رؤى

دوافع الدعوة الأردنية.. بعودة اللاجئين السوريين

خلال الآونة الأخيرة، ووسط مطالبات بأن تحذو عمان حذو بيروت، التي ستبدأ قريبًا في إعادة اللاجئين السوريين لديها؛ يتصاعد في الأردن خطاب المُطالبة بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. ويأتي ذلك بموازاة معلومات تتحدث عن تنسيق أمني أردني – سوري في هذا الاتجاه.

ومن الواضح، بحسب تقارير صحافية أردنية، أن الأردن على وشك أن يتخذ قرارًا حاسمًا بشأن ملف اللاجئين؛ بل يبدو أن صانع القرار الأردني في طريقه إلى التخلي عن “العقل البارد”، في التعاطي مع ملف الأزمة السورية، وتحديدًا ملف اللاجئين السوريين، الذي بدأ يُلقي بظلال قاتمة على الأوضاع في الأردن، الذي يُعاني أساسًا من اقتصاد مُتعثر.

مؤشرات سلبية

تتضح بعض المؤشرات السلبية التي تؤكد على الدعوة بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.. لعل أهمها ما يلي:

٭ الغضب الشعبي من مُشاركة اللاجئين في الخدمات؛ حيث يُبرر المؤيدون لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم موقفهم، بعدم قدرة الأردن على تحمل الضغط الكبير في القطاعات المفصلية والمهمة، في ظل تشارك الخدمات الأساسية والبني التحتية، ما بين المواطنين الأردنيين واللاجئين.

وتكفي إشارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في خطاب العرش، الذي ألقاه في افتتاح الدورة العادية الأولى للبرلمان الأردني، إلى المساواة بين “استمرار سياسة إدارة الظهر للأردن في ملف اللاجئين السوريين” وبين “قدرة الأردن في الحفاظ على أمنه القومي”؛ وهي إشارة تتضمن استشعارًا من الملك الأردني بحجم الغضب الشعبي المكتوم، من استضافة الأردن لحوالي مليون وثلاثمئة ألف لاجئ سوري، بحسب ما تُؤكد الحكومة الأردنية.

أضف إلى ذلك، صدور نتائج استطلاعات رأي شبه رسمية، قبل يومين من خطاب العرش في البرلمان، بحسب وكالة “جراسا” الإخبارية الأردنية؛ تُشير إلى أن 78 % من عيّنة النخبة الوطنية، والنسبة نفسها من العينة العامة، إلى غضب شعبي مكتوم من حصول تداعيات اقتصادية، طالت السواد الأعظم من الأردنيين، من قبيل الارتفاعات الحادة لإيجارات الشقق السكنية، بسبب تهافت السوريين عليها.

٭ مؤشرات الموقف الأردني الرسمي بخصوص اللاجئين.. إذ يأتي الموقف الأردني الرسمي ليُعبر عن أحد أهم المؤشرات المؤيدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فقد بحث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مع نظيره السوري فيصل المقداد، عددا من القضايا في مقدمتها عودة اللاجئين، وذلك في لقاء جمعهما بنيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ”77″ الخميس 22 سبتمبر الماضي، وفق بيان لوزارة الخارجية الأردنية.

يأتي هذا في وقت تلقت فيه الأردن منحة أمريكية زادت عن عشرة مليارات دولار، أعلن عنها في 17 سبتمبر الماضي، وخُصص منها نحو 756 مليون دولار بهدف تمكين اللاجئين، بعد تقارير محلية تحذر من أزمة كبيرة قد تواجههم، خلال الأشهر القليلة القادمة، تجعلهم غير قادرين على تأمين الحياة الكريمة، خاصة مع الإشارات الأردنية المتكررة، بأن تكلفة هؤلاء اللاجئين على أراضيه تتجاوز اثني عشر مليار دولار سنويا.

٭ عزوف اللاجئين السوريين عن العودة إلى ديارهم؛ فقد أظهر أحدث استطلاع أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في الأردن، وفق مسح لها أجرته في بداية العام الحالي، ونشرته في يونيو الماضي، أن نحو 36 % فقط من اللاجئين السوريين يفكرون في العودة إلى بلادهم، في غضون خمس سنوات؛ في حين أن 2.4% منهم فقط يفكرون بالعودة إلى سوريا في خلال عام.

وبلغة الأرقام يتضح أن نحو 1895 شخصًا فقط، من بين اللاجئين الموجودين بالأردن، قد عادوا إلى بلادهم، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. وبحسب المتحدث باسم المفوضية في الأردن مشعل الفايز، في الخامس من أغسطس الماضي، فإن عدد اللاجئين العائدين من الأردن إلى سوريا، منذ فتح الحدود في عام 2018، وصل إلى نحو ستة وأربعين ألف شخص، منهم 5476 لاجئ من مخيم الزعتري، الذي يصل عدد اللاجئين السوريين فيه إلى ما يُقارب اثنين وثمانين ألف لاجئ، من أصل 676 ألف لاجئ مُسجل لدى المفوضية، حتى نهاية يوليو الماضي.

مخاوف مجتمعية

يستضيف الأردن ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنة مع عدد السكان، وخامس أكبر عدد من اللاجئين من حيث القيمة المطلقة، بحسب دراسة نشرها مركز “كارنيغي” حول “أزمة اللاجئين في الأردن”؛ حيث تؤكد الدراسة على أن ما يقرب من 84 % من اللاجئين، يعيش في مجتمعات مضيفة، وليس في مخيمات اللجوء.

وبالتالي، فإن عددًا من الدوافع المجتمعية ساهمت في تصاعد نبرة الدعوة إلى عودة اللاجئين لبلادهم.. لعل أهمها ما يلي:

٭ المخاوف الديموغرافية من تدفق اللاجئين السوريين؛ ثمة مخاوف لدى الأردنيين من تحول السوريين إلى تكتلات بشرية وأغلبية سكانية، في كثير من المناطق، كما هي الحال في مدينة المفرق شمال البلاد، التي تضم مخيم الزعتري للاجئين السوريين. ومع امتداد الأزمة السورية لسنوات، تجاوزت العقد من الزمان، تحوّل وضع اللاجئين السوريين إلى أزمة ممتدة؛ خصوصًا مع استقرار غالبية اللاجئين في بعض أفقر المناطق في شمال الأردن، حيث تستضيف محافظات عمان وإربد والمفرق أكثر من 76% من جميع اللاجئين السوريين في الأردن.

٭ المخاوف السياسية من استنفار الأردنيين المهمشين؛ يشكل تدفق اللاجئين السوريين مشكلة سياسية إلى الأردن؛ إذ يتركز السوريون بدرجة كبيرة في المجتمعات المحلية الأكثر انكشافًا، حيث بدأت المظالم التي يبرزها اللاجئون السوريون تستنفر الأردنيين المهمشين. ومع تنامي الإحباط العام، يؤطّر الصراع السياسي أكثر فأكثر، باعتباره صراعا ضد الحرمان من الحقوق. ولا ريب أن هذا يتناقض مع الصراعات السياسية التاريخية في الأردن. وقد عجّل التضخم السريع في أعداد اللاجئين السوريين، في ظهور “سردية” عن المهمشين في المجال السياسي، لها القدرة على تهديد استقرار الهيكل السياسي الحالي.

٭ المخاوف من إرهاق القدرات التعليمية والصحية؛ مع التزايد المستمر في أعداد اللاجئين السوريين، داخل المدارس الحكومية في الأردن، بدأت تتصاعد مشاعر الإحباط لدى الأردنيين بسبب عوامل الإجهاد التي أصابت تلك المدارس، من تقصير مدة الحصص الدراسية واكتظاظ الصفوف ونظام الفترتين؛ خصوصًا وأن أكثر من نصف عدد اللاجئين تحت سن الثامنة عشرة، الأمر الذي يُرتب مطالب كبيرة على القدرات التعليمية لنظام التعليم الأردني، الذي كان يشهد تقدمًا قبل اندلاع الأزمة في الجارة الشمالية سوريا.

الأمر نفسه يحدث في ما يخص الرعاية الصحية؛ حيث تُهدد الضغوط الأخيرة الناجمة عن تدفق اللاجئين، إجراءات تقديم الرعاية الصحية في الأردن، خصوصًا في المناطق الشمالية من المملكة، التي تتزايد فيها أعداد اللاجئين. إذ تواجه المراكز الصحية الأردنية، بحسب موقع “قناة المملكة”، في الثاني من يناير من العام الحالي، أعدادًا من المرضى تفوق طاقتها، فضلًا عن نقص الأدوية واللقاحات.

تساؤلات حائرة

في هذا السياق، يمكن القول بأنه رغم عدم الحديث رسميًا، عن إعادة اللاجئين السوريين بالقوة، حيث يجري الحديث دائمًا عن عودة طوعية مشروطة بانتهاء ظروف الحرب؛ إلا أن الموقف الأردني يتضمن عددا من التساؤلات الحائرة بخصوص المفارقة بين كيفية التعامل مع إشكاليات اللاجئين السوريين، وبين عدد من المنح المقدمة له بخصوص تمكين هؤلاء اللاجئين؛ وهي التساؤلات التي تدفع إلى احتمال أن يُفكر الأردن جديا، بخيارات من قبيل إغلاق  الحدود البرية مع سوريا، وعدم السماح لموجات جديدة من النازحين السوريين بالدخول إلى الأردن. أضف إلى ذلك، إمكانية إزالة “صفة اللجوء” عن نحو نصف مليون لاجئ سوري؛ وهو ما يعني في هذه الحال، طبقا للاتفاقيات الدولية، أن عمان لم تعد معنية بتقديم أي نوع من المساعدة إليهم.. ما يمكن أن يجعل من هؤلاء اللاجئين “قنبلة موقوتة” في منطقة الشام.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock