حتي عاد للكوكب الكلثومي ويقول المؤرخ الموسيقي بول هنري لانج إن الموهبة الفذة هي التي تضع قوانين الفن والقواعد وفي (كتابة الموسيقي والحضارة ) نفس المعني طبقتة كوكب الشرق وهي التي قالت،عندما نتعلم نعرف مكاننا بين العلماء هذاهو دستورأم كلثوم تلك السيدة التي لانزال لانعر ف عنها سوي القليل والقليل جداً,كشف السنباطي في حوار تلفزيوني قديم أن أم كلثوم تكبره بـخمس سنوات وأنه قابلها لأول مرة في محطة القطار فجرا، وكانت تبلغ من العمر سبعة عشرا عاما، وكان عمره وقتها أثنتي عشرا عاما. وفي لقاء تلفزيوني قال رياض السنباطي عن أم كلثوم كانت فنانة ذكية و موهوبة ومنحها الله موهبة استثنائية من الصعب أن تتكرر، وهي التي ساهمت في تطوير الموسيقى العربية، إذ قدمت كل ألوان الغناء، ديني ورومانسي ووطني هكذا يقول السنباطي عن كوكب الشرق ,والعجيب أن أم كلثوم ظلت طوال حياتها دون أن توجه كلمة لوم أو عتاب معلن للسنباطي وعبد الوهاب.
رقم يكشف الكلثمة أو السنبطة
وفي دراسة عن أم كلثوم كتب الباحث الموسيقي العراقي ياسرعبد اللطيف يقول إذا( تكلثمت فتسنبط) قرأت هذه العبارة ذات مرة على لسان سميع سوري هو أستاذًا للأدب والنقد مع تيار خبراء في النقد الموسيقي بالشام والعراق يقيمون الأداء الكلثومي على أسس علمية ينحازون لتجربة السيدة مع الشيخ زكريا أحمد، ويرون فى إنتاج السنباطى جمودًا ومحافظة على مقاس قيم الطبقة المتوسطة. وينحاز آخرون من نفس الفصيلة الاختصاصية لعبقرية القصبجى التحديثية التى – من وجهة نظرهم – تفوق وتسبق تجربتى سيد درويش وعبد الوهاب، وربما فى ذلك بعض الصحة,ومن وجهة نظرى المتواضعة فالسنباطى هو من صاغ قوام التجربة الكلثومية فى شكلها الأكثر تبلورًا ونضجًا، لا من حيث الكم فقط، والسنباطى بين ملحنيها الثلاثة الكبار، يحوز نصيب الأسد فى عدد الألحان التى غنتها (91 لحناً، مقابل 69 للقصبجى و56 لزكريا)؛ لكن أيضًا من حيث الكيف، إذ صاغ لها الشكل الذى حافظت عليه طوال ثلاثين عامًا، وألزم الملحنين الذى عملوا معها بعده بما وضعه.
عرف رياض أم كلثوم منذ صباهما, وكان الفتى رياض كالفتاة فاطمة قد شرع فى الغناء بصحبة والده فى الليالي، وذاع صيته فى القرى حتى عُرٍف بـ “بلبل المنصورة” فيما كانت أم كلثوم قد تخطّت ذلك النطاق الإقليمى بزيارات للقاهرة وحفلات هناك أدهشت وجهاء العاصمة بقوة حضورها وصوتها على الرغم من اللباس البدوى الصبيانى الذى كانت تتخفى فيه,وستمرّ السنون، وتستقر ابنة السنبلاوين فى القاهرة لتخلع عنها لباس البدو وتصير شابةً لا ينقصها الحسن، بحضور طاغ وذكاء متقد وموهبة لا حدود لها، ترتقى بوتيرة متسارعة سلم النجاح والشهرة, وينتقل رياض مع أبيه إلى القاهرة أيضًا عام 1928، وربما فى ذهنه نموذج نجمة الدلتا التى توهّجت فى العاصمة, وسيذهب للدراسة فى معهد الموسيقى العربية فتدهشهم كمية الموشحات التى يحفظها عن أبيه وقدراته فى العزف على العود، فيعينوه مدرسًا للآلة ليتخرج على يده عازفون كفريد الأطرش مثلا, ثم يمتهن التلحين والغناء عندما يتم افتتاح الإذاعة الحكومية عام 1934, وعن طريق الإذاعة يسترد علاقته بأم كلثوم، فيحصل على رقم تليفونها من هناك، ليهاتفها فى إحدى الليالى عقب سماعه لإحدى وصلاتها فى الراديو. سيذكرها بنفسه وبذلك اللقاء فى الفجر، فتتذكره وتتذكر والده، وتنهى المكالمة بعبارة “ابقى خلينا نشوفك يا أستاذ رياض ما دام إنت فى مصر وأنا فى مصر” ليبدأ بعدها تعاون سيستمر ستة وثلاثين عامًا. كان ذلك فى 1935, وطوال ما يربو على العشر سنوات قدم لها عددًا من الألحان الناجحة مثل “على بلد المحبوب وديني” و”افرح يا قلبى لك نصيب” وهكذا يزامل الملحن ( السنباطي) القصبجى والشيخ زكرياأحمد فى المشوار الكلثومى ذاك الزمان متأثرًا بمدرستيهما الكبيرتين والمتمايزتين، ولن يمسك أسلوبه الخاص، حتي تتبلور الصيغة السنباطية الكلثومية عام 1946متوهجة كاملة الروعة .
من شوقي للكوكب للسنباطي
عرفت أم كلثوم كيف تدخل عمق إبداع السنباطي العملاق وهي تقررأن تعطية قصيدة كتبها أمير الشعراء مدحاً لها ,أما رياض السنباطي الذي يعد أحد أبرز الموسيقيين في تلحين القصيدة العربية، وبلغ عدد مؤلفاته 534 عملا، وتعاون عبر مسيرته الفنية مع كبار الشعراء، التلحين عالمه الخاص فقد لحن رياض السنباطى جميع القصائد التى غنتها أم كلثوم من شعر أحمد شوقي، ومجموعها عشرة قصائد، وبدأ تقديم مجموعة من تلك القصائد عام 1946، وهى سلوا كؤوس الطلا، وسلوا قلبي وقد حكت أم كلثوم عن قصة القصيدة التى أهداها لها أمير الشعراء أحمد شوقي حيث كانت لها حدوته طريفة وهي أن شوقي تقابل مع سومة في أحدى الحفلات وعزم عليها بكأس من الخمر ولكن كوكب الشرق لا تشرب الكحول فأخذت الكأس وحطته على فمها ثم وضعت الكأس دون ان تشرب منه حتى لا تحرجه، ولاحظ شوقي موقف السيدة أم كلثوم وارسل لها بعد ذلك قصيدة «سلوا الكؤوس الطلا» .. وكان مطلع القصيدة يقول ….
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها .. واستخبروا الراح هل مست ثناياها
وتقابل بالصدفة السنباطي مع أمير الشعراء أحمد شوقي وهو أول من نصحة بتلحين القصائد وإقترح عليه أن يلحن أحد قصائدة «مقادير من جفنيك» التى قدمها بعد سنوات السنباطي لأم كلثوم عام 1940 ,وتلتها مجموعة من القصائد فى الأعوام التالية، وهي: اتعجل العمر، إلى عرفات الله، بأبى وروحى الناعمات، الملك بين يديك، النيل (من أى عهد) وبعد ذلك أصبح رياض السنباطي شريكاً فنياًمقرباً من كوكب الشرق لأكثر من أربعين عاماُ حتي غضبت أم كلثوم و حدث خلاف شديد وصل للصحف وحاول مصطفي أمين التدخل وفشل فقد كانت أم كلثوم لاتسامح بسهولة وعقابها صارم ولوكان السنباطي , في عام 1962، عندما قدم رياض السنباطي لحن “يا ناسيني وأنا عمري ما أنسى حبك” للمطربة شهرزاد، وصاحبها بالعود على المسرح، مما أغضب أم كلثوم، واستمر الخلاف خمس سنوات، وقد عللت أم كلثوم غضبها من السنباطي بأنه لم يصاحب أم كلثوم بالعود على المسرح، ومع ذلك صاحب هذه المطربة الجديدة, ولم تكن تعلم شهرزاد أن تحقق حلمها بالغناء من ألحان الموسيقار رياض السنباطي، سيوقعها بالصدفة في أزمة مع مطربتها المفضلة,فالسنباطي وضع لحن أغنية “يا ناسيني”، من كلمات الشاعر مأمون الشناوي، لتغنيها أم كلثوم، لكن الخلافات التي كانت مشتعلة وقتها بينهما، جعلته يقرر منحها لشهرزاد.
وكما غنت أم كلثوم لرياض السنباطي، فقد غنى له العديد من المطربين الكبار، مثل إبراهيم حمودة في “دويتو أنا وأنت ” مع أم كلثوم في فيلم “عايدة”، وغنى عبد الغني السيد من ألحانه “آه من العيون”، وغنى عادل مأمون أيضًا من ألحانه “كنز الهنا” من نظم مأمون الشناوي، كما غنى له عبد الحليم حافظ دويتو “لحن الوفاء” مع شادية، وغنى له عبد المطلب “مخاصمنا ومش بيكلمنا”، كما غنت له المطربة فايدة كامل “اتصالحنا أنا وانت.
حيرة الناس مع أم كلثوم والسنباطي و عبد الوهاب
والسؤال إيهما أفضل من الملحنين الكبيرين عبد الوهاب أم السنباطي ؟ في الحقيقة من المستحيل أن نعرف تلك الحقيقة عند كوكب الشرق ,فقد فاز السنباطي بجائزة أحسن موسيقى في العالم عام 1977، حيث قالت عنه لجنة التحكيم بمنظمة اليونسكو والمجلس الدولي للموسيقى، إنه استطاع التعبير بلغته الموسيقية الوضاءة عن مشاعر الشعب العربي وأفكاره وآماله في كل مكان، بأصالة متناهية، قلما توافرت عند غيره، فهو الوحيد الذي لم يتأثر بأي موسيقى أجنبية، وقال عنه محمد عبد الوهاب لو لم يغني السنباطي غير قصيدة “أشواق” لَحَقّ له أن يُعتبر مطربًا كبيرًا.وفي التلحين يكفيه الأطلال ما لا يعرفه الكثيرون أن كوكب الشرق وموسيقار الأجيال التقيا قبل ذلك بكثير بل إن عبد الوهاب غنى مع أم كلثوم فى بداية حياته وتحديدا عام 1923 وكتب بنفسه عن اللقاء الأول الذى جمعه بكوكب الشرق فى مجلة الكواكب عام 1953 – أى قبل تعاونه مع أم كلثوم فى أغنية انت عمرى بأكثر من عشرسنوات – وكتب عبدالوهاب مقاله بالكواكب تحت عنوان “أم كلثوم بقلم محمد عبد الوهاب”، وكانت المرة الأولى التى يتحدث فيها عن كوكب الشرق.
قال موسيقار الأجيال فى هذه المقالة: “قد لا يعرف الكثيرون أننى والآنسة أم كلثوم ظهرنا سوياً لأول وآخر مرة حتى الآن وكان ذلك قبل أكثر من 20 عاماً، بل وغنينا معا أغنية “على قد الليل ما يطول”.
وكما جاء في كتاب النهر الخالد لأمير أباظة: “كان ذلك فى منزل والد الصديق أبو بكر خيرت المهندس المعروف وكان يسكن فى شارع خيرت، وقيل لى قبل الحفلة إننى سأغنى مع أم كلثوم واعتبرت هذا الخبر بشرى كبيرة لمطرب غير معروف تماماً، ولم يخط إلى مدارج الشهرة بعد، فى حين كانت أم كلثوم وقتها قد وطدت قدمها ومعروفة منذ 7 سنوات أو يزيد وعرفها الناس واعجبوا بصوتها”.
وعن الغناء مع أم كلثوم فى هذه الحفلة قال محمد عبد الوهاب: “غنيت مع أم كلثوم وأحسست وأنا إلى جوارها أننى أتحدث إلى أستاذ وأنه يتوقف على هذه الحفلة شىء غير قليل من مصيرى كمطرب ناشئ، وسمعت إشادات بأننى أديت دورى على أكمل وجه وأحسنت الأداء”.
وأكد عبد الوهاب أن أهم إشادة سمعها فى هذا الحفل الذى جمع أساطين الغناء والموسيقى وقتها هى الإشادة التى سمعها من أم كلثوم حيث قالت له همساً ” أنت كويس”، قائلاً: أحسست بفخر عظيم أن أغنى مع مطربة لها مكانة شعبية فى وقت لم أكن أنا أتمتع بمثل هذه المكانة”.
وكانت أغنية “أنت عمرى” أول لحن لعبد الوهاب بصوت كوكب الشرق وغنتها عام 1964، وأطلق على هذا التعاون لقاء السحاب، وجاء بعد توصية من الرئيس الراحل جمل عبد الناصر، وبعد ما كان يثار دائما حول وجود توتر فى العلاقة وحرب خفية بين أم كلثوم وعبدالوهاب لتنتهي يقرار ناصري جميل .