رؤى

إيران وإسرائيل.. وإشكاليات تجاوز الخطوط الحمراء

أصوات: شن دولة الاحتلال فجر اليوم الجمعة -بتوقيت طهران- هجوما على مدينة أصفهان الإيرانية وسط البلاد، وقال القائد العام للجيش الإيراني: إن الانفجارات التي وقعت… كانت مرتبطة بإطلاق أنظمة مضادة للطائرات على ما وصفه بجسم مشبوه، ولم تتسبب في أي أضرار، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.

كان من المتوقع أن ترد إيران على إسرائيل، جراء الهجوم الذي طال قادة عسكريين إيرانيين في دمشق، بعد الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية هناك، بعد 12 يومًا كاملة؛ وذلك لأسباب متعددة، أهمها تثبيت معادلة جديدة للردع بين الطرفين.

هذا المتوقع، كنا قد أكدنا عليه في مقال “المعادلة الإيرانية.. في الرد على ضرب القنصلية في دمشق” إذ أكدنا أنه من المتوقع، بحسب الاعتماد على السلوك الإيراني في التعاطي مع الأحداث، طوال سنوات مضت، سيكون الرد الإيراني مباشرًا وليس عبر جبهات إسنادها في المنطقة، من حيث إن هذا هو السلوك الوحيد الذي يحفظ لها ماء الوجه، إزاء القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق. ومن المتوقع، أيضا، أن يكون الرد الإيراني محسوبا، حتى لا يستفز إسرائيل، فتعاود الرد على الرد الإيراني من جديد.

وبالرغم من أن البعض يرى الهجوم الإيراني على إسرائيل، هو أقرب إلى الرسالة الرمزية، ذات الأثر العسكري المحدود؛ إلا أن إعادة تشكيل معادلة ردع جديدة بين الجانبين جاء استنادًا إلى تجاوز إسرائيل وإيران، كليهما، كافة الخطوط الحمراء السابقة، للردع بينهما.

فمن جانب، تجاوزت إسرائيل هذه الخطوط، الحمراء، عبر استهداف القنصلية الإيرانية، التي تُمثل مؤسسة دبلوماسية؛ وهو تجاوز يُمثل “سابقة” لم تحدث من قبل في الصراع الممتد بين الجانبين منذ سنوات، والمنضبط بضوابط “الصبر الاستراتيجي” من الجانب الإيراني، وضوابط “المصلحة الأمريكية” من الجانب الإسرائيلي.

ومن جانب آخر، جاء الرد الإيراني، في 13 أبريل الجاري، على الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية في دمشق، متسقًا مع مسألة إعادة تشكيل معادلة جديدة للردع، حيث تجاوز هو الآخر أحد الخطوط الحمراء، المهمة، الذي لم يحدث أن تجاوزته طهران من قبل، وهو استهداف الدولة العبرية علانية بصواريخ بالستية وطائرات مُسيرة، من داخل الأراضي الإيرانية.

مثل هذا التجاوز من جانب إيران، على التجاوز الذي سبقه من جانب إسرائيل، يُمثل -في رأينا- إعادة تشكيل في الخطوط المرسومة بين الجانبين، بخصوص “الردع” المتبادل بينهما؛ بما يؤشر إلى أن الصراع بدأ في الخروج من الحرب غير المباشرة إلى التصادم المباشر.

ذلك يدل على أن المعادلة الجديدة تنبني على مجموعة من المؤشرات.. أهمها: أن الاستهداف الإيراني لإسرائيل، أو تحديدًا لبعض المواقع الإسرائيلية، مثل قاعدة “نيفاتيم” الجوية، التي تقع في صحراء النقب، في جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقرب من مدينة “بئر سبع”، هو استهداف مُعلن من داخل الأراضي الإيرانية، وليس من إحدى الدول العربية التي لدى إيران فيها نفوذًا: لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن؛ وهي الدول التي اتخذت إيران منها مُنطلقًا لإدارة صراعها مع إسرائيل.

يُمثل الهجوم الإيراني أيضا تصعيدا خطيرا في الصراع مع إسرائيل، وذلك في إطار الاستعداد لتبادل الضربات بين الجانبين خاصة في حال الرد الإسرائيلي المتوقع على الهجوم الإيراني؛ بما يؤدي إلى تصعيد التوترات على المستوى الإقليمي، وهو ما بدا واضحًا من إغلاق الدول العربية المجاورة لمجالها الجوي.

ومن ثم، يُعبر الهجوم الإيراني عن تحوّل في ديناميكيات الصراع مع إسرائيل، تحول من تكتيكات “حروب الظل” إلى المواجهة العلنية؛ بما يُثير المخاوف بشأن شبح الصراع الإقليمي الأوسع، وتأثيراته على المشهد الجيوسياسي للمنطقة العربية.

في هذا الإطار، فإن مسألة إعادة تشكيل معادلة جديدة للردع، بين إيران وإسرائيل، تعني أن ثمة قواعد اشتباك جديدة، مختلفة عن القواعد الصارمة، برعاية أمريكية، التي أدارت الصراع من قبل وحالت دون انفجاره. أيضا فإن تغير قواعد الاشتباك في الصراع، لا يؤشر فقط إلى أن القواعد السابقة أصبحت أقل شأنا بالنسبة إلى الحسابات الإيرانية والإسرائيلية، ولكن أيا إلى أن التأثير الأمريكي، الذي كان له من قبل الدور الأكبر في العمل كـ”ضابط إيقاع” للصراع، والحفاظ على “صراع الظل” بين الطرفين، أصبح أقل أهمية بالنسبة إلى كليهما.

يعني هذا في ما يعنيه، أن العوامل التي منعت من انزلاق الصراع إلى الانفجار.. لم تعد قائمة بالنسبة إلى كل من إسرائيل وإيران. بالنسبة إلى إسرائيل، فقد تخلت عن كافة المحاذير السابقة، في تصعيد صراعها ضد الوجود الإيراني في سوريا، من خلال استهداف منشأة دبلوماسية إيرانية في الخارج للمرة الأولى. وبالنسبة إلى إيران، فقد تخلت عن الاعتماد على الوكلاء في تصعيد صراعها مع إسرائيل، وانتقلت إلى الصراع المباشر، انطلاقا من الأراضي الإيرانية، للمرة الأولى.. أيضًا.

وهنا، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه، هو ذلك الذي يتعلق بإمكانية أن يتسبب الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل، في بداية حرب ممتدة متعددة الأطراف.

إلا أن المُلاحظ، تعقيبًا على هكذا تساؤل، وبعيدا عن أية توجهات عاطفية بشأن المرة الأولى التي يتعرض فيها الداخل الإسرائيلي لهجوم من الخارج؛ فإن طهران ليست من الدول التي تتخذ قرارات انتحارية، وإلا لم يكن ردها قد جاء محسوبا بهذه الدقة. وليس في هذا القول ما يُقلل من القيمة الاستراتيجية للهجوم الإيراني على إسرائيل، على المدى البعيد؛ خاصة في ما يتعلق بالأثر النفسي العميق، واهتزاز الثقة في الأبعاد الأمنية، بالنسبة إلى المجتمع الإسرائيلي في الداخل. فالهجوم الإيراني، لا نستطيع أن نُنكر، قد جاء تاليًا لـ”هزة استراتيجية” أهم، تمثلت في هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، في 7 أكتوبر 2023.

أما بالنسبة إلى احتمال الرد الإسرائيلي، فمن المتوقع أن يأتي هو الآخر محسوبا بدقة، ولا يتسبب في أية خسائر مدنية أو اقتصادية، حتى لا يتوسع نطاق المواجهة المباشرة مع إيران؛ وأنه، كما الرد الإيراني على استهداف القنصلية، سيكون حفظًا لـ”ماء الوجه” على الهجوم الإيراني.

وكما يبدو، فإن الطرفين كليهما، ليسا في وضع يسمح بعد بـ”حرب مباشرة اختيارية” ومفتوحة، إلا في حال قررت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك، بالدخول المباشر في الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني.

وأخيرا..

يبدو أن النهج الإيراني في “الصبر الاستراتيجي”، سوف يستمر لمسافة معينة من الزمن، على الأقل حتى تتمكن من تحقيق “الحصانة الرادعة”، عبر استكمال برنامجها النووي؛ خاصة أنها تُدرك تماما أن حربا اختيارية شاملة ضد إسرائيل، سوف تستدعي الولايات المتحدة، فضلا عن بريطانيا وفرنسا، إلى هذه الحرب، ولكن إلى جانب إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، ورغم صعوبة ترجيح أي من الخيارات التي سوف تلجأ إليها إسرائيل، للرد على الهجمات الإيرانية، سيكون عليها أن تفكر أكثر من مرة في نوعية الرد ومداه؛ لأنه من المرجح أن تنفتح جبهات أخرى في المنطقة على المواجهة المباشرة مع إسرائيل، إسنادًا لإيران.. طبعا.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock