رؤى

حكاية مشايخ الطباعة والترجمة في مصر

يظل مولانا الطهطاوي كنزاً لم يكتشف بعد, فهو لم يقدم رواد المعرفة في شتي المعارف والفنون فحسب, بل مبدع في اكتشاف العبقريات التي ساهمت في بناء حضارة مصر, كانت بلادنا علي موعد مع المطبعة عبر عدد من تلاميذ رفاعة الأزهريين، فقد تعلموا منه فنون الطبع وصفّ الحروف في أول مطبعة بالشرق كله، ولم يسبق هؤلاء الأزهريين أحد في معرفة علوم وفنون الطباعة نهائيا, فكان الشيخ عبد الباقي رئيسا لقسم المسابك، والشيخ محمد أبو عبد الله رئيسًا للطبّاعين، والشيخ يوسف الصنفي كبير خبراء صف الحروف، ومعه  نائبه الشيخ محمد شحاتة. وهذان الشيخان بالتحديد من علما مصر كلها فنون طبع الحروف بمهارة فائقة للصفَّافين قبل الزمان بزمان.

مشايخ الطباعة يبدعون في مثلث النهضة

كانت مهنة الطباعة حكراً علي الأجانب، حتي دخل الأزهريون الأوائل المجال بكل جسارة, يبدعون في كل ما له علاقة بمهنة النشر, فكان تلاميذ رفاعة الطهطاوي سواء رواد الترجمة أو التصحيح أو التوثيق ثم تذهب الكتب للضلع الثالث للرواد في المطابع, وفي البداية تولَّى نقولا مسابكي الإشراف الفني على المطبعة المصرية ببولاق، ثم الشيخ عثمان نورالدين الذي عُيِّن مفتشًا للمطبعة في 4 نوفمبر١٨٢١م، وظلَّ يشغلُ هذا المنصب حتي  يوليو ١٨٢٣، ثم خلفه قاسم أفندي الكيلاني “مأمورًا” للمطبعة حتي١٨٣٢، سنوات طويلة منذ عام 1816، كان فيها المشايخ الأزهريون يتعلمون الطباعة ويمارسون الترجمة وتوثيق وتعريب علوم الحضارة الغربية إلى مصر، فلقد كانت طريقته في هذا النقل هي الترجمة، وما كان للترجمة أن تُحقق غرضها إذا لم تُطبع من الكتب المترجمة نُسَخٌ كثيرة توزَّع على الجند في فِرق الجيش بحسب ما رتب الطهطاوي ونوابه في القطاعات المختلفة، فكتب العسكرية الجغرافية وعلوم السلاح المترجمة توزع حسب السلاح؛ بل وكان من بين طلاب المدرسة الحربية بالقلعة أزهريون كثر، ويقوم المشايخ بتوزيع كتب التراث العربي والمصاحف المطبوعة بشكل حديث على الطلاب في المدارس، بل وعلى المصريين أولياء أمور طلاب الأزهر (كما قال الطهطاوي في مناهج الألباب).

رفاعة الطهطاوي
رفاعة الطهطاوي

منذ أن تولي رفاعة الطهطاوي رئاسة المطابع الأميرية، وزع المشايخ خبراء الطباعة في كل مكان بعد أن أُنشئت مطابعُ أخرى كثيرة، وألحق معظمها بالمدارس، وخاصة البعيدة منها عن بولاق ليتيسر لها طبْع الكتب التي تُترجم بها دون تكبُّدِ مشقة الانتقال إلى مقرِّ المطبعة الكبرى، فكانت هناك مطبعة ملحقة بمدرسة الطب حين كانت في أبي زعبل، وقد طُبع بها  أول كتاب ترجم في الطب، وهو كتاب “القول الصريح في علم التشريح” للشيخ الرشيدي ، ثم ظلَّت تُطبع بها الكتب الطبية المترجمة حتى نقلت المدرسة إلى قصر العيني؛ فأصبحت كتبُها تُطبع في بولاق.

وكانت هناك مطبعة ملحقة بمدرسة الطوبجية بطرة، وأول كتاب طُبع بها هو كتاب الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار للمؤلف العظيم مولانا رفاعة الطهطاوي، وهو كتاب مؤسس في علوم الجغرافيا والبحار، وقد طُبعت بها كتبٌ حربية ورياضية وجغرافية أخرى، كذلك كانت هناك مطبعة أخرى في المدرسة الحربية بالجيزة، وكان في القلعة مطبعةٌ طُبعت بها الوقائع المصرية مدة طويلة تحت إشراف مشايخ المطبعة فقد صار عددهم يوازي سرعة حركة الترجمة والنشر، وكان نفس الخبراء الأزهريين يراجعون تصحيح اللغة في مطبعة سراي الإسكندرية، وخاصة الكتب التاريخية التي تُرجمت إلى اللغة التركية، ١٨٣٢، ففيها طُبع في سنة  ١٨٣٤، كتاب “تاريخ نابليون” تأليف “دوق دي روفيجو” وكتاب تاريخ إيطاليا تأليف “بوتا” وقد قام بترجمة الكتابَين عن الفرنسية إلى التركية الشيخ عزيز أفندي كاتب الديوان بثغر الإسكندرية.

كتاب الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار
كتاب الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار

لماذا برع الأزهريون في الترجمة؟

بدأ الترجمةَ في عصر محمد علي جماعةُ السوريين، وكان أولهم الأب رفائيل، ولهذا خرجت ترجماتُه رديئة ضعيفة الأسلوب، غير واضحة ولا مفهومة، فلما أُلحق نفرٌ آخرون من السوريين بمدرسة الطب، أحسَّت الحكومة فيهم هذا الضعفَ في اللغة العربية؛ فبدأت بوضْع تقليد جديد، وهو إشراك جماعة من شيوخ الأزهر معهم في النقل لتخيُّر صحيح الألفاظ والمصطلحات العلمية العربية، أو لاشتقاق ونحْت ألفاظ ومصطلحات جديدة، ثم لتصحيح الأسلوب وصياغته صياغة عربية صحيحة, ولهذا لم يكن المترجمُ ينفردُ بالترجمة وحده، ثم يقدِّم الترجمة للشيخ المصحح ليقوم بتصحيحها وحدَه، بل كان الرجلان يجلسان معًا، فيُمسك المترجم بكتابه، والشيخ بدفتره، ويبدأ الأول في الترجمة جملة جملة، ثم يُمليها على رفيقه، وهما في أثناء ذلك يتشاوران، ويراجعان الأصل، أو الكتب العربية القديمة، أو ما بين أيديهما من قواميس ومعاجم، إلى أن يتَّفقَا على الصورة النهائية، يشير إلى هذا التعاون والاشتراك في العمل الشيوخ المصححون في مقدمات الكتب المترجمة؛ فهذا الشيخ مصطفى كساب يقول في مقدمة كتاب “نزهة الأنام في التشريح العام” و”ترجمه من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية المترجم الحاذق الخواجة يوسف فرعون، مع مصحح مسائله، ومنقح دلائله مصطفى حسن كساب” ويقول أيضًا في مقدمة كتاب “منتهى البراح في علم الجراح” “ترجمه يوسف فرعون مع مرتِّب مبانيه، ومهذِّب معانيه مصطفى كساب” وقال الشيخ محمد الهراوي في مقدمة كتاب “منتهى الأغراض في علم الأمراض” الذي ترجمَه يوحنا عنحوري “وكان ممن استملى منه نحو نصف هذا الكتاب أخي ووحيدي أحمد صويبع الرشيدي، ولكون الكتاب المذكور نُقل للطليانية، وكان يفسر بها حين قراءة المعلم للدرس، وخفتُ من أن يكون قد وقع في شيء منه اللبس، تصفَّحتُه ثانية مع علي أفندي هيبة على أصله المطبوع بالفرنساوية” ثم يقول في خاتمة الكتاب: “لذا تعبتُ في تحريره عند الجمع والطبع غاية التعب، واستهونتُ ما حلَّ بي حينذاك من دوام السهر والوصَب، حتى صغتُه صياغةَ التآليف العربية في انسجام المعاني، وتناسب الكلمات، بعد أن بذلتُ الجهد في تهذيب المباني وتناسق العبارات، حتى صار لا يُرى عليه غبار الترجمة، ولا ما تعرف به من غبار اللعثمة.

نزهة الأنام في التشريح العام

منتهي الدقة والإبداع

وقال نفس الشيخ في مقدمته لكتاب “المنحة في سياسة حفظ الصحة”: “فجمع الخواجا برنار هذا الكتاب من مجلدات كبار، وترجمه من الفرنساوي للعربي بالكتابة والمقال المترجم الحلبي جورجي فيدال، وكنت مقيدًا لتصليح ما ترجم ترجمة لفظية، وتوقيعه مواقع عبارات عربية، مع إبقاء أسلوبه لمساق الكلام على ما هو عليه، واصطلاحهم في كثرة التقسيمات وتطويل العبارات على ما مالوا إليه، غير أني بذلتُ في أن تستفاد المعاني من المباني غاية الجهد، وحفظتُ ألَّا أكتبَ شيئًا إلا بعد معرفتي إياه” ثم قال في خاتمته إنه روجع “على يد مصحح كلمِه عند الترجمة، محرِّر جملِه لدى القراءة والمقابلة، مؤاخيه حال القراءة والجمع، موافيه عند التمثيل والطبع، الشيخ محمد الهراوي”.

وضع هذا التقليد خصيصًا للمترجمين من السوريين، فلما خرجت المدارس والبعثات خريجيها من المصريين، وبدءوا يشاركون في حركة الترجمة، لم يُلغَ هذا التقليد، بل أُبقيَ عليه، وكان معظم خريجي المدارس والبعثات من خريجي مدرستَي بولاق وقصر العيني، أو من تلاميذ المكاتب الإقليمية؛ ولهذا كانت ثقافتهم في اللغة العربية ضعيفةً محدودة، فكان من الضروري أن يُعينَهم شيوخُ الأزهر على أداء مهمتهم، وقد فعلوا؛ جاء في مقدمة كتاب «إسعاف المرضى من علم منافع الأعضاء» أن مترجمَه الشيخ علي أفندي هيبة “كان يُمليه على الشيخ محمد محرم أحد المصححين بمدرسة أبي زعبل” وذكر في مقدمة “نُبَذ كلوت بك” أنه قام بترجمتها الشيخ إبراهيم النبراوي حكيم أول ابن عرب بإملائه للشيخ محمد محرم أحد المصححين قبل الطبع، وقال الشيخ مصطفى كساب في مقدمة كتاب “الطب العملي” “وترجمَه  محمد أفندي عبد الفتاح  وقد استمليتُ منه هذا الكتاب، وصححتُه بأعذب خطاب” وقد اتبع الشيخ محمد عمر التونسي نفسَ الطريقة مع الدكتور “برون” أثناء ترجمته لكتابه الجواهر السنية؛ فقد قال في مقدمته: “على أن جلَّ هذا الكتاب كان أُمليَ عليَّ من قبل ذلك، وصححتُ أكثره بلا مشارك (يقصد من المصححين) وساعدني في ذلك معرفةُ مؤلفه باللغة العربية؛ لأني قابلتُ كلَّ مشكلة معه على أصوله الفرنساوية”.

غير أنَّا نلاحظ أن هذا التقليد لم يكن عامًّا، بل لقد أُعفيَ منه خريجو المدارس والبعثات من الأزهريين؛ أُعفيَ منه الشيخ رفاعة، وأعفيَ منه الشيخان (ثم الدكتوران) أحمد حسن الرشيدي، وحسين غانم الرشيدي؛ فقد كانَا ممتازَين في معرفتهما للغة العربية، بل لقد كانَا مصححَين في مدرسة الطب قبل إيفادهما إلى فرنسا ضمن بعثة ١٨٣٢ الطبية.

إسعاف المرضى من علم منافع الأعضاء

ولم يكتفِ القائمون على حركة الترجمة في ذلك العصر بهذا التقليد، بل كانوا يعهدون ببعض الكتب بعد ترجمتها وتصحيحها إلى لجنة أخرى من مترجم ومصحح آخرَين لمراجعتها على الأصل، وكانت بعض الكتب تُراجعها لجنتان أو ثلاث الواحدة بعد الأخرى، حدث هذا في الغالب للكتب التي ترجمها يوحنا عنحوري؛ لأن هذا المترجم كان يُتقن اللغةَ الإيطالية دون الفرنسية، فكانت الكتبُ تُترجم له عن الفرنسية إلى الإيطالية، ثم يقوم هو بترجمتها إلى العربية، فإذا راجعها معه الشيخ المصحح، أُعطيت الترجمة للجنة أخرى لمراجعتها على النصِّ الأصلي الفرنسي.

وحدث هذا الإجراء أيضًا في بعض كتب الطب البيطري، والكتب الرياضية؛ فقد ترجم فرعون كتاب “التوضيع لألفاظ التشريح” وصحَّحه الشيخ مصطفى كساب، ثم صدَر أمرٌ من ديوان الجهادية بأن تُكوَّن لجنة ثانية من رفاعة أفندي والبكباشي هرقل لمراجعته، “فبادرَا بالامتثال، وقابلاه مقابلةً ليس لها مثالٌ، مع إمعان النظر، وإيضاح ما خفيَ واستتر” وكذلك كتاب “اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية” ترجمه إبراهيم رمضان أفندي، ثم عهد به إلى حسن الجبيلي أفندي، “فقابله على أصله الفرنساوي، وأطلق عنانَ قلمه فيه وصحَّحه، وأمعن نظرَه في ترجمته وأصلحه” ثم أعطاه للشيخ إبراهيم الدسوقي فحرَّره وصحَّحه تصحيحًا ثانيًا

كذلك نلاحظ أن المبدأ العام لم يتَّجه في هذه الحركة إلى التخصص في الترجمة؛ فقد رأينا طبيبًا يترجم في الجغرافيا، ومبعوثًا للتخصص في صناعة الحرير يُترجم كتابًا في التاريخ، ورأينا رفاعة يُترجم في كل علم وفن؛ ولهذا نلاحظ أنه أخذ تلاميذُه في مدرسة الألسن بنفس الطريقة، فكان المترجم ينتهي من ترجمة كتاب في التاريخ أو الجغرافيا، فيعهد إليه بترجمة كتاب آخر في الكيمياء أو النبات، أو الهندسة، أو الرحلات .

اللآلئ البهية في الهندسة الوصفية

عبقرية التخصص الذي وضعه الطهطاوي

حرص الطهطاوي علي تنظيم مشايخ الطباعة والترجمة، فلا يطبع ويصحح الكتاب سوي متخصص؛ فالذين عُيِّنوا في مدرسة الطب من خريجي البعثات تخصصوا في ترجمة العلوم الطبية دون غيرها، والذين عُيِّنوا في مدرسة المهندسخانة تخصَّصوا في ترجمة العلوم الرياضية، بل إنَّا لنلاحظ أن خريجي الألسن كانوا في طريقهم إلى انتهاج هذا النهج؛ فأبوالسعود وخليفة محمود كادَا في آخر العهد يتخصَّصان في ترجمة الكتب التاريخية، وصالح مجدي في ترجمة الكتب الهندسية والحربية، ومحمد الشيمي في ترجمة الكتب الرياضية .

كذلك لم يكن نظام المترجم الواحد للكتاب الواحد عامًّا في عصر محمد علي، بل نستطيع أن نُقررَ أن هذا النظام لم يُتَّبع عادة إلا في مدرستَي الطب البشري والبيطري، أما في مدرسة الهندسة فقد اتُّبِع هذا النظام في بعض الكتب، ولم يُتَّبع في البعض الآخر، فرأينا كتاب “الروضة الزهرية في الهندسة الوصفية” يشترك في ترجمته الشيخ  إبراهيم رمضان والشيخ منصور عزمي، وكتاب “رمز السر المصون في تطبيق الهندسة على الفنون” يشترك في ترجمته عيسوي زهران، وصالح مجدي، ومحمد الحلواني، وكان يُتَّبع هذا النظام عند ترجمة بعض الكتب التي يأمر محمد علي بترجمتها، وذلك رغبة في إنجازها بسرعة؛ فقد أصدر أمرَه مرة بترجمة كتاب “نظامات وترقيات العساكر” وأن يُجمع “التراجمة” وتُحل حبكة الكتاب ويُعطَى لكل مترجم “كراس منه لسهولة ترجمته في أقرب وقت” وذلك “لكون ترجمة هذا الكتاب من الأمور المهمة المستعجلة”.

وقد أخذت مدرسة الألسن بهذا النظام أيضًا في معظم الأحيان؛ فكان يشترك في ترجمة الكتاب الواحد أكثرُ من مترجم، وخاصة إذا كان كبيرَ الحجم، أو كثيرَ الأجزاء فقد اشترك أربعة من تلاميذها في ترجمة كتاب “تاريخ الدولة العربية” واشترك اثنا عشر مترجمًا منهم في ترجمة كتاب “رحلة أنخرسيس جوان في بلاد اليونان”.

وعندما ترجم الشيخ الدكتور أحمد حسن الرشيدي كتابَ “ضياء النيرين في مداواة العينين” قال في مقدمته: “وقد أضفتُ إليه نُبذةً من كتاب الحكيم “والير” النمساوي في كيفية تحضير أدوية العين، واستعمالها في التداوي، وزدتُ على ذلك جملة مستحضرات تُستعمل هنا ومركبات من نحو أكحال ومراهم، وبرودات وقطرات التقطتُها من المؤلفات الجليلة، ليكون المرتاد جامعًا لكل فضيلة.

تاريخ الدولة العربية

وقال الدكتور “برون” في مقدمة كتابه “الأزهار البديعة في علم الطبيعة”: “واقتطفتُ من روضة كتُب هذا الفن كلَّ زهرة بديعة، وجمعتُ هذا الكتاب من أحاسن الفن المذكور”.

وذكر الشيخ الهراوي في مقدمة كتاب “القول الصريح في علم التشريح” تأليف “بايل” وترجمة عنحوري ( دار المحفوظات جزء 23) أنه “ترجم مع ما ضمَّه إليه كلوت بك في أثناء التعليم من زيادات احتاج المقامُ إليها، وذيَّل بكراسة في تعليم صناعة التشريح، وتصبير الأجسام”.

أما كتاب “منتهى الأغراض في علم الأمراض” تأليف “بروسيه وسانسون” وترجمة عنحوري؛ فقد نسخه الدكتور “ديفينو” بخطِّه، ولم يتصرَّف فيه كما قال: “بغير التقديم والتأخير في مباحث بعض الأبواب، وحذف بعض عبارات من الأصل وقَع بها في الإسهاب، وأضاف له مبحث مشاهدات الأمراض، وقاعدة الاستقصا من فتح الموتى ليعلم ما حلَّ بها من الأعراض، وذيَّله بمبحث الديدان المتولدة في باطن الأعضاء حتى لا يبقَى محتاجًا إلى ما تتشوف إليه النفس، أو يوجبها للإغضاء”.

وهكذا فعل رفاعة ببعض كتبه، فقد جمع فصول كتابه “التعريفات الشافية لمريدي الجغرافيا” من كتب فرنسية مختلفة، فخرج بعد ترجمته “متضمنًا لخلاصة كتب «هذا العلم» المطولة”.

وعندما ترجم كتابه “قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر” وهو يطلب العلم في باريس، قال في مقدمته: “ولما كان هذا الكتاب المذكور غير مقصور على مجرد نقل العوائد، بل هو مشتمل على استحسان واستقباح بعضها أشار على مدير التعليم المذكور “مسيو جومار” أن أحذفَ ما يذكره مؤلفُ الكتاب من الحط والتشنيع على بعض العوائد الإسلامية، أو مما لا ثمرةَ لذكره في هذا الكتاب.

وعندما بدأ جهودَه في مدرسة الألسن أراد أن يُخرج مكتبةً تاريخية تتحدَّث عن تاريخ العالم منذ أقدم عصورِه إلى أحدثها، وكان أول كتاب تُرجم من هذه المجموعة كتاب “بداية القدماء وهداية الحكماء” وهو كتاب شامل لتاريخ الشعوب المختلفة في العصور القديمة؛ كاليونان والسودان، والبابليين والفرس، وغيرهم، وقد اشترك جماعةٌ من تلاميذ الألسن في ترجمته، وقال رفاعة في مقدمته: “ولما كان المؤلف ناقصًا تاريخ الخليقة والعرب، وكان في كتاب عماد الدين أبي الفداء سلطان حماة ما يفي بالأرب، أضفتُه إلى الترجمة لكمال المطلوب وبلوغ المرغوب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock